كتب حليم خاتون:
خلاف عون/ الحريري ليس قصة ابريق الزيت...
عون لا يمثل فقط نفسه ولا الحريري بالتأكيد...
كل منهما يمثل الموقع الذي أعطاه اتفاق الطائف لكل طائفة في لبنان لتكريس عدم قيام وطن بالمعنى الفعلي للكلمة، تماما كما فعل في العراق وكما كان يتمنى فعله في سوريا...
الحريري يتمسك بما يسميه الصلاحيات الممنوحة للطائفة السنية عبر رئاسة الحكومة.
كذلك يفعل الرئيس عون الذي يقول إن اتفاق الطائف أعطاه صلاحية التوقيع أو رفض التوقيع على الصيغة الحكومية بصفته ممثلا في رئاسة الجمهورية للطائفة المارونية.
الحريري يقول إن التأليف هو بالكامل من صلاحياته... فيجيب اتباع الرئيس بأن هذا الأخير ليس باش كاتب عند الرئيس المكلف...
يقول الوزير السابق كريم بقرادوني أن الرئيس رفيق الحريري الأب، سلمه نسخة عن اتفاق الطائف قبل إقراره وطلب رأيه فيها...
يزيد بقرادوني أنه صُدم لان الطائف جرّد رئاسة الجمهورية من الكثير من الصلاحيات، فاعترض على الطائف في البدء.
لكن الحريري الأبّ لفت نظره انه دون توقيع الرئيس لا يمكن أن تكون هناك حكومة... وبهذا تبقى إرادة الرئيس واجبة الاستماع اليها...
إذن يمكن القول إن اتفاق الطائف خلق المشكلة من الأساس وجعل حلّها فقط في التوافق...
التوافق على ماذا، هنا السؤال
الجوهري؟
منذ أن تمّ فرض اتفاق الطائف كمخرج وحيد من الحرب الأهلية، وحتى الأمس القريب، كان يتمّ دوما إيجاد صيغة توافقية، كان عنوانها الدائم تقاسم المصالح في اقتسام جبنة السلطة...
هكذا نشأ ما صار يعرف لاحقا بالحريرية السياسية التي كان غلافها سنيًّا بامتياز، ولكن، في الحقيقة، هي تحالف نهبوي رأسمالي من الطبقات العليا من كافة الطوائف...
كان لحرَد ميشال عون يومها ومن ثم نفيه، ومن ثم سجن سمير جعجع والنفي الطوعي لأمين الجميل؛ كان لهذا أثر بالغ في نوع من استئثار بالسلطة من قبل من بقي من المسيحيين مع بقية الطوائف أدّى إلى هيمنة رفيق الحريري المطلقة على البلد طيلة سنين وصولا إلى يوم الاغتيال في ١٤ شباط...
أدّى الاغتيال إلى خروج جعجع من السجن، وعودة المنفيين الى البلد ونشوء نوع من تحالف فوقي جديد بين أركان الحريرية السياسية والوافدين الجدد...
كان الحريري الأبّ قادرا، بغطاء سعودي، على السيطرة على لبنان بصيغة "من دهنه، قليلو"...
لم يضع، لا الحريري ولا السعودية فلسا واحدا في لبنان في غير الاقتصاد النفعي الذي يضرب ضربة، يغرف بعدها الأرباح ويترك الركام على كاهل طبقة شعبية جاهلة تلحس المبرد وتتلذذ بالطعم بكل الغباء الذي وفره غياب أو ضعف قوى أو حركات جماهيرية وطنية واعية فعلا...
على العكس من ذلك جرت اكبر عمليات النهب والانتفاع من مواقع السلطة في السيطرة، ليس فقط على مقدرات البلد، بل حتى على الديون التي تمّت مراكمتها واستُنفِدت على مشاريع وهميّة وعلى مشاريع نفًذت بكلفة زادت أضعافا مضاعفة جعلت رفيق الحريري يضاعف ثروته من مليارين إلى ستة عشر مليارا من الدولارات...
نفس الأمر حصل مع بقية "أصدقاء" رفيق الذين سماهم هو بنفسه في أحدى الحلقات في مقابلة تلفزيونية... قال جوابا على سؤال من هم اصدقاؤه،
وليد ونبيه وسليمان و...
هل نسي الحريري الأبّ، الوزير ميشال المر أم أنه أراد فقط تسمية المسيطرين على الشارع الشعبي..
أراد الأمريكيون والفرنسيون الذين عادوا إلى التوافق بعد الخلافات أثناء حرب العراق؛
أرادوا الخلاص من النظام السوري والمقاومة الإسلامية في لبنان، بعد أن رفض بشار الأسد نقاط الإذعان التي قدّمها كولن باول إلى السلطة السورية عقب سقوط بغداد...
لعب التحالف بين حزب الله وحركة أمل دورا مهما في منع الاستفراد بالمقاومة عبر خنق حاضنتها الشيعية... وانضم إليهم حلفاء سوريا في لبنان...
تقرر ضرب المقاومة مباشرة في حرب تموز ٢٠٠٦، واعتقد الغرب واغبياء العرب ولاحسي الأحذية والعملاء من اللبنانيين أن الوقت حان...
لكن حساب الحقل لم يتوافق مع حساب البيدر.
لم يهزم مشروع الغرب وصيصانه في لبنان وحسب، بل خرجت المقاومة اللبنانية وحزب الله تحديدا، قوة عظمى إقليمية، أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي الذي أرادته كونداليزا رايس...
المقاومة اللبنانية، وتحديدا حزب الله، لم تكن قد نضجت بالشكل الكافي واستطاعت استمالة بقية الطوائف اللبنانية إلى مشروعها الوطني والقومي...
خرج السيد حسن نصرالله يهدي الانتصار إلى جميع اللبنانيين بما فيهم مروان حمادة وفؤاد السنيورة وسمير جعجع الذين كانوا ينتظرون على أحرّ من الجمر هزيمة المقاومة ليقوموا باعتقال قادتها واعدامهم والسيطرة نهائيا على تلك الأفكار المغامرة التي تريد الزحف الى القدس وتحرير فلسطين...
بعد هزيمة الغرب وعملائه في لبنان، لجأت اميركا إلى استغلال الوضع الطائفي في لبنان وسذاجة الوطنيين اللبنانيين، فبدأت حربها الناعمة على المقاومة بمساعدة عملائها المحليين والإقليميين...
مرة أخرى، وخلال أقل من ٤٨ ساعة، وإثر تمادي وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة في التآمر على المقاومة، قام الحزب بعملية تطهير موضعية أدت مرة أخرى، ليس فقط إلى هرب كل عملاء المخابرات الغربية والعربية من بيروت، ومن جونيه تحديدا، بل إلى اختباء قادة العملاء...
مرة أخرى، وخضوعا للتوازنات الطائفية والمذهبية، ذهب حزب الله الى الدوحة ليعطي المفلسين وطنيا، شهادات حسن سلوك لا يستحقونها... بل زاد على ذلك بالموافقة على إعادة الاعتبار الي رأسيّ الفتنة، جنبلاط والسنيورة...
وبدل أن يتمّ ضرب الصيغة الطائفية المذهبية للنظام وفرض المنتصر شروطه الوطنية بامتياز بإقامة نظام مدني وقانون انتخاب نسبي خارج القيد الطائفي في لبنان، دائرة واحدة، ووضع خطوط حمر على المهزومين احترامها في المسائل الوطنية والقومية، عاد حزب الله الى المواقع الخلفية تاركا البلد مرة أخرى في أيدي مافيا السرقات والنهب...
ولأسباب تعلّق الحزب غير المبرر وغير المفهوم بهذه الصيغة العفنة من مؤتمر الطائف، تم تصوير انتصار العونيين ووصول الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة وكأنه حلقة من عهد الانتصارات التي بشّر بها السيد، جمهور المقاومة....
هل كان العونيون على قدر المسؤولية؟
هل كانوا على قدر نظافة الكفّ والسيرة التي ادعوها؟
أسئلة، ليس صعبا على الإطلاق الإجابة عليها...
يبدو أن العونيين الذين دفنوا "الإبراء المستحيل" بمجرد دخولهم إلى جنة السلطة ومقدراتها، حرقوا سفن العودة إلى المبادىء التي ادّعوها طويلا...
الدخان الصاعد من صفقات البواخر والطاقة لم يجد بعد طريقه الى الشفافية...
هل المشكلة بين الرئيسين هي فعلا مشكلة بين طائفتين؟
هل يعبًر ميشال عون عن مصالح الطائفة المارونية فعلا؟
هل هَمّ الرئيس المكلف الحريري هو فعلا هَمّ الطائفة السنية؟
أسئلة ليست على الإطلاق بريئة وتقترب من السذاجة...
هل هي الطائفة الشيعية التي هبت للمصالحة بين الطائفتين المتخاصمتين، تعاونها في هذا الأمر، الطائفة الدرزية؟
الشعب اللبناني البسيط والساذج وعلى رأسه كل هؤلاء المحلّلون يدورون ويدورون ليعودوا إلى طائفية المشكلة وكأن ما نهبته الطبقة الحاكمة من كل الطوائف وزعته على فقراء هذه الطوائف؟
ما كان يحصل، هو أن هؤلاء الزعماء كانوا يرمون بالفتات مما وضعوا اليد عليه إلى بلهاء طوائفهم لذر الرماد في العيون...
هذه الطبقة الحاكمة موحدة في المصلحة الرأسمالية... وكل التشدّقات الطائفية والمذهبية ليست سوى ستارا لتقاسم المصالح...
حين كانوا متفقين قضوا على البلد وحين يتفقون مجددا، سوف يعاودون نهبه...
ليس الشعب من وضع رياض سلامة في موقعه... وليس الشعب من حذر من اقتلاعه... ولا الشعب هو من جدّد له في الحاكمية...
واستنادا الى الصحافي الاستاذ حسن عليق، بين الذين استفادوا من الهندسات المالية، شاشات أربعة وليس فقط الثلاثي المرح؛
الجديد، الMTV، ال LBC، وال OTV أيضا...
واستنادا إلى جريدة الأخبار، استفادة بنك البحر المتوسط التابع للرئيس سعد الحريري من هندسات رياض سلامة المالية، قابلتها استفادة بنك سيدروس التابع للعونيين من نفس هذه الهندسات ...
في اغنيته، "يا زمان الطائفية"، يتناول زياد الرحباني كيف كان فقراء الطوائف يتقاتلون ويذبحون بعضهم بعضا... في الوقت الذي تستمر عجلة التجارة الحرة عبر المتاريس والمحاور بين كبار رجال الأعمال...
طائفية الطبقات العليا ترفض أن يذبحوا بعضهم... هم يتركون هذا الأمر للفقراء الأغبياء كي يقوموا بهذا الأمر ... قبل أن يعودوا هم إلى الاتفاق...
هم طبعا يريدون الاتفاق ... لكن البلد مفلس وعودته إلى الإقلاع مجددا تحتاج إلى أموال...
هم لديهم الاموال، لكنهم غير مستعدين لدفعها من جيوبهم...
هم يسيطرون على آخر فلس تبقّى دون أي وازع...
الرئيس عون، تخلّى عن كل اوراق التين في سبيل الوصول إلى اتفاق...
لماذا يرفض الحريري الاتفاق إذا؟
يقول السيد نصرالله إنّ الخلاف محلي وليس إقليميًا...
فهل هذا صحيح؟
ام هو تبسيط للامور من قبل حزب الله الذي يريد الخروج من هذه الازمة باقل الاضرار الممكنة.
الرئيس الحريري، تابع بالكامل للسعودية...إذا، ما الأمر؟
التفسير الوحيد المنطقي يقول إن السعودية تحتفظ بالحريري رهينة في يدها، وهو بدوره، يحتفظ بالبلد رهينة في يده...
الحريري لا يستطيع الالتقاء بعائلته بالكامل إلا في دبي، تحت أعين الإماراتيين حلفاء ابن سلمان... أما في الخارج، هو يلتقي بجزء من العائلة فقط...
مصالحه في السعودية بيد ابن سلمان...
وروح الراسمالي في ماله
ماذا تريد السعودية من لبنان؟
احلام السعودية أكبر من حجمها.
هل يمكن إعطاء السعودية ما تريده؟
الأمر صعب جدا...
كل البساطة والسذاجة السابقة لا يمكن أن تمرّ...
سواء شئنا أم ابينا، نحن رهينة لأننا لم نصل بعد إلى مستوى اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية...
حتى لو تمّ اي اتفاق تستميت الطبقة الحاكمة في إتمامه، فهذا لن يدوم طويلاً، إلا إذا تمّ تقديم تنازلات كما جرى في السابق لن تؤدي في النهاية إلا إلى تعميق الأزمة أكثر...ثم تدور الدائرة وتعود حليمة إلى عادتها القديمة...