كنب الأستاذ حليم خاتون:
نجا ابو عمار من عدة محاولات لقتله اثناء غزو سنة ٨٢..
دُمرت بنايات في بيروت بعد دقائق من مغادرته لها...
رغم كل شيء، لم يجري اي شيء للبناء الذي اجتمع في مستودعه كل قادة الفصائل وقيادات الحركة الوطنية اللبنانية...
لقد حمل ياسر عرفات آخر عروض المبعوث الاميريكي، فيليب حبيب... وإسرائيل تنتظر الإعلام البيضاء بدل جثث الشهداء...
عرض بالإستسلام مغلّف بانسحاب منظمة التحرير من لبنان...
حاول البعض الاعتراض... فكان جواب ابو عمار أن الإسرائيليين تابعوه حتى دخوله السفارة السوفياتية لطلب المساعدة والدعم، فسقطت قذيفة صاروخية في باحة السفارة مع صمت مطبق من قيادة الكرملين على هذه الإهانة...
أخبره السوفيات أنهم غير مستعدين للدخول في حرب مع أميركا التي تبدو مصممة على القضاء على منظمة التحرير.
صمت الجميع أمام هول هذا التصريح السوفياتي المخزي..
كسر الدكتور جورج حبش الصمت...
"يجب القتال حتى الشهادة أو النصر.." قال الحكيم..
ستكون بيروت ستالينغراد العرب".
لم تعجب الفكرة جنبلاط ومحسن ابراهيم ...
كان هناك رفض من الحركة الوطنية وما يسمى الزعماء البيروتيين...
اجاب ابو عمار بأنه كان ليذهب إلى هذا الخيار لو كانت بيروت مدينة فلسطينية...
عاد الدكتور حبش وقال،
" حسناََ، تستطيع الحركة الوطنية تسليم السلاح طالما هي غير مستعدة للقتال... أما نحن الفلسطينيين، فننسحب الى داخل المخيمات ونقاتل حتى الشهادة... أو النصر"
سكت الجميع برهة قبل أن يبدأ الجميع ضغطا معنويا ونفسيا على الدكتور حبش، قائلين إن الأمريكيين لن يوافقوا على مواقف مختلفة من فصائل مختلفة...
أما أبو عمار، فكان قد اتخذ قراره بالإنسحاب، لإعادة تنظيم الصفوف كما قال... إنه منطق التسويات المميت نفسه ...
لو كان الأمر بيد الدكتور حبش، لما كنا رأينا ذلّ ال٨٢ ، ولما كان هناك أوسلو بالتأكيد...
الأكيد أن القتال كان اشرف الحلول وليجري التاريخ كما يريد الله...
الدليل على إمكانيات النصر يومها، جاء عبر معارك خلدة وجامع عبدالناصر والمقاومة التي تبعت ذلك..
الهزيمة لا تكون ابدا في الانكسار العسكري...
الهزيمة تكون في انكسار الوعي ورمي السلاح... وهذا ما حصل مع المنظمة سنة ٨٢..
ماذا عن الأيام الأخيرة قبل ٢١ أيار ٢٠٢١...
كانت المقاومة الفلسطينية تحقق معجزات من قلب غزة... لكن تباشير النصر الحقيقي أتت من القدس والشيخ جراح واللد والرملة وعكا ويافا وكل فلسطين التاريخية...
كانت الاخبار الواصلة إلى الإدارة الأميركية لا تبشر بأي خير لمستقبل الكيان...
للحظات، تراءى للأميركيين منظر السفن التي تحمل المستوطنين هاربين من فلسطين، والجماهير الفلسطينية تندفع من كل القرى والبلدات والمدن تريد استرجاع حقها الوطني تساندها جموع فلسطينيي الشتات تقتحم كل الحدود مع عجز الأنظمة التابعة للإمبريالية عن فعل أي شيء على الإطلاق لإيقاف هذا المد الجماهيري...
طلبت اميركا من فرنسا لعب دور الوساطة لوقف النار بحججِِ إنسانية...
ضغطت على مصر وقطر للضغط على الفلسطينيين...
كان يجب وقف النار دون أن يحقق الفلسطينيون أي نتائج توحي بالنصر او تؤدي إلى كسر معادلات إسرائيل في حصار غزة وفي استباحة الضفة وفي السيطرة على كل اراضي ال٤٨...
حاولت الفصائل رفض ذلك، بما في ذلك قيادة حماس... لكن الوعي التسووي الذي يعشعش في العقل العربي غلب بكل أسف.
كم كنا بحاجة إلى حكمة الدكتور حبش في تلك اللحظات بدل الاستسلام لمنطق التسويات التي قادتنا قبلا إلى أوسلو...
ما قاله الأخ يحي السنوار في مسائل المعنويات وفي استعداد محور المقاومة للدخول في الصراع... كل ذلك، إضافةََ لانتفاضة جماهيرية غير مسبوقة على كامل فلسطين التاريخية، كان يجب أن يؤدي إلى فرض شرطين أثنين على الأقل:
١-وقف إطلاق النار يترافق مع رفع الحصار عن غزة بقرار يخرج من مجلس الأمن تحت الفصل السابع.
٢- إرسال وفتح مكاتب تابعة للأمم المتحدة في كل المدن الفلسطينية على امتداد فلسطين تمنع التعدي على سكان البلد الاصليين وتعمل على حمايتهم في وجه سلطات الاستيطان والاحتلال...
لكن عقلية القبول بالهدنة تلو الأخرى التي أدت سنة ٤٨ إلى كسر الإرادة الفلسطينية وتمكين العصابات الصهيونية من الظفر بالمواقع التي كانت تقاوم بشراسة.... هذه العقلية أدّت بكل أسف إلى القبول بوقف للنار انتقص كثيرا من أي انتصار تم إعلانه...
منذ اليوم التالي عادت قطعان المستوطنين تستبيح الأقصى، وتم اعتقال الآلاف في كافة مدن الانتفاضة الجماهيرية...
صحيح أن تحدي السنوار أضاف بعدا آخر للانتصار... لكن الصحيح أن ما حصل كسر موج الهبة - الانتفاضة وسمح للكيان والمستوطنين باستعادة المبادرة.
وقف النار الذي حصل كان غرسا لشوكة غليظة في إكليل النصر...
ما يحصل اليوم هو عودة الكيان إلى فرض نفس المعادلات السابقة على أيار ٢٠٢١...
وكل ما يصدر عن الفصائل لا يزيد على فقاعات صوتية لا يعيرها العدو اي انتباه...
والمسؤولون عن هذا هم الذين خضعوا للإملاءات الأميركية عبر المصريين والقطريين..
أين الشكر!!؟... ولماذا الشكر؟!؟!!
لا احد يدري!!..
لقد سرقوا منا انتصارا مزلزلا...
إذا أردنا العودة لقطف هذا النصر،
علينا العودة إلى القتال...
الأسباب موجودة والكيان يعطينا كل يوم أكثر من سبب لهذه العودة إلى القتال، ليس اقلها استمرار الحصار وما تعانيه جماهير الداخل....
كما رفضت أنصار الله أي وقف لإطلاق النار دون رفع الحصار واستعادة السيادة على اليمن... على المقاومة الفلسطينية فعل الأمر نفسه...
ما يعانيه اليمنيون ليس أقل مما تعانيه غزة وفلسطين...
لكن اليمن الذي عصا على كل الغزوات والاحتلالات يعطينا درسا يجب اتباعه...
إلى اللقاء في الحرب الآتية حتما وكل نصر وانتم أكثر تصميما على رفض الهدنة والأثمان الرخيصة لدماء الشهداء..