كتب الأستاذ حليم خاتون: وانتصر حزب المصارف   
دراسات و أبحاث
كتب الأستاذ حليم خاتون: وانتصر حزب المصارف  
حليم خاتون
5 حزيران 2021 , 18:41 م
كتب الأستاذ حليم خاتون:      خرج قرار الشورى برفض التعميم ١٥١ الذي سمح للمصارف بسرقة ما يقارب ٧٠٪ من قيمة الودائع، حتى دون الإفراج عنها؛ بل وضع سقفاً للسحوبات لا يزيد عن ألف دولار شهري

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

 

 

خرج قرار الشورى برفض التعميم ١٥١ الذي سمح للمصارف بسرقة ما يقارب ٧٠٪ من قيمة الودائع، حتى دون الإفراج عنها؛

بل وضع سقفاً للسحوبات لا يزيد عن ألف دولار شهريا، وعلى دفعتين أيضا، زيادة في إذلال المودعين وسرقتهم في الوقت نفسه...

 

ظاهريا، كان القرار جريئاً حين تحدّث عن السحب بنفس عملة الوديعة...

 

يبدو أن القاضي كان يعتقد يومها أنه في ألمانيا أو سويسرا...

نسي أنه في بلد العجائب، لبنان..

 

قامت المصارف فوراً بتفسير قرار الشورى على هواها، فقامت  بإلغاء منصة ال٣٩٠٠ والعودة إلى سعر ال١٥١٤.

 

هكذا استغلّت المصارف القرار لترفع نسبة السرقة  من السحوبات إلى حوالي ال٩٠٪.

 

لو كان مجلس الشورى يعني فعلاً ما قاله، لكان أمر فوراً باعتقال اصحاب المصارف لمخالفتهم قراره... لكن ما حصل فعلا، هو أن رئيس الجمهورية وحاكم مصرف لبنان قاما "بدعوة!!" رئيس مجلس الشورى، وتمّ وضع إخراج لائق لكي يبتلع القضاة ألسنتهم، وكأن شيئاً لم يكن...

 

دولة تحكمها المصارف لا يمكن تسميتها بغير اسمها: دولة المصارف.

 

في نفس ليلة القرار، بدأت المقابلات،على كل الشاشات التابعة لدولة المصارف، بالهجوم على هذا القرار المستهجن، دفاعاً عن المصارف "المغلوب على أمرها"...

 

أقلّ ما وُصف به القضاة هو حسن النيّة... وإن كان المقصود شيئا آخر ...

 

وصل الأمر بأحدهم أن انتقد القضاة، لعدم تحدّثهم مع اقتصاديين من أصحاب المعرفة، قبل اتخاذ القرار، لأن القاضي جاهل في أمور الِاقتصاد على حدِّ زعمه...

 

معظم المتحدثين الذين هاجموا القرار نسوا، أو تناسوا، أن الشعب اللبناني صار خبيراً في معظم أمور الدنيا، بعدما تمّ إغراقه في

مستنقعات المعاناة، من كل مصائب الدنيا التي قدتخطر على بال...

 

ما حصل في لبنان، هو بسيط جداً ...

قامت المصارف بمغامرات غير مدروسة، وخسرت.

 

عندما تفلس شركة، أي شركة كانت، يَتِمُّ فوراً وضع اليد عليها، لضمان الحقوق...

 

هذا قانون الرأسمالية والنظام الِاقتصادي الحرّ الذي يتشدق به الكثيرون من أهل النظام.

 

هذا ألف باء الِاقتصاد الحرّ...

 

هذا يُطبّق على زيد وعمر وعلي وجورج ولينين، وأيِّ إنسانٍ أو شركة ...

 

قامت المصارف اللبنانية بإيداع الأموال في مصرف لبنان المركزي، مقابل فوائد عالية ولفترات تصل أحياناً حتى عشر سنوات...

 

هي تبغي الربح؛ وهذا حقها...

 

لكنها قامت بِاستعمال أموال مجمّدة عندها لفترات قصيرة ومتوسطة لتلك الغاية... أي وضعها في المصرف المركزي، لآجال طويلة، وبكميات تصل حدّ الجنون في هوس الربح السهل..

 

عندما أتى المودع لِاستِلام وديعته، بعد انتهاء أجل التجميد،

قيل له: إنّ مالك موجود في المصرف المركزي.

 

نظرياً، وفي هذه الحالات تحديداً، المصرف المركزي غير مذنب... المال مجمّد عنده، لفتراتٍ  أطول، وهو غيرُ مُلْزَمٌ بإعادتها قبل الأجل.

 

نظرياً وفعلياً، هذا المصرف أو ذاك، يتحمّلان المسؤولية الكاملة عن سوء الإدارة و"التخبيص" الذي حصل...

 

عندما يرفض مصرفٌ ما إعادة الوديعة إلى صاحبها، في الأجل المحدّد، يُعْتَبَرُهذا المصرف في قانون الِاقتصاد الحرّ، مفلساً يجب وضع اليد عليه...

 

هذا ما يحصل في النظم الرأسمالية النظامية التي تحترم القانون...

 

أما في دولة المصارف، فهذا يحصل لكل الناس باستثناءالمصارف.

 

المصارف، في لبنان، فوق القانون.

 

القانون يسري في دولة القانون.

 

أما في دولة اللاقانون، ولبنان دولة لاقانون بكل ما في الكلمة من معنى،تكون الكلمة الأخيرة للمافيا الحاكمةالمتحكمة   ..في كل القرارات...

 

لماذا؟

لأن القانون، في كل طائفة، هو في يد رئيس عصابة هذه الطائفة...

 

ورؤساء عصابات الطوائف لهم قوانينهم الخاصة، التي تجعل منهم أنصاف آلهة على ارض لبنان، وبموافقة الرَّعاع من طوائفهم...

 

ما يحكم في مجلس رؤساء عصابات الطوائف هوقانون قراقوش..

 

لذلك تمت "دعوة" القاضي الذي تجرّأ وأصدر قراراً "غير مسؤول" وطُلِبَ منه، أو تمّ إعطاؤه الصيغة التي تحفظ ماء وجهه، بعد أن ينقع قراره في الماء قبل شربها...

 

ولا ضرورة لأيٍّ كان أن يتحدّى ويطلب أسماء رؤساء

وأعضاء العصابات الطائفية...

 

يستطيع أيٌّ كان الِاتصال بجريدة الأخبار، وهم يعطونه تواريخ أعداد الجريدة التي سمّت كل واحد استفاد من هندسات رياض سلامة المالية...

 

هل يُعقلُ، مثلاً،أن يدفع الناس ملياراً ومئتي مليون دولار سنوياً اشتراكات كهرباء، تستفيد منها، حصراً، مافيا المولدات ومافيا الوقود، في حين لا يكلِّفُ بناءُ معملٍ على الغاز لتوليد كهرباءأرخص وأقل تلوثا، أكثر من هذا المليار وتتأمّن الكهرباء للمواطن بعيداً عن المافيات؟...

 

هل يُعقل، في القرن الواحد والعشرين، عصر ما فوق التكنولوجيا، أن يشتري اللبناني مياه الغسيل من السيتيرنات، ومياه الشرب من شركات يفتقد أكثر من نصفها للمواصفات، في الوقت الذي لا تزيد تكلفة بنية تحتية للمياه عن نصف ما يدفعه اللبنانيون سنوياً لمافيات المياه على اختلافها...

 

هل يُعقل أن تتمّ إدانة سارق الانترنت وتغريمه بدفع أقل مما سرق بعشرة أضعاف... ولا يتمّ توقيفه، رغم رفضه دفع،حتّى هذه الغرامة التافهة؟...

 

ثم، وعندما يطالب أحدهم بجلب مِقصلة كومونة باريس الى ساحة الشهداء، للبدء بقطف الرؤوس التي أينعت وحان وقت قطافها، يخرج من يتهمه بالشعبوية

والغوغائية...

 

ابتسم انت في لبنان...

 

لكن، وحياة السماء والأرض وما خلق الله بينهما، كفّ عن البكاء، لأن الراتب لا يكفي لأكثر من يومين في الشهر ...

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري