كتب الأستاذ حليم خاتون:
كانت النقاشات حامية دوماً في المدرسة، بين يسار كارل ماركس من جهة، ويمين أولاد بيار الجميل الجَدّ، من جهة ثانية.
اليسار يُصرّ على تسمية الأول من أيار، عيداً للعمّال... بينما يصرّ جماعة اليمين على تسميته عيداً للعمل...
تاريخياً، الأول من أيار هو تخليد لنضال عمّال سقطوا وهم يكافحون من أجل تحسين أوضاع العمال وجعلها أكثر إنسانية....
تاريخياً أيضاً، كان هذا الكفاح يجري في وجه أرباب العمل، حتى ولو تصادف هكذا، أن وُجد بالصدفة النادرة جداََ، واحد بالألف من أرباب العمل الذين لديهم حسّ انساني...
ليس في الأمر أي تجنِِ على الإطلاق..
إنها الحقائق الِاجتماعية في التاريخ الإنساني...
إنه المجتمع الطبقي الذي يحلم بالمحبة التي نادى بها السيد المسيح، والتى ساوى فيها الإسلام المحمدي الأول بين البشر دون أن يستطيع منع السياط من النيل من جسد بلال الحبشي إلا عبر عتقه بالشراء..
صحيح أن فريدريك إنغلز، صديق كارل ماركس وشريكه في وضع مانيفيست الحركة الشيوعية الأول، كان من أرباب العمل... لكن هذا لم يمنع إنغلز نفسه من إدانة أرباب العمل كطبقة، وليس كأفراد...
المحبة في الأناجيل هي جوهر الدعوة المسيحية...
لكنّ هذه المحبة لم تمنع الكثير من المسيحيين من ارتكاب أفظع الجرائم بحق الإنسانية...إبادة سكان أمريكا وأستراليا وبقية أوقيانيا الأصليين... استعمار آسيا وإفريقيا والِاضطهاد والقتل العنصري... تصفية المسلمين واليهود في إسبانيا بعد سقوط الأندلس... مجازر الحربين العالميتين الأولى والثانية.... الخ مما لا يُشرِّف الدعوة المسيحية بشيء....
نفس الأمر ينطبق على ما ارتكبه الكثير من المسلمين في الغزوات التي يحب البعض تسميتها بالفتوحات الإسلامية وما رافقها من قتل واستعباد لشعوب أنتجت فيما أنتجت، جيشاً وسلطنةً للمماليك..ومجازر فتح القسطنطينية وما ارتكبته جيوش السلطان سليم الأول بحق المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء... وصولاً إلى وهابية الجزيرة العربية والتكفير الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين أساسه، وما ارتكبه هؤلاء على أيدي داعش والنصرة وأخواتها...
في التاريخ، في علم الِاجتماع، لا يمكن أن يكون المرء محايداً، حتى ولو غنّت فيروز من الفجر إلى النجر للمحبة في مدينة أورفليس مع جبران خليل جبران...
المحبة جميلة جداً.. لكنّها لن تغيِّر شيئاً لا في التاريخ ولافي المجتمعات...
حتى لو قاتل عمّال الغرب في جيوش الإمبريالية لقتل شعوب العالم الثالث... فإن الذي سوف يقتل في الجانبين هم العمال والفقراء...
خيرالأمورأوسطها، يقول المثل..
الإسلام دين
الوسطية، يُصرّ بعضهم....
لم تردع هذه الأقوال هتلر أو نابليون أو أبو بكر البغدادي أو الجولاني أونتنياهو عن القيام بالدور الذي فرضته عليهم لغة المصالح، والتي سوف تفرضها على غيرهم ممن سوف يأتي مستقبلاً، ليقوم بما قام به ستالين أو فرانكو أو بينوشيه...
بين الفلسفة والتفلسف خيط هو أقل سماكة من شعرة معاوية...
لماذا يجب ذكر كل ما سبق وتذكير الناس به...
ببساطة لأن هناك من لا يرى...ليس بسبب الغشاوة.. بل بسبب تجاهل الحقائق التاريخية والبشرية...
كيفما أدار المرء قنوات التلفزة أو البث في العالم، سوف يجد نفس الأمور تحصل... إنها ليست الغشاوة...إنه عمى الألوان الطبقي والسياسي والِاجتماعي..
في لبنان، نفس الأمور تحصل...
كل المأساة اللبنانية يتم تقزيمها
في ... تشكيل حكومة...
كل القنوات... الجديد، المنار، NBN، MTV، LBC، OTV، حتى في الدكاكين، عند الحلاق، في السرفيس... أينما كان...
القصة، كل القصة، هي في الحكومة القادمة...
لا ينقص سوى الغناء لتسود المحبة بين عون والحريري، أو بين باسيل ومصطفى علّوش..
يخرج بعض الخبراء لتحليل الوضع... يبدو كل شيء واضحا وضوح الشمس، ولا ينقص سوى إدخال الفاسدين الى السجون ونصب المشانق ....
فجأة، يعود السجال..
المنار والOTV تُصران أن الحريري هو من يُعرقل الحكومة...
بينما تصبّ الجديد وال MTV جام غضبهما على عون وباسيل..
الLBC، والNBN، ضربة على الحافر، وضربة على المسمار...
لكن الكل يصوِّر للناس أن المشكلة، كل المشكلة، هي في تأليف الحكومة!!!
المطلوب المحبة...
خيرالامور أوسطها.
فليتكلم الخبراء كما يريدون..
الحلول الجذرية في لبنان... يعني الحرب... الدمار...
لماذا لا نعود إلى المسيحية الأولى ودروس المحبة...
لماذا لا نعود إلى الإسلام الأول، والمساواة بين البشر حيث لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى...
انظروا الى ابن سلمان وهو ينطق محبة تجاه الجارة إيران...
قريبا تنتهي فيينا وسوف يعمّ الخير والسلام...
قريبا قد يعلن نتنياهو الندم على ما اقترفت يداه...
ناموا أكثر في جنة الوسطية...
الذي أنصف عمّال الغرب بعض الشيء، لم تكن الوسطية...بل بعض الفتات الذي كانت ترميه الإمبريالية مما تنهبه من العالم الثالث...
الخير الذي كان في لبنان، لم يكن سوى بعض الفتات الذي كان الفاسدون يرمونه للناس لتغطية سرقاتهم وذر الغبار في العيون أثناء انسحابهم إلى بنوك سويسرا ولوكسمبورغ وغيرهما...
لو كانت الوسطية هي الحل، لانتصر ابو ملحم على كل الفاسدين الذين تعاقبوا على لبنان، حتى منذ ما قبل تأسيس لبنان الكبير...
تستمر فيروز بالغناء للمحبة...
لكن الذي خلف جبران خليل جبران في بشرِّي هوسمير جعجع... وليس الأب بيير...
والذين تعاقبوا على "حكم" لبنان بعد الشيخ رفيق، هم فؤاد الثاني في لبنان، بعد فؤاد الأول في مصر، وميقاتي الِاتصالات والإسكان....
وأصحابهم وشركائهم من كل الطوائف والمناطق...
لنستمرّ في الغناء للمحبة حتى عودة المسيح ومعه المهدي...
من يعرف... قد تحصل معجزة..
قد يعود المال المنهوب على أجنحة المحبة...
خلال أيام سنعود إلى مفاوضات ترسيم الحدود... من يعرف... قد
تخطف المحبة قلوب المفاوضين ويصرّ كلّ فريق على إعادة الحقوق لأصحابها، كما تعود ذرات الرمل إلى الأرض...
من يعرف...
قد يدلي الصهاينة بندم على أفعال ما كان يجب اقترافها..
يجب عدم الاستهانة بالمحبة،فالمحبة قادرة على اجتراح المعجزات...
لكن حقيقة واحدة، يجب عدم نسيانها.
كما ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الانتصارات....
كذلك ولّى زمن المعجزات الناتجة عن المحبة.. وجاء زمن المعجزات المنبثقةعن الحزم والخروج من عالم الأوهام...
ربما نحتاج فقط إلى بعض الرجال الرجال... لإيقاظ هؤلاء الأموات النائمين...