كتب الأستاذ حليم خاتون:
في الجزء الرابع تم تناول استحالة أي إمكانية إصلاح جذري يهدف لبناء دولة عدالة وقانون من قبل جماعة الحريرية السياسية.
هذا لا يحتاج إلى الكثير من البراهين، حيث لا زال هؤلاء في السلطة، وهم أكثر عناصر تخريب البلد...، حتى حين يغيبون صوريا عن الحكم، فإنهم يديرون الدولة عن بُعد عبر رجالهم المزروعين في كل مفاصل الدولة.
ماذا عن الآخرين...؟
القوى الأخرى هي التيار العوني، حزب القوات، حزب الله، ومجموعة متفرقة أيضا من المستقلًين والقوى الأقل انتشارا على الساحة.
التيار العوني الذي بدا للحريرية في بادئ الأمر، أنهم يحملون السلّم بالعرض، ولا يرضون بأقل من مجابهة دولة الطائف وخطط رفيق الحريري في ما يسمونه هم دولة الdown town..وهو في واقع الحال، دولة الكازينو..
صدّق الشعب اللبناني ميشال عون، واقتنع بأن الإصلاح الجذري لا بد آت على يد هذا الجنرال الختيار ، لكن العنيد...
لفترة طويلة نسبيا، لعب الجنرال دور معارضة النظام وبالتالي معارضة دولة الطائف من خارج هذا النظام...
كانت معارضة الجنرال الشرسة للوجود السوري في لبنان، حافزا للذين عانوا من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها نظام دمشق طيلة عقود من التواجد في لبنان...
نظر هؤلاء بعين العطف إلى مشروع ميشال عون لنقد الدولة...
عرف التيار أنه لا يمكن أن يدخل إلى السلطة إلا إذا وافق على اتفاق الطائف، فوقع في الفخ الأول:
الموافقة على دستور مسخ لا يمكن أن يبني دولة قانون ولو بالحدّ الأدنى من الشروط...
كان هذا تنازل الجنرال الأول، قبل التمادي في التنازلات حتى تحول التيار العلماني إلى شيء يشبه كثيرا أحزاب الديموقراطية المسيحية
في أوروبا الشرقية والتي مزجت بين ديكتاتورية البروليتاريا وديكتاتورية الدين، في تخلف غير مسبوق حضاريا.
اكتسح عون الساحة المسيحية، وعرف أنه إذا تفاهم مع حزب الله فسوف يضمن غالبية شعبية، وهذا ما تحقّق فعلا...
لكن النظام اللبناني العفِن، لا يهتم بالاكثريات وإن كان يتشدّق بالديموقراطية العددية.
دخل التيار البرلمان، ولكنه ظلّ يتصرّف وكأن جمهورية ال43 لا زالت قائمة، حيث رئيس الجمهورية ملك غير متوّج.
لذلك سعى إلى كرسي الرئاسة الأولى.
كان باستطاعة عون عمل الكثير عن طريق البرلمان وبناء تحالفات مع قوى التغيير حتى ولو كانت صغيرة.
لكنه مع الأسف، ما لبث أن تخلّى عن البرنامج- الكتاب، (الإبراء المستحيل) الذي كان فضح الحريرية السياسية وعرّاها تماما... مشى برجليه إلى حفرة الحريري الإبن، فقام بعقد التسوية الرئاسية.
تحولت معارضة ميشال عون من معارضة للنظام الفاسد إلى محاولة تحاصص طائفي جعله يخسر معظم العلمانيين والاصلاحيين ودعاة بناء دولة القانون والعدالة...
مع أن خصوم الجنرال يحاولون دوما ربط ضعفه الحالي بالتفاهم الذي عقده مع حزب الله، فالحقيقة هي أن ضعف الجنرال ناتج عن دخوله في نظام الطائف بدل نسف هذا النظام من الأساس كما آمن محبو الجنرال...
القوات اللبنانية بالإختلاف عن التيار العوني، هم حزب الفئات الشعبية عقائديا.
إذا كان التيار نما ليصبح حزب البرجوازية المسيحية التي تريد الإنفتاح على الآخرين لتكبير الاسواق، فإن القوات هي ممثل الطبقتين الوسطى والدنيا عند المسيحيين...
ولأن القوات هي يمينية الطابع والعقيدة في نفس الوقت، ولأن الفئات الشعبية المسيحية تخاف من خسارة مكتسباتها الطائفية دون مقابل، فإن هذا جعل منها حزبا فاشيا يكره الآخر..
إن فشل اليسار في جذب هاتين الطبقتين، ترك فقراء المسيحيين بشكل عام ضحايا العقلية العنصرية اليمينية..
قد تسمًي الفاشية اليمينية
نفسها مسيحية ولكنها بعيدة كل البعد عن روح المحبة المسيحية...
في الحقيقة، دخلت القوات نظام الطائف تحت وصاية اميريكية سعودية، لكن تعارضها مع النظام السوري الذي شكّل عامود الطائف الثالث سرعان ما أبعدها عن السلطة، فلم تشارك في الفساد الحريري رغم عدم براءتها من هذا الفساد طيلة عقدين قبل الطائف.
القوات واقعة بين خيارين،
الإصلاح لا يضرّ بمصالحها، لا بل يقوًيها مقابل حلفائها في معسكر 14 آذار، لكنها لا تستطيع أن تمشي الى الأخير في مشروع الدولة القوية العادلة لاصطدامه بمخطط عرّابيها من الأميريكيين والخليجيين.
الثورة لها شعبية عند الطبقتين الوسطى والدنيا،
لذلك تظل القوات أقرب الأطراف باستثناء حزب الله واليسار من الثورة. يلزمها فقط التحرّر من الهيمنة الخليجية الأميريكية...