كتب جورج حدادين:
أسلافنا المؤابيين أبدعوا سياسة الحصاد المائي، فحلوا مشكلة العجز المائي، في حين جهابذة اليوم، عبر خمسة عقود، ليس فقط عجزوا عن حل الأزمة بل عمقوها.
أزمة المياه في الأردن ليست ازمة فنية بل أزمة نهج، وتتعمق الأزمة نتيجة تطبيق حلول مستوردة لمشاكل محلية،
وإليكم ما جاء نصاً في خطة التنمية الاقتصادية الاجتماعية، قطاع المياه والري، 1998-2002 صفحة 5، " إنجازات قطاع المياه والري ، شأنها شأن القطاعات الأخرى واجهت نكسة عام 1989 ( أنتبهوا الى مصطلح نكسة اصابته، وكأن ما سبق هذا التاريخ كانت حلول ناجحة تطبق!!!) وواكب القطاع برنامج التصحيح الاقتصادي ( الفاشل المفروض من قبل صندوق النقد الدولي نهاية ثمانينات القرن الماضي ، الانتداب الثالث، بعدما اتضح حجم المديونية وضياع وتبخر مخزون الذهب من البنك المركزي، على أثره حصلت هبة نيسان) وما يزال، وتقلصت انجازاته ( عن أي إنجازات الحديث؟)، واقتصرت في مجال الري على استبدال قنوات توزيع مياه الري بشبكات الأنابيب لزيادة الكفاءة ، وعلى بناء سد الكرامة وتعلية سد الكفرين"
أين يكمن في هذا الطرح الحل الحقيقي للعجز المائي؟ ما هي الإستراتيجية لمواجهة العجز المائي؟
سبق وأن ذكرنا بأن أجدادنا المؤابيين قد سيطروا على مشكلة العجز المائي باتباع سياسة الحصاد المائي، الذي مكّن من تحقيق وفرة هائلة،
هم أسلافنا اتبعوا نهج يعتمد الحلول السهلة للمشاكل المعقدة، في حين يتبع جهابذة اليوم التّبع، الحلول المعقده للمشاكل السهلة.
هل المشكلة في الشبكات أم في العجز المائي؟
سبق وأن ذكرنا إن غياب الإستراتيجية، والحلول المستوردة تشكل عناصر مولّدة للأزمة، وتشكل أسباب رئيسة للعجز عن مواجهة الأزمة المائية،
وسد الكرامة خير مثال، تحول من المساهمة في حل أزمة العجز المائي إلى عنصر مولّد لأزمة جديدة، حيث اختيار موقع السد في منطقة وادي الملاحة، وجود ينابيع المياه المالحة والتربة المالحة، تدخله مياه عذبة تتملح بداخله، و تملح الأراضي الواقعة أمام السد، حال إسالة مياه السد المتملحة بداخله (عبقرية غسل السد من الأملاح،سنعود بالتفصيل في حلقة السدود) منذ إنشاء السد قبل حوالي 24 عاماً لحد اليوم، لم يتحقق هدف الغسل، فنصبح بدل الحل إزاء إنتاج مشكلتين، تملح المياه العذبة الداخلة إلى السد، وتملح الأراضي الواقعة أمام السد؟ بالإضافة إلى تعطيل حوالي 40 ألف دونم مشروع ( 14.5) عن الإنتاج، كانت مخصصة تروى من مياه السد!!! هنا تتجلى عبقرية الجهابذة!!!،
نستنتج من هذا الطرح إن تبنى "مقاربة أزمة فنية" هو القانون الحاكم، ففي الوقت الذي تدعي القيادة السياسية والفنية أن بوادر الأزمة قد بدأت تلوح في الأفق مطلع سبعينات القرن الماضي، بكونها أزمة عجز في الموازنة المائية، أي عجز في تلبية الطلب، تتنامى لتصل لحوالي 404 مليون متر مكعب عام 2020، كان من المفروض صياغة استراتيجية قائمة على معالجة العجز المائي، وإيجاد حلول وطنية، ماذا حصل؟ بدلاً من الحل تعمقت الأزمة، سؤال مشروع لماذا؟ ومطروح لمحاكمة علمية موضوعية.
كيف تم طرح المشكلات والمعوقات من قبل المؤسسة الرسمية لقطاع المياه؟ في مجالات
مؤسسة تمويلية دولية خارجية وفنية:
مؤسسية
·هيكلة الواجبات والمسؤوليات المختلفة في قطاع المياه وطبيعتها
·الترهل الإداري ونقص الموارد البشرية في الوقت نفسه
·ضعف قدرات التخطيط والتفاعل المستمر مع القطاعات الأخرى
·نقص في مواد التشريعات السارية المفعول مما يعيق إجراءات فورية للأزمة ( ماذا صعب على الفهم)
·التراخي في ضبط الاستخراج من المياه الجوفية ( هل يتم سرقة المياه الجوفية وتباع في الخارج أم تدخل في الدورة الزراعية، مع رفض مبدأ الاعتداء على المياه، والحالة العامة الاعتداءات تحدث من قبل الحيتان وليس صغار المزارعين)
·وتيرة التغيير في القيادات الإدارية، وضعف الأداء المؤسسي فيما يتعلق بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة وديمومة كل ذلك (مسؤولية من؟)
·ضعف القدرات الأردنية في مجال الخدمات الهندسية الاستشارية مجال المقاولات، وهو ما يوجب الاعتماد على مصادر أجنبية مع ما يواكب ذلك من تأخير ومن ضعف القدرة المحلية على القيام بواجبات الصيانة والتشغيل والاستبدال على الوجه الأكمل ( عبر صحيح بالمطلق الكفاءات الأردنية مشهود لها في الخارج فلماذا ينكره الداخل؟).
تمويلية ومالية
·نقص التمويل وعدم استرداد الكلف، (أين ذهبت المساعدات والمنح والقروض الميسرة؟ والتي تبلغ بعشرات المليارات)
دولية خارجية
·اقتسام المياه المشتركة مع الجوار والإنشاءات الواجب بناؤها لضمان استعمال الأردن لحصته من المياه
·غياب مجال التعاون الإقليمي في مجال المياه
فنية
·النصيب المتواضع للفرد الأردني من المياه ( إعتراف ثم مطالبة بترشيد الاستهلاك؟ عبقرية الجهابذة)
·حساسية موارد المياه لعوامل التلوث
·نوعية المياه المتوفرة للري دون المستوى المرغوب
·علو نسبة الفاقد من مردود خدمة المياه
·ازدياد أحمال محطات معالجة المياه العادمة فوق الطاقات التصميمية ( لماذا لم تعالج أولاً بأول)
·استنزاف خزانات المياه الجوفية
من هذه السردية لكافة العناصر أعلاه، يتضح ما يلي، أولاً: اتباع الوصف وليس التشخيص للواقع المائي، الوصف يعني ظواهر الأزمة، والتشخيص يعني سبب وعلة الأزمة، التي تمكّن من وضع الحلول العلمية والفرق بينهما كبير،
ويتضح ثانياً: أن هذا الطرح لا يخدم عملياً معالجة حقيقية وعلمية للأزمة، بل يهدف إلى تسويق وتعبيد الطريق أمام مقاربتين في غاية الخطورة:
1. خصخصة قطاع المياه، خضوعاً لإملاءات صندوق النقد الدولي، وبحسب توافقات واشنطن "خصخصة القطاع العام أينما وجد" تحت حجج واهية "الكلف وسرقات المياه، وعجز الكفاءات الأردنية، فنيين ومقاولين وإداريين، والترهل الإداري والفني...الخ" الهدف إنتاج عقدة الذنب عند المجتمع الأردني للقبول بالخصخصة، بسوقها هذه الحجج الواهية، أعذار أقبح من ذنوب،
تعترف المؤسسة الرسمية ، بطريقة غير مباشر، بالعجز التام ، طيلة خمس عقود، عن إجاد حلول لأزمة العجز المائي، وبالنتيجة إعتراف مباشر وواضح بأن القيادة السياسية والفنية لم تكن بوارد مواجهة الأزمة القادمة وإجاد حلول وطنية لها، لسبب ما، قد يكون خضوعها لإملاءات خارجية تهدف إلى حجز الإنتاج وتنمية الاستهلاك، عبر حجز حلول لأزمة المياه.
2. إنفاذ المشاريع الإقليمية المشتركة ، والمقصود بها مشاريع مع الكيان الصهيوني، بحسب اتفاقية وادي عربة، التي لم يلتزم بها العدو بخصوص المياه، بالإضافة أنه لم يقم بدفع أثمان المياه المسروقة من نهر الأردن منذ عام 1964 ومياه الناقورة والغمر، التي تتجاوز ثلاثين مليار دينار أردني،
فكيف تدعي مجموعة المعاهدة الجهابذه، بأننا قد حصلنا على كافة حقوقنا؟ ماذا عن مياه نهر الأردن الذي تم سرقتها وتحويلها للنقب، وهي بحسب التقسيم الجائرة والمرفوض من قبلنا، مشروع جونستون تبلغ حصتنا 770 مليون متر مكعب بالإضافة لمياه الغمر والباقورة، هل تم استرداد هذه الكمية من المياه، استردادها يسد العجز المائي ويمكن من التنمية.
3. المياه العنصر الرئيس للتنمية، وحجز الحلول لأزمة المياه، يعني حجز التنمية، الهدف الحقيقيي، غير المعلن، حجز التنمية عن المجتمع،
نخلص من هذا السرد إلى إستنتاج عنوانه المشكلة تكمن في نهج التبعية.
يتبع ...