كتب الأستاذ حليم خاتون:
سنة ٧٥، مع بدايات الحرب الأهلية، اعتكف الإمام السيد موسى الصدر في أحد المساجد، في محاولة لإجبار أمراء الحرب وزعرانها على وقف هذه الحرب التي اعتقد انها عبثية، قبل أن يظهر فيما بعد أنها لم تكن سوى حلقة في مسلسل "فيلم أميركي طويل"... أُخرج خصيصا من أجل قتل الروح في لبنان، أو على الأقل، تدجينها...
يومها، حذّر الإمام الطبقة الحاكمة الرافضة لإجراء أي إصلاح بنيوي للنظام قائلا،
"أيها السياسيون، سيأتي يوم.. يصادر فيه الفقراء قصوركم".
بعد أربعة عقود ونيف من التيه في الجاهلية الطائفية التي ما لبثت أن تجذّرت إلى جاهلية مذهبية عشائرية، (مش مفهوم سماها)... تبين أن السيد الذي عاش فترة طويلة في إيران، قد اختلطت عليه الأمور...
لم ير الإمام الفرق بين الشعب الإيراني الذى اقتلع أحد أهم طغاة القرن العشرين في هبّات جماهيرية متواصلة تحركها كاسيتات مسجلة بصوت الإمام الخميني يدعو فيها شعب إيران إلى الحرية... وبين الشعب اللبناني الذي يصل أقصى فعله إلى أخذ نفس أركيلة يبدو أن زهرة الخشخاش، من أهم مكوناتها...
أمس، ارتفع سعر حليب الأطفال الرضع من ١٧,٠٠٠ إلى ٧٠،٠٠٠ ...
أن لا يصرخ الرضيع احتجاجا، مفهوم لأنه لا يعرف ماذا يجري.
أما أن يسكت أبوه وأمه ويزيدوا نسبة المياه في الخلطة، فهذا أفضل جواب على تنبؤات الإمام..
عفوا سيد موسى، على النقيض تماما من تنبوءاتك، بدل أن يصادر الفقراء قصور السياسيين،
قام السياسيون هم، بمصادرة أموال وبيوت وأملاك كل اللبنانيين، فقرائهم واغنيائهم...
صادروا حتى حليب الأطفال ورغيف الخبز ...
خلال ثلاثة عقود استطاع السياسيون تحويل البلد إلى مجموعة من المزارع، غنمها وبقرها وحميرها ليسوا سوى فقراء شعب لبنان "العظيم"...
عفوا سيد موسى، بدل القصر القديم في الضيعة، بنى السياسيون لهم قصورا في الريفييرا الفرنسية، أو في ماربيلا الإسبانية... أو حتى في دبي وأبوظبي، حيث يسود أمثالهم من أتباع السيد الأميركي الابيض جدا...
في الاسبوع الماضي حوّل ابن أحد السياسيين المؤمنين جدا، والذي بالكاد تجاوز سن العشرين؛ حول مبلغ مليون دولار أميركي لشراء ارض في أحد بلاد الإغتراب، ثم اتبعها بحوالي المئة ألف دولار يدفعها إلى القاضي "السمسار" الذي عمل على إتمام صفقة الخصخصة لترك الأرض التي كانت تحوي مؤسسة افلسها سياسيوا البلد المعني...
إنه تشابك مصالح الفاسدين عبر الحدود...
الجماعة أصحاب، ويعرف بعضهم البعض الآخر...
بعد مؤسسات "أطباء بلا حدود"،
سوف نكتشف قريبا وجود مؤسسة "سياسيون بلا حدود"..
يبدو أن الفاسدين نظموا أنفسهم في نقابة عالمية للدفاع عن مصالحهم في حال استيقظ يوما فقراء العالم الراقدين في سبات اهل الكهف...
لم يترك مجنون ليبيا ونيرونها، معمر القذافي، أثرا للإمام كي نزوره ونقول له إن السياسيين في لبنان، يسوقون شعب لبنان كما كان الرومان يسوقون عبيد البلاد التي تقع في أيديهم...
دون أية حاجة للسلاسل من اي نوع، يمشي اللبنانيون إلى قدرهم المحتوم... العبودية.
السياسيون في لبنان اخرجوا أموالهم ليس فقط إلى الجنات الضريبية...
السياسيون في لبنان، يشترون أراض في بلاد الاغتراب ويقيمون مشاريع تدر عليهم ملايين الدولارات من الأموال التي سطوا عليها واخرجوها مع تحيات أصحاب المصارف ومباركتهم، بفعل تأجيل النائب العوني جدا ابراهيم كنعان، رئيس لجنة المال والموازنة التي تضم أعضاء يمثلون كل الكتل البرلمانية دون استثناء، بما في ذلك المستقبل وحركة أمل وميقاتي وحتى حزب الله....
تأجيل الكابيتال كونترول...
عفوا سيد موسى، لكن دعوتك لإقامة دولة مدنية في لبنان، ترفضها كل الاحزاب، سرا أو علانية...
لماذا؟
لأن الطائفية والمذهبية هي افضل من يحرس قصور هؤلاء السياسيين "حلّابي الدين" على حد وصف الشيخ إمام...
ألم نرى كيف يهرع كل فاسد إلى زعيم طائفته الديني طلبا للخطوط الحمراء...
ألم نرى البطرك والمفتي يرمون الحرم لحماية رياض سلامة وفؤاد السنيورة...
رحم الله الخليفة الاول ابو بكر الصديق الذي خاطب الناس قائلاً،
"أيها الناس، لقد وُليت عليكم ولست بأفضلكم..." إلى أن يقول،
"أن رأيتم فيّ اعوجاجا، قوموه بسيوفكم"
بعد البحث والتدقيق، تبين أن رياض سلامة وفؤاد السنيورة أهم من الخليفة الراشدي الأول،
طبعا، في أعين البطرك والمفتي...