إضاءات, المثقف بين أزمة التاريخ وحاجة التوثيق
ثقافة
إضاءات, المثقف بين أزمة التاريخ وحاجة التوثيق
1 آب 2019 , 18:06 م

 

تختلف البنية المعرفية للمثقف ما بعد العولمة، ع تلك  ما قبل العولمة، وهو ليس اختلافا في الجذور وإنما في التشكيلات المعرفية الفوقية، التي ضعضعت عند بعضهم الأصول بسبب الكشوفات المعرفية التي أماطت اللثام عن حقيقة التاريخ، ومدى وثاقة ما تم نقله إلينا من رواية تقص علينا أحداثه بما تحمله من موروث ديني من جهة، وما تحمله من دلالات ومحمولات معرفية من جهة أخرى.

 

وخاصة مع إماطة اللثام عن مناهج علمية رصينة في قراءة التاريخ، استطاعت رسم خارطة طريق أولية لأحداث التاريخ في الماضي، وكيف على ضوء هذه المناهج تهاوت كثير من المسلمات المعرفية، التي شيدت عليها ووفقها كثير من الأفكار والمعتقدات والمسارات، وانهيارها قوض أغلب تلك التركيبة الذهنية المعرفية المرتبطة بها.

 

طبعا نحن هنا لا نقيم المناهج القارئة للتاريخ، ولا ما توصلت له من نتائج، ولكننا نوصف مسارا معرفيا في شكل البنية المعرفية للمثقف، والمؤثرات التي لعبت دورا في تغيير هذه البنية وتقويض بعض أسسها، أو تغيير بعض مساراتها ومسلماتها، بل وثوابتها.

 

ومع تطور الحركة العلمية ومناهجها في قراءة التاريخ، وما تحقق من انكشافات على يد كثير من روادها، وإعادة استثمار هذه المناهج من قبل المتخصصين في التاريخ الاسلامي، و كشف كم التزوير الذي تم في كتابة التاريخ من قبل المؤرخين الذين تم شراؤهم من السلطة، أو من قبل المارقين على التاريخ الذين حركتهم العصبيات القبلية والمذهبية، فإننا أمام ازمة ثقة بالمنقول من الموروث، لا تدفعنا للرفض المطلق له، ولا التسليم الأطمئناني الساذج إليه، بل تدفعنا لفتح باب دراسة هذا التاريخ على مصراعيه للمتخصصين، واستخدام المناهج الحديثة في عمل حفر عميق في بنيته الداخلية والخارجية، وإعادة كتابته بعد تخليصه من التزييف الذي أحكم الخناق عليه، وأيضا يدفعنا إلى توثيق حاضرنا بطرق منهجية علمية تحفظ هذا الحاضر من أي محاولات تزوير للأجيال القادمة، لحل إشكالية وأزمة الثقة بالموروث التاريخي  التي ظهرت كسمة في هذا العصر بعد العولمة. 

 

والمثقف الناقد للتسليم الإطمئناني الساذج من قبل كثير من العلماء والنخب لما نقل من التاريخ، عليه أيضا أن لا يقوم بالرفض المطلق للموروث التاريخي بحجة فقدان الثقة، بل عليه أن يبدأ الحفر لمعرفة الموروث التاريخي الواقعي وأحداثه الصحيحة والاستفادة من سننه وتجربته البشرية في حاضره.

 

إذا المثقف أمام مطلبين: 

 

١- الأول : دراسة الموروث التاريخي وأعادة قراءته وفق مناهج علمية رصينة تكشف غثه من سمينه.

 

2. كتابة الحاضر وأحداثه ومجرياته بطريقة علمية منهجية، تحفظ هذا الحاضر من محاولات التزوير، حتى ينقل للأجيال اللاحقة كتاريخ دون أن يحمل عقدة الثقة و الدس، التي عانى منها المثقف مع تاريخه قبل تمحيصه. 

 

ويمكن لهتين الخطوتين أن تتما في موازاة بعضهما البعض.

 

ويمكنهما حل كثير من الأزمات والإشكاليات المعرفية الراهنة، التي ظهرت نتيجة التناقضات الكثيرة في الأفكار المعرفية، التي تعتبر العمدة الرئيسية في تشكيل بنية المعتقدات والثوابت المعرفية. بل إشكالية أزمة النظرية مع التطبيق في كثير من الموروثات التاريخية خاصة الدينية منها. 

 

إيمان شمس الدين

المصدر: وكالات+إضاءات