كتب حليم خاتون:
غزة وما بعدغزة
ما بعد بعد غزة..
ما بعد فلسطين..
إنه الحلم العربي.
يبدو أن شهر أيار ينافس تموز في محو آثار النكبات والنكسات...
21 أيار عيد انتصار غزة، وقريبا 25 أيار عيد النصر والتحرير في لبنان.
أمس خرجت الجماهير العربية في فلسطين والبلاد الحرّة تحتفل، ليس بوقف النار، كما حاول الإعلام الغربي الإيحاء، لكنْ بنصرٍ واضحٍ مبين، حققه شعب فلسطين العظيم...
عدة جولات سابقة ربحتها غزة بالنقاط...
أمّا جولة أيار هذه، فقد تمت بضربة أوقعت الكيان أرضاً، بعدما أفقدته التوازن...
كادت المباراة تنتهي بالضربة القاضية، لولا سرعة الوسيط المصري الفرنسي إلى إعلان نهاية الجولة، بعد أوامر صريحة من السيد الأمريكي...
أعلن الكيان وقفاً لإطلاق النار من جانبٍ واحدٍ دون شروط...
كان هذا هو المخرج الذي ارتآه الأمريكي لإنقاذ الكيان من شروط غزة العادلة والشرعية...
وحدهم أحفاد بشير الجميّل في لبنان غضبوا و"فشّوا خلقهم" بالسوريين والفلسطينيين واللبنانيين على أوتوستراد نهر الكلب...
لم يستطع الكلب هضم انتصارٍجديدٍ في محورالمقاومة.
كادت أبو ظبي والمنامة وتستّراً الرياض، تنكِّسُ الأعلام حزناً وحداداََ...
اكتشف عرب التطبيع أنهم حثالة هذه الأمة ويهوون في نَتنِِ لا قعر له...
اكتشف فلسطينيو أوسلو أن قوة انتصارغزةتدفعهم إلى مزبلة التاريخ دفعاََ...
من تابع الإعلام الغربي، قرأ في أصوات وعيون المستوطنين هلعاََ وانكساراََ عكسا بجدارةقوةضربات غزة هاشم في الوعي والعقل الصهيوني لم يعهده قبلاََ...
انهار بُنيان الأيديولوجيا الصهيونية، كما تنهاربيوت الورق...
ربما فكّر نتنياهو بإطلاق النار على رأسه والوقوع في وادي النسيان السحيق، لأن التاريخ سوف يذكر أنه هو من تسبّب بالخراب الثالث لمملكة إسرائيل المزعومة...
لقد سبقه إلى هذه الحسرة مناحيم بيغن بعد غزو لبنان سنة 1982...
خرجت غزة منتصرة،هذالاريب فيه...
لكنّ الكيان
وداعميه، يحاولون عبثا الهروب من دفع الثمن...
من تابع الإعلام الغربي وما يقوله الضيوف والباحثون، وما صرّح به أنطونيو غوتيريتش، الأمين العام للأمم المتحدة، يرى ما يخطِّط له الغرب...
يريد هذا الغرب العودة إلى مشروع الدولتين...
لم يعد بالإمكان السيطرة على هؤلاء الفلسطينيين...
لقد خرج المارد الفلسطيني من القمقم..
من يقرأ تاريخ النكبة وما قبل النكبة، يرى حجم ما فعلته كلّ قوى الِاستعمار
والصهيونية، منذ السلطنة العثمانية وصولاً إلى يومنا هذا، مروراً حتى بالسيطرة على بعض القرار في المنظومة السوفياتية السابقة...
لقد جنّدوا كل العالم تقريباً بما في ذلك الطبقات الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي، والذين لم يكن أبناءسلمان وزايد وخليفة
آخرهم..
كل هذا انتهى على أيدي فرسان غزة هاشم...
كانت غولدا مائير تردِّد أنّ حلمها كان أن تستيقظ يوماً وترى أن البحر قد ابتلع غزة...
كانت محقّةً، في هلَعها ورعبها من غزة، لأن الضربة جاءت من هناك...
فجأة استيقظ غوتيريتش على مشروع الدولتين...
طرحُ الدولتين هذه المرة ليس بالضرورة لشقِّ صفوف الفصائل، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي...
هذه المرة أصبح المارد الفلسطيني خطراً وجودياً حقيقيا...
خرج الفلسطيني أمس ونادى بإسقاط غصن الزيتون الذي رفعه يوماً عرفات على منصة الأمم المتحدة...
الفلسطيني يريد التحدث فقط عبر فوهة بندقية...
يريد الغرب الإسراع قبل أن تلفظ الجماهير الفلسطينية عرّابي أوسلو القابضين على سلطة التنسيق الأمني المُخزي...
حتى بيتان فرنسا كان أكثر حرصاً على مصالح فرنسا من محمود عباس المتشبث بكرسيٍّ لا معنى له سوى الخضوع لإملاءات الِاحتلال ونظريات "المقاومة السلمية أو المدنية"، التي لا يقوم بأي شيءٍ منها سوى تشويه تاريخ المهاتما غاندي والمناضل الأفريقي نيلسون مانديلا ...
يريدون الإسراع بعقد الصفقة مع السلطةحتى يعطوا من "الجمَل أذُنه"...
محمود عباس الذي تآمر ،حتى على ياسر عرفات، في مسألة تنازع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس حكومته؛ عباس هذا "مستعجل" ليغرف من هذه الدنياقبل الرحيل..
لم يتهاون أحد على حقوق الفلسطينيين أكثر منه، ربما باستثناء دحلان الإمارات...
سيحاولون مفاوضة عباس وإعطائه شيئا ما مثل تخفيف الحصار أو الإقلال من الحواجز في الضفة... وقد يصلون إلى كانتون مسخ يشبه السلطة الفلسطينيةالحالية...
وكما خرج السادات يوما يَمُنُّ على المصريين أنه أرجع طابافي الوقت الذي كانت مصر قد خسرت السيادة على قرارها، وخسرت نفوذها في منظمة عدم الانحياز وآسيا وأفريقيا، وتكاد اليوم تكون رجل أفريقيا المريض،
أمام مشكلة سدِّ النهضة... سوف يخرج محمود عباس، يمنُّ على الفلسطينيين ببعض القشور...
مع محمود عباس، سوف يكون سهلاً جداََ بيع الأوهام...
الرجل "يتمترس" خلف عصبية فتحاوية ظلّت مستكينةً خاضعةً طيلة ثلاثة عقود، أو على الأقل، بعد أن قام الصهاينة بإزالة العوائق من أمامه، مع سجن عرفات في المقاطعة واغتيال أبي جهاد في تونس ورمي مروان البرغوثي في المعتقل...
غزة المنتصرة...
غزة القوية...
غزة التي يقف خلفها كلّ الشعب الفلسطيني يجب أن لا تغلط...
وأول خطوة لعدم الغلط تكون بعدم التفرّد بالقرار، كما كانت تفعل حركة فتح....
يجب إعادة تأسيس منظمة التحرير، واليوم ومع هذا الِانتصار الرائع، هذا ممكن جدا... ويجب فرضه بمعيّة كلّ القوى الحيّة في الشعب الفلسطيني...
كلّ الفصائل المقاتلة، دون استثناء، كلّ الأحزاب والجمعيات والقوى العربية بما في ذلك في ال48 يجب أن تكون...
لم نعد، لا في زمن الانتداب ولا النكبة ولا الاحتلال...
يجب أن تضم منظمة التحرير الفلسطينية اليوم كل القوى الحيّة التي تنتشر على كل جغرافيا فلسطين التاريخية، قبل الدخول في أية مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة،لأنه يتوجب وضع
خطوط حمراء لا يستطيع أي كان التنازل أو التراجع فيها...
أولاً، الرفض القاطع لأي نوع من الترانسفير
السكاني...
ثانياً، الإصرار المُطلق على حقِّ العودة لكل فلسطيني، من أية بقعة في الشتات، هو وكامل ذريته... إلى أرضه وملكه، حتى لو وجب إزالة مؤسسات وأبنية...
ثالثاً، الرفض القاطع لكل المصادرات غير الشرعية، منذ الانتداب وحتى يومنا هذا... وفي حال عدم وجود ورثة تتم إعادة هذه الأملاك، إلى الأوقاف التي كان ينتمي لها صاحب الشأن..
رابعاً، إعادة النظر في كل البيوعات التي حصلت لأنها حصلت، إمّا تحت الضغط أو عبر الاحتيال...
خامساً، يمنع نشوء أو إنشاء أي تجمّع أو تنظيم أو كيان، على أساس تمييزٍ عرقيٍ أو دينيٍ على كامل جغرافيا فلسطين التاريخية...
سادساً، يتم إنشاء محكمة خاصة لملاحقة كل مجرمي الحرب، كما جرى مع المحاكم الدولية الأخرى... وتتم المحاكمات بصورة علنية وشفافة...
الحقيقة، ورغم الفرح بالِانتصار، إلا أنّ الحلّ الأفضلَ كان الإصرار على المطالب البديهية والاستمراربالحرب حتى تحقيقها هذه المطالب...
صحيح أننا انتصرنا... لكننا أضعنا فرصة تحويل غزة إلى ستالينغراد العرب... وبالتالي فرض إرادتنا وشروطنا...
لو كنا أكملنا القتال، لكان التفاوض وفرض الحقوق الفلسطينية على الطاولة،أسهل ألف مرة من التفاوض دون قتال...
هذا ألف باء حروب التحرير...
لكنَّ العرب،ومنهم الفلسطينيون وغزة، لم يتعلموا من الهدنات التي كانت تجري في الأربعينيات غداة النكبة...
كلما كان الفلسطينيون على وشك الِانتصار، كانت تُفرض هدنة، حتى ابْتُلينا بالنكبة.
على كلٍّ، لا زال الأصبع على الزناد، ولكنّ تحريك الجماهير ليس بنفس السهولة...
شخصياً، أحلم بإنشاء دولة ديموقراطية في فلسطين بعد تطهيرها من الرجس الصهيوني... لكنّ الأمر، في النهاية، يجب أن يعود فقط إلى الشعب الفلسطيني، لأنه وحده من يملك حق القرار...
أيّ شيءٍ غير هذا سوف يكون حروباً لا تنتهي، وقد آن الأوان لعمل ويستفاليا بمنطقتي بلاد الشام وما بين النهرين...
لست بحالم وإن كانت عظمة الانتصار قد أسكرتني
لكن.... لكن، وبالإذن من كلِّ المحتفلين... ما كان يجب القبول بوقف النار دون فرض شروط الدولة الفلسطينية الواحدة القادمة...
عسى أن يساعدنا الله في تخطّي هذه الزلّة...