كتب حليم خاتون: يا زمان الطائفية..
دراسات و أبحاث
كتب حليم خاتون: يا زمان الطائفية..
حليم خاتون
7 أيار 2021 , 00:07 ص
كتب حليم خاتون:    قد تُبحّ الأصوات، رغم قلّتها، عن لعنة الطائفية، لكن "بوسطة" لبنان الأخضر "والسما الزرقا" التي لعن رفيق الحريري سماها؛ هذه "البوسطة الميمونة" ماشية... "بس... لورا"... " ما تفك

كتب حليم خاتون: 
 

قد تُبحّ الأصوات، رغم قلّتها، عن لعنة الطائفية، لكن "بوسطة" لبنان الأخضر "والسما الزرقا" التي لعن رفيق الحريري سماها؛ هذه "البوسطة الميمونة" ماشية... "بس... لورا"...

" ما تفكرها عم بتقدّم، راجعة بإذن الله"....

إنها لعنة التعددية في مجتمعات الجهل ...

التعددية غنى بالتأكيد، لكن عند من لديه علوم وفكر وحضارة... وأهم شيء، عند من يتّصف بالإنسانية...

بكل أسف، نحن بلد بلا مخّ.

قد يبرع لبناني هنا أو لبناني هناك، لكن فقط إذا تواجد في مجتمعات سليمة وصحية...

اللبناني "المنتشر" في أصقاع الأرض قد برع فعلا، وفي أكثر من مجال.

أمّا اللبناني "المقبور" في نفس "العقلية اللبنانية السخيفة عن التفوّق العرقي"، سواءََ بقي في لبنان أم هاجر إلى الخارج، مصيره إماالفسادوالإفساد كما حصل مع كارلوس منعم في الأرجنتين، أو ميشال تامر في البرازيل، أو الجنون كما حصل مع سعيد عقل في لبنان، الذي انتهى فكره إلى شيء من القذافية، أو الطاووسية، لأنه، ورغم عنصريته المثيرة للاشمئزاز، ظلّ بعيدا عن الهتلرية...

على الأقل، انطلق هتلر من فكرة القومية الاشتراكية، في حين دفن سعيد عقل نفسه داخل نفسه في ذاتية مقيتة قاتلة....

تاريخ لبنان، ورغم الكثير من التزوير الناتج عن اختصار تاريخ كامل الكيان في تاريخ منطقة لا تزيد على أقل من خمس مساحة لبنان الحالية...

 هذا التاريخ لا يُحدِّثنا سوى عن حروب ونزاعات إثنية ودينية ومذهبية لا تقل بشاعتها عما كان يحصل في أوروبا بين الكاثوليك والبروتسنات، أو بين الساكسون واللاتين .... 

إذا كانت أوروبا قد توصلت بعد صلح ويستفاليا إلى دول قومية...
فإن هذا الشرق لا زال يمشي على طريق المذابح 
المذهبية والدينية... سوريا، العراق، السعودية، البحرين، اليمن، لبنان.... إلى آخر نقطة في هذا الشرق...

فإما خلاف شيعي سُنّي، أو سُني علوي، أو سني أباضي، أو إسلامي مسيحي أو حتى كاثوليكي اورثوذكسي ...

اللبناني في هذا الشرق له من هذا العرس، قرص...

تاريخ من المذابح بين الدروز والموارنة، ومن اضطهاد الأكثريات دوماً للأقليات... وصلت حدّ الاستعانة بالغريب للسطو والنهب ومصادرةالأملاك...

السُنّي، استند دوماً إلى ممالك الخلافة على اختلافها في اضطهاد الشيعي الذي رفض كل تلك "الشرعيات؟!"، لأن الخلافة بنظره يجب أن تؤول إلى آل بيت النبوّة، وليس إلى السلطان سليم مثلاً او عبدالحميد كما حلم ويحلم حزب التحرير الضائع بين الإخوان من جهة، وبين الداعشية من جهة اخرى...

الكاثوليك والموارنة والكنيسة الغربية استندوا دوماً إلى أوروبا، وتحديداً فرنسا التي كانت ترسل جنودها إلى بيوت جبل عامل بعد الحرب الكونية الأولى للسرقة والنهب والمصادرة والتخريب...

صحيح أن الاورثوذكس والكنائس الشرقية وجدوا في روسيا سنداً ما.... لكن إطاحة القيصر وانتصار البلاشفة في روسيا، أوائل القرن الماضي جعل هذه الطائفة مرتعاً للأفكار اليسارية والعلمانية قبل أن يضع مطران بيروت الياس عودة يده على الأمور، فيجرّ الكثيرين معه إلى الخندق الغربي، وتحديداً الاميركي، خاصة بعد نجاح أمريكا في شق الكثير من الكنائس الأرثوذكسية عن الكنيسة الأم وجرِّها إلى التبعية الغربية...

الشيعة، الذين كانوا مضطهدين، تقريباً في كل العصور، تنفّسوا قليلاً مع الدولة الفاطمية في مصر، وإن كان هذا لم يستمر طويلاً،حيث شقّت الدعوة الدرزية الشيعة إلى قسمين: 

قسم ظلّ على مبادئ أهل بيت النبوّة وبالتالي عاد إلى حالة الاضطهاد
التاريخي...

وقسم تحوّل إلى المذهب الدرزي الجديد...

إلى جانب الأرثوذكس، يمكن اعتبار الشيعة، الطائفة الثانية التي كانت تميل كثيراً صوب اليسار والفكر الثوري...

خير دليل على هذا، أن معظم الشيعة في لبنان، كانوا منضوين داخل الأحزاب الناصرية والماركسية والقومي السوري والفصائل الفلسطينية....

وكما كان فشل الحركات القومية واليسار في العالم العربي، دافعاً إلى صعود الحركات الإسلامية واندفاع معظمها في الاتجاه التكفيري الذي ما لبثت أن سيطرت عليه أمريكا وبريطانيا بمعاونة ممالك ومشيخات الخليج، كذلك كانت هزيمة هذه الحركات القومية واليسارية دافعاً إلى صعود تيار إسلامي عند الشيعة، ما لبث أن التفّ في لبنان حول حركة أمل التي ورثت السيد موسى الصدر، المخفيّ في ليبيا على يد معمر القذافي الذي كان أحد أكثر حكام العرب نرجسية وديكتاتورية وانتهازية وجهلا....

رغم أن حركة أمل احتكرت التمثيل الشيعي فترة من الزمن اتّسمت بمعاداة اليسار عامة وتصفية مفكرّيه داخل الطائفة الشيعية في حركة  تهدف إلى منع الشيعة من الانتماء أو التفكير خارج العلبة .... إلا أن ظهور حزب الله كسر هذا الاحتكار دون أن يكسر الأحادية المذهبية ضمن الثنائي الشيعي...

وكما أعاد بشير الجميل الأرثوذكس إلى الحظيرة المذهبية...
ساهم الثنائي الشيعي في إعادة معظم الشيعة إلى نفس نوع الحظائر المنتشرة في لبنان... الحظيرة المذهبية...

رغم راديكالية حزب الله في مسألة الصراع مع الصهيونية، إلا أن الحزب يحمل في داخله نفس العفن المذهبي والطائفي الذي غيّر حركة المحرومين من حركة كل المحرومين في كلّ  لبنان، إلى حركة مذهبيةٍ لا تقل عفناََ عن بقية التنظيمات المذهبية اللبنانية...

نظرة عامة على كل التنظيمات والأحزاب والتجمعات في لبنان، تُظهر بكلّ وضوح أن لبنان مصاب بمرض عُضال، والشفاء منه يحتاج إلى معجزة...

الأدوية لم تنفع... العلاج الكيميائي لم ينفع...

آخر العلاجات المقترحة تدعو إلى الإرادة القوية، والإيمان بالنفس والإيمان بالله، والعودة إلى الطبيعة...

ماذا تعني العودة إلى الطبيعة؟
هذا يعني أن يعود كل لبناني إلى إنسانيته... إلى الحالة ما قبل الطائفية وما قبل المذهبية ...

صحيح أننا نُولد على أديان آبائنا، لكن الصحيح أيضاً أننا إخوة في الإنسانية...

بعد مجموعة من الحروب الأهلية وغير الأهلية، أوجد جنرال فرنسي كياناً أراد له أن يكون المقدمة لتقسيم سوريا الطبيعية...

كان على هذا الكيان أن يكون تابعاً لفرنسا، التي أرادت تسليمه إلى مجموعة من المتعصبين المسيحيين، يحافظون  على تبعية ثقافية دون ثقافة... لغز يمكن فهمه بمجرد الاستماع الى أتباع فرنسا يلدغون بالراء دون الذهاب سنتيمتراً واحداً أبعد من هذا...

لكن الميزان الديموغرافي أجبر اللبنانيين على صيغة ال43 القائمة على جناحين:مسيحي... ومسلم...

اختصر الموارنة كل المسيحيين في شخصهم... 

كذلك فعل السُنّة، الذين لم يروا في الشيعة سوى وزن ديموغرافي في خدمتهم...

انتهت حرب ال75 الأهلية على نفس معادلة ال43 لكن بالمقلوب...

بدل المارونية السياسية، تمت السيطرة للسُنّية السياسية.... لكن في أرذل صورها...

اختزل رفيق الحريري كل السُنّة في شخص حضرته، ورغم المظاهر بأن للشيعة سلطة ما.... تبين أن حركة أمل هي التي ذابت في جيب رفيق الحريري ....

في الطائف تقرّر أنّ عصر الطائفية لم ينتهِ بعد...

وكما في مسرحية غوّار، خرج المختار بعد أن قام بانقلاب على نفسه ليصرِّح للشعب بأنه استجاب إلى كلّ المطالب بالتغيير:

اجتمع مجلس قيادة الثورة وقرّر الآتي:

1- قرّر المختار أن يغيّر تصفيفة شعره من اليمين الى اليسار....
2- تم عزل الوزير (أ)، وتعيين الوزير (ب) مكانه..

3- تم عزل الوزير (ب)، وتعيين الوزير (أ) مكانه...


هذا ما جرى في الطائف... الى حدٍّ بعيد...

بدل نسف النظام الطائفي من أساسه، جرى تكريسه ضمن تغيير في الشكل، لا الجوهر.... 

 تغيير بلا معنى...

القوتان الموجودتان على الأرض.... أمل والِاشتراكي، تمّ تحييدهما عبر الرشوة المالية والمصلحية... التي برع فيها رفيق الحريري...

في النهاية، رفيق الحريري يدفع من المالية العامة وليس من جيبه الخاص ..

كل ما أراده الحريري، حصل عليه مع دعم كامل من جنبلاط وبرّي...

والذي لا يُصدِّق، يستطيع العودة إلى أرشيف البرلمان ليرى كيف كانت تتم البيعة،لكل ماأراده رفيق الحريري....

مرةً أخرى اختلف اللبنانيون.... 
مرةً أخرى، لم يلتفت أحد إلى الجوهر...

دخلنا عصر الِانهيار المالي والاقتصادي منذ ما قبل اغتيال الحريري الأب...

لكن كل ما أراده المعارضون، هو تعديل طائفي آخر...  

كل ما فعله ميشال عون ومعه حزب الله بعد الدوحة، هو الخروج بانتخابات أعطتهم أغلبية شعبية عددية، ولكن أبقت السلطة في أيدي فؤاد السنيورة...

حتى حين تمّ انتزاع هذه السلطة من السنيورة، أُعطيت لمن لا يقل عنه فساداً ، تماماً كما في مسرحيات الضحك على الناس التي يبرع في تمثيلها كل أركان السلطة ....

هل سوف نذهب إلى مؤتمرٍ تأسيسي؟

ربما.
هل يمكن التعويل على قوى التغيير؟
هل يوجد أساسا، قوى تغيير في لبنان؟

التغيير والإصلاح في لبنان، هو تبديل أدوار وترقيع...

بماذا يختلف ميشال عون عن رفيق الحريري؟

الحريري كان يتبع الوكلاء الخليجيين الذين يتبعون بدورهم الأسياد الأمريكيين.... 

أمّا ميشال عون... فهو تابع مباشرة للأسياد الأميريكيين... وقضية مرسوم تعديل الحدود البحرية ليس سوى واحدٍ من ألف دليل ودليل...

ما يقوله الاخ محمد عبيد حديثاً لا يغيِّر ما قاله سابقا....

جماعة التيار في خدمة أمريكا...

ماذا عن حزب الله،
هل من أمل يُرتجى؟

بكل أسف، وطالما أنّ الحزب لم يخرج من عباءته المذهبية ... لن يحصل أي خيرٍ في لبنان...

لا أحد يستطيع المزايدة على الحزب، في الصراع مع الصهاينة وفي عدم الوقوع مباشرة في سلّة الفاسدين.... 

لكن أيّ حزب طائفي أو مذهبي لن يلبث أن يقع...

إنها مسألة وقت لا غير...
على الشعب اللبناني أن لا يبقى ساكناً ....
يجب الضغط على حزب الله لكي يكون هو قوة التغيير...

لأنه حتى اليوم، هو الأكثر تأهيلا...

أمّا إذا استمرّينا في إعطائه ثقتنا حتى وهو في مرحلة العجز...

فلا يكون الذنب ذنبه وحده في هذه الحالة....

 بل نكون نحن أيضا مذنبين....

يجب تدمير النظام الطائفي المذهبي في لبنان ، بأية وسيلة وبكل الوسائل.... 

وإلّا، فالسقوط هذه المرة سوف يكون أكثر فظاعة وأكثر دموية...

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري