كتب الأستاذ حليم خاتون:
هل يمكن مقارنة غادة عون بأولئك القضاة الشجعان الإيطاليين الذين قاوموا سلطتي الفساد والمافيا بعد سنوات من تحكم هؤلاء بأنفاس الإيطاليين كما تتحكم الطبقة السياسية-المالية اليوم في لبنان، بأموال اللبنانيين وأنفاسهم؟
هل يمكن مقارنة غادة عون بجان دارك أو سهى بشارة أو سناء محيدلي؟
بعدما اجتاحت الجيوش الإنكليزية فرنسا منذ عدة قرون، انتفضت شابة فرنسية من عامة الشعب، حملت سيفها وأمتطت فرسها دفاعا عن الوطن الذي مثّله يومها، الملك، والكنيسة...
تقول بعض الروايات الشعبية أن الشابة جان دارك، سقطت في أيدي الإنكليز بمؤامرة من بعض أوساط الملك والكنيسة اللذين اعتراهما الخوف من وهج الثورة التي مثّلتها جان دارك حتى أن الفلاحين طوّبوها قديسة وحارسة لفرنسا.... فوق الملك.... وفوق الكنيسة....
كما لجان دارك، مثّل الوطن لغادة عون، الملك ميشال عون، والكنيسة، وبطركها الراعي... قبل أن تصل إلى عقيدة الوطن-الشعب.... في مرافعتها أمام مجلس "القضاء" الأعلى...
كما سقطت جان دارك شهيدة بمؤامرة من أوساط الملك والكنيسة، قد تسقط غادة عون شهيدة بمؤامرة من أوساط الملك المُعاصر، والكنيسة الشريكة في تهريب المال...
قد يقول البعض أن هناك مبالغة في رفع اسم القاضية غادة عون إلى مراتب الشهداء أمثال سناء محيدلي... أو المناضلين أمثال سهى بشارة.
من يقرأ مطالعة القاضية عون أمام مجلس "القضاء" الأعلى، يرى امرأة شجاعة تحطًم سلطة التجار الفاسدين الذين دنّسوا هيكل الوطن، وتسعى إلى قطع يد السلطة التي نهبت شعب هذا الوطن....
أين محاربو الفساد الذين لم يتجاوزوا الكلام العام المُبهم عن طبقة الأوليغارشيا المالية- السياسية..
حملت غادة عون سيفا قضائيا، هو كل ما تملكه من سلاح...
طالما هي تحمل هذا السيف وتحارب به كل الفاسدين المتسلًطين على شعب هذا الوطن الصغير... سوف تكون بنفس قداسة المناضلين والشهداء...
أما نحن، الشعب الذي لا يعجب بعض الشاشات، نحن علينا الحرص أن لا تتراجع غادة عون.
أمام غادة عون طريقان ثالثهما الخزي والعار: إما النصر أو الشهادة على نسق جان دارك.
هل تحارب غادة عون طواحين الهواء كما أوحت بعض الشاشات؟
بعد ٤٨ ساعة من الهجوم المتواصل على ما تفعله غادة عون...
بعد مقدمات نشرات أخبار وبرامج مخزية في ليً الحقائق
أو تقزيمها، خرج علينا تحسين خياط بمنتج جديد:
النظام أم الفوضى؟
استضافت السيدة سمر ابي خليل الوزير السابق رشيد درباس على شاشة مريم البسّام وكرمى الخياط...
بكل أسف، تركت السيدة سمر، التي نحترم جدا، الوزير السابق يبثّ سمومه وكأن المطلوب هو صلب غادة عون وصلب الثورة التي لم تبدأ بعد....
يبدو أن كل الحرب القديمة على فساد حركة امل ورندا وغير ذلك، لم يكن سوى نزوة لغاية في نفس يعقوب...
تخيير الثوار بين النظام والفوضى، ليس اختراعا جديدا يملك حصريته الوزير درباس...
تخويف الناس من الفوضى هو ما دأبت على فعله كل النظم الفاسدة والظالمة على مرً الأزمان....
الأوليغارشيا، تنهب الاوطان وتدفعها الى الإنهيار ثم تخيًر الشعوب بين النظام أو الفوضى.
الوزير رشيد درباس يرى في شعار إسقاط النظام.... سخافة!!!
لماذا؟
لأن البديل هو الفوضى!!!
رشيد درباس قال نفس هذه العبارات عشية الثورة الفرنسية التي رفعت شعار الثورة المثلّث الذي لا زال علم فرنسا يحمله حتى اليوم،
شعار : حرية، أُخوّة، عدالة.
رشيد درباس قال نفس هذا التحذير في التخيير بين الفوضى والنظام عشية سقوط الديكتاتور باتيستا ودخول كاسترو وغيفارا إلى هافانا...
أمثال رشيد درباس موجودون دوما في كل العصور وفي كل الامكنة، يخرجون دفاعا عن الأنظمة الفاسدة.... يثيرون الرعب من المستقبل المجهول عبر تخيير الناس بين النظام والفوضى.
منذ حوالي الاسبوعين خرج على بانوراما المنار أحد الخبراء الاقتصاديين من جماعة امل، بطرح عجيب، لكنه ليس على الإطلاق، غريبا.
لقد حصل هذا في الماضي....
بعد شعار لا غالب ولا مغلوب، ها هو شعار عفا الله عما مضى...
بالنسبة لهذا الخبير، هذا هو الحلّ الوحيد، وإلّا فالحرب الأهلية.... والفوضى والموت...
عندما سُئل باستغراب عن ضياع أموال اللبنانيين، أجاب بكل بساطة...
إن حرب ال٧٥ الأهلية في لبنان، انتهت بمسامحة القتلة والمجرمين على فظائع أكبر بكثير من نهب المال العام ومقدّرات اللبنانيين...
لماذا لا يتم العفو عن الناهبين والسارقين طالما أن العفو السابق جرى للقتلة ومرتكبي المجازر؟!؟
"كُتب عليك العمل ببلاش.." تقول اغنية غسّان الرحباني...
هكذا، وبكل بساطة، يعمل أربعة أو خمسة ملايين لبناني أكثر من نصف قرن في ظروف غربة وشقاء، سواء في داخل الوطن، او في الخارج، في الحرً أو البرد، في شوق لكلمة جميلة من لغتنا العربية.... يتعلمون لغات العالم اجمع، لكي يعودوا يوما إلى حضن وطن... إلى بيت جميل في الضيعة... فإذا بزمرة من كلاب آخر هذا الزمان تسطو على كل شيء ...
تسطو على أموالنا واحلامنا، تسطو على شيخوختنا...
ويريد صاحبنا هذا، وبكل بساطة،شطب كل شيء بشعار،
عفا الله عما مضى....
ويريد رشيد درباس منعنا من نصب المشانق وقطع رؤوس أهل هذا النظام .... خوفا من ماذا؟
خوفا من الفوضى!!!!؟؟؟
منطق عهر سياسي بامتياز يريد كسر مجاديف ثورة تعتمر في صدورنا، ويريدون خنقها في هذه الصدور....
الشعب ليس سوى ارقام....
هؤلاء الجياع ليسوا سوى ارقام..
هؤلاء الذين ضاع عمرهم ...
هؤلاء الذين ضاعت احلامهم...
كل هؤلاء مع اولادهم واحبائهم، مجرد ارقام ممكن تجاهلها .... المهم أن الزعيم بخير....
المهم أن البيك القديم... والبيك الجديد، انتاج حرب ال٧٥، بخير..
ألا يعيش اولاد طبقة الأوليغارشيا السياسية- المالية بخير؟
هذا يكفي...
فلننسَ الماضي...
الخسارة فقط في المال....
المال "بيتعوّض"....
اللبناني معتاد بعد اي حادث سير، على كلمة الحمدلله على السلامة، الخسارة في الحديد...
ماذا عن العمر الذي راح...؟
ماذا عن الأحلام التي لن تتحقق....؟
ماذا عن آخر أيام العمر في الضيعة، التي لن تُعاش أبدا....؟
بالنسبة لذلك الخبير الاقتصادي من أمل، الحمدلله أن الخسارة طلعت في المال... يجب عدم الوصول إلى الحرب الأهلية...
ربما يكون هذا منطق حزب الله أيضا...؟
لقد بتنا نعيش الم الضَياع في عالم الضِباع...
بالنسبة لرشيد درباس، المهم أن يبقى النظام بخير...
النظام هو كل تلك الطبقة التي اغتصبت احلامنا، وأعمارنا، وحياتنا...
هل تذكرون قول أحمد بيك الاسعد الجدّ على مطالبة أهالي الطيبة له ببناء مدرسة لأولادهم...
"لشو ولادكم بدهم يتعلموا، ما هيدا كامل عم يتعلم..."
لماذا يريد شعب لبنان العيش بكرامة وعدالة، طالما أن طبقة الواحد في المئة تختزل كل حقوقنا وكل عدالتنا....
بئس ذلك المنطق وبئس قائله...
من أحمد الأسعد إلى رشيد درباس....
إما أن يعيش الشعب، كل الشعب، بكرامة وعدالة ويحيا الوطن، وألا فلتحصد الفوضى رؤوس الخيانة والنهب والعمالة، مهما علا شأنها...