كتب م. زياد ابو الرجا:
ادت مراسلات السير هنري مكماهون البريطاني الذي كان يقيم في مدينة ( بونا ) في الهند عام ١٩١٤ مع شريف مكة الحسين بن علي والذي وعده باقامة المملكة العربية المتحدة اذا قام بمساعدة بريطانيا على قتال وطرد الجيوش العثمانية من المشرق العربي ، ووضع نهاية للوجود العثماني، لتكون خاتمة صراع الغرب الاستعماري مع الرجل المريض. الذي سبق وان تم دحره وهزيمته في الشمال الافريقي قبل ذلك بعقود.
استجاب الشريف حسين بن علي للوعود البريطانية واعلن الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية ولم يكن يعلم ان الغرب الاستعماري خطط لاقتسام مملكته ووضعها تحت الانتداب من خلال معاهدة سايكس - بيكو عام ١٩١٦.
اما الرسالة الثانية والتي كتبها بلفور الى روتشيلد والتي عرفت بوعد بلفور، كان اثرها الجيوسياسي يفوق اضعافا مضاعفة مما احدثته رسائل مكماهون واتفاقية سايكس -بيكو حيث كانت القاعدة السياسية والنهج البريطاني اداءا وممارسة لتجسيد الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كثمرة للزواج المصلحي بين الصهيونية العالمية واكبر قوة استعمارية بريطانيا.
ان الهدف الاستراتيجي لبريطانيا هو زرع كيان غريب في منطقة شرق السويس حماية لخطوط امدادها من والى شبه القارة الهندية ، بالاضافة الى الحفاظ على الهيمنة الاستعمارية على المنطقة بابقاءها مجزأة سياسيا ومتخلفة اقتصاديا ، وتابعة استعماريا، وسوقا تجاريا ومصدرا للمواد الخام الضرورية لدوران العجلة الصناعية في دول الاستعمار الغربي.
ان هذا المشروع ( القاعدة/المستوطنة) هو مشروع ذو شقين اثنين. الشق الصهيوني الاستيطاني الذي يقوم على تجميع يهود العالم في في مستوطنة اساسها العرق اليهودي والديانة اليهودية عنصرية بامتياز على غرار مستوطنة روديسيا التي اقامها في افريقيا سيسل رودوس رائد حركة الاستعمار الاستيطاني في افريقيا والتي سميت باسمه. كان رودوس العراب والاب الروحي لثيودور هرتزل زعيم الحركة الصهيونية ومنظرها. اما الشق الثاني من المشروع فهو الشق الاستعماري ( القاعدة العسكرية المتقدمة) وراس الحربة في قلب الوطن العربي. ان اي تصور لغير هذا هو تسطيح للوعي، وتشتيت للجهد، وحرف للانظار عن جوهرالصراع.
ولضمان نجاعة واستمرارية الدور الوظيفي الاستراتيجي للكيان دارت عجلة جدلية التخادم والتلازم بين الشقين القائم على امن القاعدة والذي يفرض حتما التخلص من السكان الاصليين وطردهم خارج الحدود وتهويد جغرافيا القاعدة. ولاداء دورها الوظيفي كقاعدة متقدمة يفرض على الغرب الاستعماري ان يمدها باحدث الاسلحة لكي تبقي على تفوقها العسكري على كل دول الجوار مجتمعة. لذلك نلاحظ في كل تاريخ الكيان التزام الغرب الاستعماري بامنه وسلامته والدفاع عنه في كل المحافل والمنابر الاقليمية والدولية واهمها الامم المتحدة والهيئات التابعة لها ومجلس امنها البغيض.
ان المجازر الدموية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الارهابية وجيش الكيان فيما بعد وافظعها مجزرة دير ياسين( الهولوكوست الفلسطيني) التي حصدت ما يقرب من خمسمائة مدني اعزل من كل الاعمار كانت فعلا الرسالة الدموية التي روعت المدنيين في البلدات والقرى الفلسطينية وادت الى الهجرة واللجوء الى دول الجوار وقيام دولة الكيان واعتراف دول به. وكانت النكبة الفلسطينية (( التغريبة)) .
بعد مرور عقدين على النكبة وقيام الكيان وما تخللهما من العناء والعذاب في مخيمات اللجوء وبلدان الشتات شنت القوات الصهيوزية عدوانها في حزيران عام ١٩٦٧ حيث احتلت ما تبقى من فلسطين تكملة لاستراتيجية التوسع الاستيطاني وخدمة لامن القاعدة/ المستوطنة بالاضافة الى احتلال سيناء والجولان خدمة للشق الاستعماري حيث وجهت ضربة قاصمة لقوى التحرر والمد القومي الذي نما وترعرع بعد النكبة وعلى راسه الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر والضباط الاحراروسقوط بعض الانظمة الرجعية والاحلاف الاستعمارية. كان عدوان حزيران ١٩٦٧ ابلغ الرسائل التي وجهها الكيان الى العرب قاطبة شعوبا وحكومات عنوانها اما الخضوع لاملاءات ومطالب الاستعمار والتسليم بوجود الكيان او المزيد من التوسع والاحتلال والاذلال. لم ترقى ردود الفعل العربية الرسمية والشعبية الى مستوى الحدث/ الزلزال الذي فرض واقعا جيو سياسيا ما زالت المنطقة تعاني منه وترزخ تحت وطأته حتى الان. لقد اقتصر رد الفعل العربي الرسمي على ( ازالة اثار العدوان) والذي وقع عبئه على مصر وسوريا من حيث الاعداد والاستعداد الى جانب الفصائل الفلسطينية كموقف شعبي جماهيري.
كانت حرب اكتوبر المجيدة الرسالة الوحيدة واليتيمة التي وجهها العرب للكيان وداعميه وكان رد الفعل عليها من امريكا والكيان بموقف استراتيجي ملخصه (( يجب ان لا يحدث هذا مرة اخرى)). بعد ذلك لم يعد هنالك من رسائل عربية سوى رسائل القبول بشرعية الكيان والتسويات ومن ثم الاعتراف الرسمي من العرب والفلسطينيين بالكيان الغاصب عبر اتفاقيات(( كامب ديفيد ، وادي عربة واوسلو)) .
مع نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الجديد ارسلت المقاومة اللبنانية الى الكيان اقوى الرسائل واشدها ايلاما فاتحة عصرا جديدا واملا مديدا حيث دحرت وهزمت بالدم والنار العدو وعملاؤه في جنوب لبنان مغلقا خلفه البوابات وكان اول احتلال يتم دحره وتحرير عظيم يتم انجازه دون مفاوضات او معاهدات. ايقنت الجماهير العربية واستقر في وجدانها ان الرسالة الوحيدة التي يفهمها العدو هي المقاومة الشعبية الواعية والمنظمة. لقد وضع حزب الله بانتصاره على العدو وهزيمته في جنوب لبنان الاساس المتين والراسخ لقلعة قوى المقاومة التي اصبحت تشكل التهديد المصيري والوجودي للكيان المغتصب في فلسطين برمته كقاعدة ومستوطنة .
لم يستوعب العرب البعد الاستراتيجي لنصر المقاومة في لبنان في الوقت نفسه الذي ادركت فيه امريكا والكيان ما يشكله هذا النصر وتداعياته من من نسف لكل ما عملتا عليه عبر السنين، ومرة اخرى كما بعد حرب اكتوبر حيث اجمع الغرب كله واعوانه على (( يجب ان لا يحدث هذا مرة اخرى)) . حيث بدات التحضيرات اللوجستية والعسكرية والسياسية وبناء التحالفات للاجهاز على قوى المقاومة وداعميها عبر ما سمي بمشروع الشرق الاوسط الجديد. حيث قامت الادارة الامريكية لادوار الاخوان المسلمين ومخلب الناتو اردوغان الذي قال عام ٢٠٠٤ مفتخرا (( انه جزء من مشروع الشرق الاوسط الكبير)) .
في صيف عام ٢٠٠٦ اطلت علينا كونداليسا رايس اثناء العدوان الصهيوني على لبنان تبشر العالم بميلاد شرق اوسط جديد. ومرة اخرى سطرت المقاومة اللبنانية بالدم والنار رسالتها الثانية وهزمت العدو هزيمة نكراء وقبرت مشروع الشرق الاوسط الجديد وامهرتها بتوقيع سيد المقاومة (( لقد ولى عهد الهزائم وبدا عصر الانتصارات)).
ومرة اخرى استقر وترسخ في العقل والفكر والضمير العربي الحر ان المقاومة هي الاسلوب الانجع والردع الاوجع والرد الانفع على صلف العدو وعدوانه. وبناءا على ما تقدم فان اي حرب اعلامية وسياسية ولا اخلاقية يتم شنها على المقاومة اللبنانية هي حرب على الوعي الوطني والقومي والاسلامي وحرب على الفكر والعقل والضمير الحر. ان من يشارك في هذه الحملة التشويهية على المقاومة بوعي او بغير وعي هو مشبوه وخائن ويقف في صف العدو وعلى ضفته ويتمترس في خنادقه.
شكلت قوى محور المقاومة الرسمية والشعبية المظلة الواقية لكل تحرك جماهيري سلمي ضد الكيان في الداخل الفلسطيني والقوى العربية المناهضة للتطبيع. دخلت امريكا في معركة مفتوحة ضد محور المقاومة لكن هذه المرة بحصان طروادة القوى العربية العربية والاقليمية المرتبطة وجوديا والمنخرطة مصلحيا مع امريكا والكيان وبدات مرحلة جديدة من الرسائل الموجهة من هذه القوى الى امريكا والكيان اخذت شكل المعاهدات والتحالفات بدءا باتفاق الاخوان المسلمين مع امريكا على اقتسام النفوذ والهيمنة على المنطقة ( بصفتهم الصهيونية العربية) وبين الصهيونية اليهودية .كل ذلك برعاية اوباما الديموقراطي ومخلب الناتو اردوغان العثماني. ما ان اغتصب الاخوان السلطة في مصر خرج علينا محمد مرسي داعيا الى الجهاد في سوريا وموجها رسالة الى رئيس دولة الكيان مستهلة بعبارة ( عزيزي بيريز)....اما اخوان سوريا فقد بعث مرشدهم ( البينوني) الى نتنياهو برسالة استهلها : (( الى صاحب السعادة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل بوساطة: سعادة السفير كريم اوراس سفير الجمهورية التركية غير المقيم في تل ابيب... السلام على من اتبع موسى كليم الله واخوانه الانبياء الصديقين عليهم سلام الله اجمعين.٦ تشرين الاول ٢٠١١. هذا بالاضافة الى الكم الهائل من الرسائل المعلومة والمجهولة التي تبادلتها انظمة التطبيع والتتبيع مع الكيان.
ان اهم الرسائل التي عولت عليها قوى العدوان الثلاثي الامريكي، الصهيوني والرجعي العربي هي رسالة الحرب العالمية على سوريا قلب العروبة النابض ماضيا وحاضرا ومستقبلا. رسالة حروفها عشرات الاف الارهابيين ومفرداتها مئات مليارات الدولارات والاسلحة الفتاكة والاجهزة الاعلامية وجملها دول الشر والظلام التي اجمعت واجتمعت باسم اصدقاء سوريا مستهدفين اخضاعها لاملاءات المشروع العدواني وتقسيمها على اسس عرقية وطائفية وحفاظا على امن الكيان. تصدت سوريا لهذا العدوان الغاشم بجيشها العربي البطل وشعبها الابي وحكمة قيادتها السياسية التي نسجت تحالفات اقليمية ودولية مكنتها من هزيمة المشروع العدواني وهي الان على عتبة الانتصار الكبير.
مع فوز الحزب الديموقراطي وتولي بايدن الرئاسة في البيت الابيض وانتهاجه سياسة مغايرة لسياسة ترامب وتعهده بالعودة الى الاتفاقيات التي خرج منها سلفه مثل اتفاقية المناخ واهمها الاتفاق النووي الايراني.فشلت حكومة الكيان عن ثنيه
بعد ان بذلت جهودا حثيثة لجات الى زيادة وتيرة اعمالها العدوانية تجاه ايران وسوريا ولكنها رسائل المأزوم والعاجز ومن خارج الحدود برشقات صاروخية يتم اسقاط معظمها دون اي نتائج تكتيكية او استراتيجية. واخذت دول محور المقاومة ترسل رسائلها ذات البعد والاثر الاستراتيجي مثل تفجير مصنع الصواريخ وحرائق مصفاة حيفا والرسالة الابلغ والاشد اثرا ما اتفق على تسميته " صاروخ ديمونا" الذي كشف عجز وسائل الدفاع الجوي الصهيوني عن كشفه وتتبعه رغم طول المسافة التي قطعها من مكان الاطلاق الى مكان السقوط بالقرب من مفاعل " ديمونا" . تعمدت سوريا بان يقع الصاروخ بالقرب من ديمونا وبدلت الرأس المتفجر الاصلي براس متفجر صغير في رسالة بليغة الى صانع القرار العسكري في الكيان مؤداها وفحواها التأكيد على ما قاله سيد المقاومة لقد ولى عصر الهزائم واقبل عصر الانتصارات وان عز الشرق اوله دمشق. نعم نحن في عصر الانتصار وبعد مضي قرن ونيف على (( رسائل بونا)) ورسالة (( ديمونا))
اراد الكيان ان يعوض هزائمه على عدة جبهات فقام بتوجيه قطعان المستوطنين الى القدس مستهدفا اقصاها المبارك واحياءها ليحرف الانظار عن فساد نتنياهو ومازقه في تشكيل حكومة والاهم من ذلك ازمة المجتمع الاستيطاني الذي صار كل همه تحقيق مصالح فئوية وحزبية ويخوض صراعه السياسي الداخلي على هذه الارضية التي ان استمرت ستؤدي الى حرب اهلية داخل الكيان. لذلك تعمل حكومة ناتنياهو الى تصدير صراع مفتوح مع الفلسطينيين ظنا منه بان الشعب الفلسطيني سيخضع لاملاءاته ويسلم بمشاريعه الاستيطانية.
لقد خاب ظن العدو حكومة وجيشا وقوى امنية ومستوطنين حين هب الشعب دفاعا عن القدس ومقدساتها مستندا الى قوة الحق وقوى المقاومة وتوحد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في انتفاضة شعبية محمية بمظلة صاروخية فلسطينية واذا طال امد المواجهة واتسع نطاقها فاننا على يقين لا ريب فيه من ان اطراف محور المقاومة الاخرى ستنضم الى المواجهة حين تطلب منها غرفة العمليات المشتركة في غزة ذلك.
واذا لم يستوعب الكيان المضمون واستمر في اطلاق ذبابه وعقاربه فعليه ان يعلم ان عمر الذباب قصير وان لسع عقاربه لن يفت صخر قاسيون الشامخ الى الابد وان ذو الفقار البتار في يد كل الثوار وسيعود اللاجئون الى الديار وانطلاق صواريخ غزة التي تنطلق في السماء هي المأذن التي تصدح باذان (( ابتدأ المشوار حي على الكفاح حي على الثار وهيا يا امة العرب الى صنع الانتصار))
يوم سيعلم فيه الذين طبعوا وتبعوا اي منقلب سينقلبون وسيعلم العالم دلالات (( وكان وعدا علينا....)) وانه لا يخلف وعده