كتب حليم خاتون:
قد لا يقبل الاستاذ سركيس نعوم وضعه في خانة ١٤ آذار، وهو محق في هذا إلى حدٍّ كبير لأن أكثر من تسعين في المئة من هؤلاء، موجودون بجدارة في قائمة الغباء السياسي والفكري،
أمّا العشرة في المئة الباقون، فهم متعددو التصنيف، وإن كانوا بالتأكيد بعيدين عن غباء الفئة الأولى...
إنّ
الانتماء إلى ١٤ آذار، ليس بالضرورة انتماء عضويا مع بطاقة ورقم تسلسلي...
١٤ آذار هي نهج وتفكير يتبعه حتى بعض من يُصنفون في ٨ آذار...
هؤلاء بشكل عام عندهم "نقزة" من كل من يعادي الغرب...
الأستاذ نعوم لا ينفي، قناة الجديدبل هو صرح أكثر من مرة، وأشار إلى علاقات ما مع جهات ما في الإدارات الأميريكية
المختلفة...
الأستاذ سركيس كان ضيفا على الجديد مع السيدة سمر أبي خليل، في حلقة مكثفة رمى خلالها الاستاذ نعوم بالكثير من المواقف التي خرجت عن والمنطق المألوف سواء عنده، أم عند السيدة سمر....
أكثر ما يثير الاستغراب كان الحديث عن "الدولة الشيعية" التي حاول الاستاذ سركيس رسم جغرافيتها دون توفيق...
تحدث الاستاذ نعوم عن حقبة المارونية، ثم السُنيّة السياسية ليصل إلى أن الشيعية السياسية آتية لا محالة...
جزء كبير من هذا التحليل تغلف بشيء من المنطق التاريخي في محاولة لإلباس الجزء الأخيرمنطقاً غير موجود أصلاً، ومستحيلاً بكل المعايير...
صحيح أنّ جمهورية ال٤٣ كانت جمهورية المارونية
السياسية، لكنَّ هذه الجمهورية لم تنته مع اندلاع الحرب الاهلية كما المح الاستاذ سركيس، بل هي استمرت حتى نشوء جمهورية الطائف..
.
ورغم الكثير الكثير من مساوئ جمهورية ال٤٣، إلا أنها كانت تتمتع بشيء من بنيان دولة المؤسسات على خلاف جمهوريةالطائف... خاصة أثناء عهد فؤاد شهاب...
في المقابل، لم تكن السنية السياسية في فترة الحرب الأهلية،كما حاول الكاتب الإيحاء، عندما ربطها مع تواجد فصائل المقاومة الفلسطينية...
السنية السياسية بدأت في الحقيقة مع جمهورية الطائف، وكانت برعاية سورية سعودية، وكان من أهم صفاتهااختزال
المؤسسات في مجموعة مافياوية، تزعمها رفيق الحريري السُنّي، ولكنها ارتكزت على تحالف امتد من المردة شمالا إلى حركة أمل جنوباًوبقاعاً،مرورا بجنبلاط جبلاًوالمرّ في المتن...
رفيق الحريري، حوّل لبنان الى حديقة سورية سعودية يسرق هو خيراتها، عبر تخريب وتدمير كل مؤسسات الجمهورية، وينثر بعض الفتات على الشيعي والماروني والدرزي والأرثوذكسي حتى لا يجادله أحد في ما يفعل...
الحقيقة المرّة هي أن جمهورية الطائف لا تزال تحكم وتتحكم باللبنانيين،ولاتزال تمسك بالبلد وتمتص خيراته عبر رأسمالية متوحشة أدّت إلى أكبر كارثة مالية شهدها لبنان حتى يومنا هذا....
ينتقل الاستاذ سركيس إلى التنبؤ بقدوم الشيعية السياسيةعبر
إلباس المقاومة لباسا مذهبيا لا يليق بها...وإن كانت هي تلبسه فعلاً، بغباء....
صحيح أن حزب الله لم يستطع حتى اليوم الخروج من الصومعة المذهبية التي تكبس على أنفاسه وتحدّ من إمكانية انطلاق المقاومة إلى رحاب أوسع بكثير، إلّا أن الصحيح أيضاً أنّ الحزب يحاول،عن غير حق،المحافظة على نظام التوازن والتحالف والتحاصص الطائفي والمذهبي.
حتى حركة أمل، وبرغم كل مساوئها الناتجة عن ركوبها سفينة رفيق الحريري، لا تحاول على الإطلاق التأسيس للشيعية السياسية.
كل ما يسعى إليه الثنائي الشيعي هو تكريس جمهورية توافق الطوائف.... وبكل أسف، تحاصصها...أمر منكر، لكنه لا يصل إلى "الدولة الشيعية".
نعم، بالتأكيد إن حركة أمل، ومعها حزب الله قد خرجا فعلياً على مبدأ الدولة المدنية الذي دعا إليه الإمام موسى الصدر، وإن لم يخرجا كلاميا.
وهذاأسوأما يمكن أن تصل إليه مقاومة حققت انتصارات عظيمة للأمة جمعاء، ثم تقوقعت في الداخل، تبحث لنفسها عن حصة مذهبية،ينسف كل المجد ويلطِّخ كل التاريخ بأوحالٍ كان الأجدر رميها عند أول مفترق طرق...
قد يتشارك نبلاء هذه الأمة مع الأستاذ سركيس نعوم، في البكاء على أمل الدولة المدنية الذي يبعد كل يوم أكثر،بفضل بعض الغباء الموجود في بعض المقاومة، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ حزب الله تحديدا، ولا حتى حركة أمل يسعيان إلى إقامة سلطة الشيعية السياسية.
صحيح أنّ الرئيس برّي ارتكب المعصية، حين انضم إلى رفيق الحريري، وخرج بشعار أنّ "من يحضر السوق، يبيع ويشتري"، إلّا أنّ الحركة لم تقم بأيِّ عمل يدلّ على نيتها إقامة سلطةٍ لِشيعيةٍ سياسيةٍ ما....
شيء آخر، ولكن ليس أخيراً...
هو محاولة إلصاق المذهبية بالنظام السوري...
هناك ألف سبب وسبب للِاختلاف مع هذا النظام، من علاقاته مع الرجعية العربية، وصولاً إلى علاقاته مع أردوغان، قبل ما سُمّي بالربيع العربي، ومروراً بمؤتمر مدريد المُخزي... إلّا أنّ أحداً لا يمكنه نكران دور سوريا، في ما وصلت إليه المقاومة اليوم، ولا يستطيع أحد تلطيخ سمعة السوريين الوطنية عبر تعميم المذهبية والتعصب الطائفي، على شعبٍ وجيشٍ قاتلا ضد تحالفٍ من أكثر من ثمانين دولة، بينها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركياوالمشيخات وصمدا في وجه مئات آلاف الإرهابيين، في حين اهتزت كل أوروبا،لوجود بضع عشرات من هؤلاء الإرهابيين ....
هل تصدق نبوءات الأستاذ سركيس بإمكانية الحرب الأهلية في لبنان؟
ربما.... لم يُعرف عن الإمبريالية دوماًحدّةالذكاء ....
المقاومة التي ضربت أوكار الإمبريالية وعملائها في بيروت في السابع من أيار...
المقاومة التي وجّهت لهذه الإمبريالية، صفعاتٍ لا تنسى، في سوريا والعراق واليمن، لن تعجز، حين يتعلّق الأمر في لبنان...
أمّا أن تقوم إسرائيل بشنّ حربٍ على محور المقاومة... فهذا هو الرجاء.
لماذا؟
لأن أيَّ حربٍ مع هذا الكيان لا يمكن أن يكون إلا: إما انتصاراً نهائيا...أو خطوة أخرى على طريق هذا الانتصار...