كتب الكاتب محمد دلبح: سياسة كيان الاحتلال الصهيوني : اغتيال معارضي مشاريع التسوية
فلسطين
كتب الكاتب محمد دلبح: سياسة كيان الاحتلال الصهيوني : اغتيال معارضي مشاريع التسوية
محمد سعيد دلبح
10 نيسان 2021 , 20:42 م
كتب الكاتب محمد دلبح\ واشنطن. في مثل هذا اليوم... العاشر من نيسان/إبريل 1973 قامت وحدة كوماندوز صهيونية باغتيال ثلاثة من قادة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية في البناية التي يقطنوها في شارع فردان

كتب الكاتب محمد دلبح\ واشنطن.


في مثل هذا اليوم... العاشر من نيسان/إبريل 1973 قامت وحدة كوماندوز صهيونية باغتيال ثلاثة من قادة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية في البناية التي يقطنوها في شارع فردان في بيروت وهم كمال عدوان ومحمد يوسف النجار (أبو يوسف) وكمال ناصر.
وكان جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد)اتخذ قرارا بالتدخل غير المباشر في السياسة الفلسطينية لجهة اغتيال رموز التيار الوطني المتشدد في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهى السياسة التي اعتمدها الموساد في عمليات أخرى لاحقا ضد عناصر فلسطينية عارضت خطط التسوية السلمية. وقد جاءت عملية اغتيال القادة الثلاثة بعد ثلاثة أشهر من اختتام الدورة الـ 11 للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في القاهرة في الفترة من 6-10 كانون الثاني/يناير 1973 وكان النجار وعدوان قد تشددا في رفض مشروع  للتسوية قدمه روجر فيشر وهو أكاديمي أميركي يهودي من جامعة هارفارد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني وهو ما لاقى هوى لدى ياسر عرفات ومعه أبو مازن وآخرين، محدثا انقساما داخل حركة "فتح" وقد اندفع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" آنذاك كمال عدوان ليقول في تلك الدورة إنه "في اللحظة التي يجري فيها الموافقة على مثل هذا المشروع سيكون نصفنا في القبر والنصف الآخر في المعتقل" وقد أيده في الرفض آنذاك عضو اللجنة المركزية للحركة محمد يوسف النجار (أبو يوسف) (وكلاهما جاء من صفوف الإخوان المسلمين وعاشا في قطاع غزة بعد نكبة فلسطين الأولى عام 1948 وهما من حلقة قطر التي شكلت مع غيرها من الحلقات نواة "فتح" الأولى). 
ويذكر أن كمال عدوان سبق أن أكد موقفه الرافض للحلول السياسية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار الدولة بقوله " إن مجرد دخول العقل الفلسطيني إطار البدائل عن العمل المسلح يكون قد دخل عالم المتاهة الذي تتعدد فيه المدارس الفكرية الفلسطينية ويضيع الإجماع ويقسم الموقف وتتلاشى قدرة الفعل وتنهى إرادة القتال، عندها تصبح البدائل هي أقصى الطموح ، ويتحول العمل السياسي إلى هدف  بدلا من أن يكون العمل السياسي هو استثمار للفعل في إطار التعامل لحساب الهدف تماما كما ضاعت أو كما ضيعوا إرادة الفعل الفلسطيني في أعقاب (حرب)  1948 عندما تعددت المشاريع والقرارات الدولية التي تعلق بها العقل الفلسطيني يومها واحتار بها وضاعت إرادة الفعل عنده في انتظار أن يفعل له الآخرون... كثيرون هم الذين ينظرون بأمل للتسوية، ولضرورة خروج الشعب الفلسطيني بشيء من هذه التسوية، ليس هدفهم الحرص على الشعب الفلسطيني، ولكن الهدف هو الخروج به من عقل الثورة إلى عقل التسوية".

عملية الاغتيال نفذتها قوة كوماندوز إسرائيلية بقيادة إيهود باراك وذلك بمهاجمة البناية التي كان يقطنها كمال عدوان مسؤول القطاع الغربي (الأرض المحتلة) في "فتح" وأبو يوسف النجار (الذي كان آنذاك عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسا لدائرتها السياسية) وكمال ناصر (عضو اللجنة التنفيذية والناطق باسمها) التي تقع في شارع فردان ببيروت الغربية، حيث استطاع باراك مع زميله موكي بتسار الدخول إلى البناية، إذ كان الباب الزجاجي المؤدي إلى الداخل مفتوحا وموقف الحارس فارغا، حيث تبعهما بقية أفراد مجموعة الكوماندوز التي تمكنت من قتل حارس فدائي واحد وصل إلى البناية.  وكان قد تم مغادرة بقية الحراس قبل يومين من العملية بناء على أمر من عرفات بحجة تزايد شكاوي سكان البناية من وجودهم. وقد اقتحم أفراد الكومنادوز الإسرائيليون شقق القادة الثلاثة ليتم اغتيالهم. 
وتشير عملية الاغتيال وملابساتها إلى تواطئ محلي لبناني في تسهيل عميلة الاغتيال. وفي هذا الصدد ذكر الصحفي اللبناني في صحيفة لوريان لوجور في ذلك الوقت رودولف القارح أن "كمال ناصر غادر مكاتب الصحيفة ليلتها متوجها إلى شقته، وقبل منتصف الليل سمعنا اصوات اطلاق نار، من صوب بيت الطائفة الدرزية، فانتقلت هرولة الى هناك مع مصوّرنا وما ان وصلنا الى محطة الوقود (لم تعد موجودة الآن) حتى سمعنا أزيز الرصاص المتبادل، رمينا انفسنا تحت سيارة مرسيدس مركونة وشاهدت بعدها ما يلي: اولا سيارة بونتياك للفرقة 16 الأمنية اللبنانية تسرع باتجاه شارع فردان مشغّلة الصفارات. كان هناك ملالة لقوى الأمن الداخلي تقطع الطريق أمام ثكنة الدرك، انسحبت الملالة لتفتح الطريق للبونتياك ثم عادت وتمركزت في منتصف الشارع. وتأكد لي بالملموس أنه كان هناك تواطئا محليا واضحا. وقد اضطر بسبب ذلك قائد الجيش آنذاك، اسكندر غانم الى الاستقالة. ودخلنا المبنى وصعدنا الى الشقق وذهبت فورا الى شقة كمال ناصر، َوكان شباب المقاومة الفلسطينية والقوى الامنية اللبنانية بدأت تتوافد الى المكان. لن انسى ابدا المشهد الرهيب. الكلب المجرم ايهود باراك لم يكتف باغتيال كمال ناصر، بل مدّده على الارض بشكل صليب وافرغ ثلاثين رصاصة في جسده. عدت لاحقا الى المكتب وكتبت ما شاهدت وتم نشره في اليوم التالي. حوالي الخامسة صباحا بلغني أن سيارة مشبوهة كانت متوقفة ومركونة على بعد امتار من فندق ايدن روك على الشاطئ. توجهت فورا الى هناك، وهنا كانت المفاجأة. السيارة هي البونتياك للفرقة 16 التي شاهدتها قبل ساعات تخرج بسرعة من الشارع الفرعي حيث وقع الاغتيال. وكانت المؤخرة مفتوحة وبقع الدماء لم تجف بعد، على المقاعد الخلفية والصندوق والضمادات الملوثة بالدماء متناثرة مما يثبت وقوع إصابات في أوساط فريق القتل الصهيوني من جراء المقاومة التي أبداها القادة الثلاثة. 
من كتاب: "ستون عاما من الخداع: حركة فتح من مشروع الزعيم إلى مشروع التصفية".

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري