كتب الأستاذ حليم خاتون:
في الجزء الأول، تم تناول أربعة تيارات شاركت في الحرب الأهلية:
التيار اليميني الذي انضوت تحته أحزاب: الكتائب والأحرار وحراس الأرز وجيش لبنان الجنوبي، وبنوع أكثرتميّزاوتعقيدا، المردةقبل أن تُولد القوات اللبنانية من رحم الكتائب وتقوم بتصفية كل الرؤوس التي قد تنافس بشير الجميل تحت شعار توحيد
البندقية
المسيحية.
إلى جانب هذا اليمين السياسي، انخرط جزء مهم من التيار الديني المسيحي، حيث حمل مجموعة من الرهبان والقساوسة السلاح وذبحوا باسم الصليب..
في المقابل، في بيروت الغربية، والجبل والمقاطعات الأربع، كان هناك تجمع خليط غير متجانس من القوى اليسارية، سيطر على قرارها كمال جنبلاط من "الأممية
الإشتراكية" الثانية، وانطوى تحت جناحه شيوعيو موسكو من الحزب الشيوعي، ومنظمة العمل مع جناحين من القوميين السوريين ..
كل هذا مع خليط من ماركسيين مختلفي الجذور، إلى ناصريين متعدًدي الولاءات... فوضى سلاح غطّاها، كما غطّى كل الحياة السياسية تجمع الفصائل الفلسطينية على اختلافها...
في هذه المخلوطة، غير المحدودة، من الِانتماءات، تواجد الإسلاميون، متعدًدوا الانتماءات أيضا..
كذلك فعل التيار الإسلامي الرسمي الذي كان يركب الموجة،بين الحين والآخر، في محاولة لقطف الثمار له وحده، وهذا ما حصل فعلا مع اتفاق الطائف الذي قزّم أزمة النظام البنيويةالى مجرد تقاسم حصص بين المسلمين والمسيحيين.
ما قدّمه الطائف، هو عملية تجميل لحصص الطوائف انتهت بوقف العدّاد الديموغرافي، ووضع معادلة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين إلى الأبد، دون أي تخطيط اقتصادي، حتى صار على المتطوع المسلم في الجيش أن يفتش بنفسه عن متطوع مسيحي وإلا، فلا وظيفة!!
ولأن الطائف لم يضع حلولاً جذرية لأزمة النظام، كان لا بد من بيع اللبنانيين أوهام البحبوحة التي تنسيهم المشاكل المعلّقة،دون حل..
كل طرف في الطائف كان يبحث عن مصالحه وأهدافه.
أمريكا والغرب يهمهم استمرار لبنان التابع لهم والضعيف أبدا ودوماً أمام إسرائيل، والذي لا يستطيع العيش دون مال التسوّل من الخليج وغير الخليج...
سوريا فرحت بعودةالِابن الضال.
صار كل شيء في لبنان تحت رحمتها رسميا... الرئاسات، الحكومات، الأحزاب، النواب، الأجهزة الأمنية، والإدارات ....
سوريا وكل هؤلاء كانوا يعيشون من مال التسوّل الذي يتدفق، على أمل الوصول إلى تسوية في المنطقة ... وكلٌّ يُمنًي النفس بالربيع القادم والِازدهار والعيش الرغيد، وفقاً لتصريحات رفيق الحريري...
في سوق بيع الأوهام هذا، أملت إسرائيل، بالقضاء نهائياً على حقً العودة، والسيطرة النهائية على كل فلسطين، في هذه المرحلةعلى الأقل.
لا بأس من بيع اللبنانيين أحلاماً وردية تأتي مع السلام القادم والذي يعيقه بضعة مشاغبين يتعاونون مع حرس الثورة الإيرانية وفيلق القدس...
تدفق المال بلا حساب، ولكن أيضاً بلا أي سياسة تنموية...
مال للِانفاق بجنون، وعلى أتفه الأمور...
وصل الأمر بإعطاء قروض مصرفية ليس فقط للِاستهلاك المترَف والسيارات والشقق الفخمة، بل حتى لعمليات التجميل وشراء الثياب، والرحلات السياحية...
فقّاعات مالية بلا أساس إنتاجيّ...
كانت سياسة رفيق الحريري تقوم على تصديرالبشر...
تصدير شباب وصبايا لبنان للعمل في الخارج وإرسال مدخراتهم إلى لبنان لتصرفها الطبقة السياسية الحاكمة على مشاريع وهمية، أو حتى مشاريع بكلفة تزيد أضعافاً مصاعفةً، تذهب أرباحها إلى جيبوبهم...
في دراسة للدكتور سليم الحص، تبيّن أن تجهيز المدينة الرياضية كلّف، تقريباً أربعة أضعاف، وأنّ الجسور والطرقات على طرازها...
المأساة أنّ هذا التدفق المالي كان قروضاً تنتظر وقت وقوع البقرة حتى يتم ذبحها...
لماذا صناعة الأحذية والألبسة، حين يتم تخفيض الرسوم الجمركية وفرض ال TVA على السلع المستوردة، كما على تلك المُنتجة محلياً فتصبح الماركات الأجنبية أرخص من سعرها في بلد المنشأ أحيانا...
دخلنا في شراكة متوسطية فتحت سوق لبنان لكل المنتجات الأوروبية، دون أية حمايةً للقطاعين الزراعي والصناعي.
كيلو البطاطا المستوردة ب10 سنت في أرضها، في غياب كامل لأي تخطيط لمصير المزارعين اللبنانيين...
حُلْمُ رفيق الحريري، تحويل بيروت الى موناكو
للأغنياء العرب، مع الكثير من الكازينوهات والملاهي الليلية، والفنادق.. فقراء العاصمة، يذهبون إلى بشامون وعرمون والشويفات والمتنَين.
شاهد فؤاد السنيورة مسرحية زياد، حيث زجاجة الويسكي تستطيع تأمين أرباح تزيد على 500٪.
فليعمل من يتبقى من شباب لبنان وشابّاته في الحانات...
لقد حوّلت الطبقة السياسية لبنان الى بلد متسوِّل، مقترض، مع شعب تعلّم ثقافة الِاسترزاق، دون أي إنتاج، وعبر الإستغلال للعمال الأجانب، والسوريين بشكل خاص...
لقد تحوّلنا إلى بلد مفلس ماليا، تابع سياسيا، ولأكثر من جهة... باختصار بلد بلا إرادة...
بلد مهدّد، في أي لحظة، إما بالإنهيار أو بالحرب الأهلية،
وفقا للتبعية إلى الخارج...
بلد مسلوب الإرادة إلى درجة الموت اختناقاً، رفضا للأوكسيجين السوري...والموت اقتصاديا، رفضاً للمحروقات من إيران...
والموت اِقتِراضا، رفضاً لمعامل الكهرباء....
والموت فقرا، رفضا للمسِّ
بالزعامات الفاسدة...
الشعب يسأل...
متى الحل؟
من هو القادر على فرض الحل؟
الجيش؟ حزب الله؟
هل هناك إمكانية ثورة في لبنان؟
الأمورفعلا معقّدة..
لكن الِاستمرار على نفس المنوال لن يؤدي إلا إلى الكارثة.