كتب الأستاذ حليم خاتون:
الأخ عبد الحميد، إذا كان يسمح بالأخوة، يذكِّرني بأيام الدراسة...
كنت عدت يوماً في رحلةٍ إلى بيروت فدعاني صديق/ رفيق الى فنجان قهوة، في دبيبو على الروشة...
دعا بعض أصحابنا من أيام الحرب الأهلية... حيث
تواجد بين المدعوين أناس لا أعرفهم...
كان من الطبيعي أن يسألوني كثيراً عن الاتحاد السوفياتي، حيث كنت قد عدت من موسكو...
ربما، وبسبب قربي من التيارات الماركسية وكوني عائدًا من موسكو، توقع الكل أن أطيل المديح للنظام السوفياتي، وإلّا فالرجعة لن تكون مضمونة....
ولأني انسان حر، قلت كلاماً في هذا النظام لم يستسغه الشيوعيون ذوو العقول المربعة والمعلبة في تَنَكٍ صناعيٍّ رديء...
انفجر الوضع حين اقتربت من"الرفيق ستالين"، ووصفته بأنه ديكتاتور دموي قام بتصفية الكثيرين، من الثوريين من أجل الانفراد بالسلطة، وقام حتى بإخفاء وصية لينين ....الخ..
فقد أحدهم رشده، هذا إذا كان عنده من الرشد شيئا أصلا، وقفز من مقعده وأراد الهجوم عَليَّ بالضرب لأني رجعي وأخدم الإمبريالية والصهيونية...
على فكرة، لم تكن هذه المرةالوحيدة التي أواجه فيها بعض الجهلة من الذين عادوا سهواً من القرون الوسطى إلى القرن الحالي...
في أحد المرات، قبل غزو سنة 1982 رأيت مكاناً بين سيارتين فهممت بصفِّ سيارتي والخروج...
تقدّم مني أحد "حراس" مركز أحد الفصائل، وطلب مني أن "أنقلع" من هناك...
هكذا ببساطة... أمّا السيارات الأُخرى الواقفة فهذا ليس من شأني...
تطور الشجار وتم اعتقالي بتهمة العمالة أيضاً للامبريالية....
ولم يكن مسؤول المركز أكثر ثقافةً وتحضّرا، فقد اتُّهِمتُ بأنّي من حركة أمل، واني أنا من خطف طائرة ليبية للمطالبة بالإمام الصدر...
بالنسبة إلى هذا المعتوه، كل من يسكن الضاحية يومها هو حكماً من أمل...
انتهت القصة بعد ساعتين وصار ذلك المسؤول يريد صحبتي ...
فجاةً، لم أعُدْ لا عميلاً ولا خاطفَ طائرات...
لا أعرف ماذا فعل هذا "المناضل وحرسه" أيام الغزو سنة 1982، وفي أية حفرة اختبأوا عند دخول الصهاينة إلى بيروت؟...
أنا لم أكن في لبنان... وذهبت ثاني أيام الغزو مع بعض الرفاق وطلبنا من إحدى الفصائل إعادتنا إلى لبنان عن طريق سوريا للقتال...
طُلب منا الانتظار، ثم علمنا أن منظمة التحرير سوف تنسحب من لبنان، وأنهم لا يستطيعون حتى ضمان أن نصل إلى لبنان..
كل هذا فقط لأصل وأقول لصاحبنا: إنّ كل إنسان عربي مؤهل ليقول رأيه في كل الناس وعلى الملأ... ولا يحتاج إلى إذن أمثاله...
أما عن التواجد في حضرة المجاهدين الكبار، فهذا ليس من شأنه، بل من شأن هؤلاء المجاهدين...
لو كان شعبنا قال رأيه بصراحة قبل 1967بالمشير، ربما ما كانت وقعت النكسة...
لو كنا صرخنا في شوارع بيروت نطالب بما طالب به الحكيم من وجوب القتال وجعل بيروت ستالينغراد العرب...
لما سقطت بيروت...
لو كنا وقفنا في مؤتمر الجزائر وقلنا للأخ أبو عمار إنّنا نرفض القبول بأي نوع من التسوية على فلسطين التاريخية... لما كنا وصلنا إلى أوسلو ...
لو كنا رفضنا أوسلو، بحزم أكبر وبجماهير أكثر وعياً واستعدادًا أكبر للنضال، لما كان هناك محمود عباس وتنسيق أمني...
هناك أناس، قد يكونون مناضلين فعلا، وتُرفع لتحيتهم القبعة، ويقدَّم في حضرتهم السلاح...
لكنّ أحداً في هذا الكون لا يملك الحقيقة المطلقة التي هي ملك الله وحده جلّ جلاله...
فصبراً أخي، وتواضعاً.
دع الناس تعبًر بما عندها، وأجب المنطقب المنطق .
هكذا تنجح الثورات وهكذا تبنى الأوطان...