كتب الأستاذ حليم خاتون:
عندما تغيب الديمقراطية، يسود التفكير المطلق...
وعندما يسود التفكير المطلق، يخرج أنصاف الآلهة يعلنون أنهم وحدهم من يملك الحقيقة...
بعيدا عن الجدلية التاريخية، يتم احتكار الحقيقة ومعها احتكار السلطة...
أحياناً، ينجح هؤلاء في أن يصبحوا ايقونات للشعوب التي يسودها الجهل... واحيانا اخرى،
تكون جهالة الزعيم أكثر عمقا من جهالة الشعب، فيصبح هذا الزعيم ممسحة أرجل...
تصعب المقارنة بين أبو عمار وأبو مازن...
احتكر الإثنان الحقيقة المطلقة، فوقع الاول شهيداً، ضحية لذلك؛ وصار الثاني أقل من وكيل، وأكثر قليلا من حارس لمصالح الإمبريالية والاحتلال...
احتكر ابو عمار الحقيقة ببراغماتية وهو يظن أنه "حربوق يتكتك" وأنه أكثر ذكاء من الإمبريالية...
فجأة، اكتشف أن ذكاءه خانه... لقد زرعت الإمبريالية بين يديه، قنفذا، هو محمود عباس، الذي ما كاد يحصل على الضوء الاخضر الغربي حتى انقض يعض، ويطالب بتحديد صلاحيات الرئيس عرفات وزيادة صلاحياته هو، رئيس الحكومة....
جهاز أمن فتح الذي لطالما اعتمد عليه الختيار لقمع الرأي الآخر كان قد تم تدجينه على يدي الجنرال الأميركي دايتون...
لم يعد هذا الجهاز يتبع ياسر عرفات على الموت كما كان الحال دائما... صار لديه مهام جديدة... بدل أن يكون جهاز أمن السلطة، صار كلب المحتل...
تم توسيعه وتدريبه ليصبح كلب السيد الجديد... إسرائيل.. يتلقى العظام من يد المحتل حصرا...
لذلك لم يكن صعبا على دحلان أن يذهب لخدمة سيد أخر هو صديق المحتل...
في حقيقة الامر، هو كلب السيدين معا، إسرائيل وأبوظبي..
هو الجوكر الذي سوف يأخذ مقعد الختيار من العجوز محمود عباس... الذي كما يبدو يحاول دوما البرهنة أن صلاحيته لم تنته بعد...
منذ مدة، وكل الدلائل تشير إلى أن السلطة سواء مع محمود عباس أم غيره، هي إلى أفول...
تيار المقاومة داخل الشعب الفلسطيني نما خارج كل التوقعات...
حتى داخل الجهاز الأمني، بدأ صغار الضباط تململا، يتبرم من وصمة الخيانة التي طبعت هذا الجهاز...
إنه الجهاز الذي أجهض مئات وربما أكثر، من العمليات ضد الاحتلال...
حتى في أيام ياسر عرفات فعل الشيء نفسه...
ولعل من أكثر ما يثير السخرية في مهامه، هو حبسه لأمين الجبهة الشعبية العام، الرفيق سعدات، بحجة حمايته من الأغتيال على أيدي الصهاينة...
زادت فضائح هذا الجهاز الى حدً أنه أصبح محل إدانة كل شرفاء الامة، من المحيط الى الخليج...
أمس، رمى أحدهم كومة من العظام لحوالي عشرين كلبا من كلاب السلطة الشرسين جدا..
نزار بنات، صار مزعجا جداً...
الشارع الفلسطيني يفلت من بين أصابع السلطة ... لا يدافع عن ابو مازن سوى بعض المنتفعين من أموال الغرب التي تغذي مؤسسات الدراسات التي تنظّر لنظرية الخمول السلمي وحل الدولتين التي لا تزيد عن كونها شعارا مرحليا يرمى به على المسرح في كل مرة يشعر الغرب أن الفلسطينيين ينتفضون بجدية قد تطيح بالاحتلال..
كان المراد "تربية" الجماهير المنتفضة عبر "تربية" الأخ نزار..
أن يهاجم عشرون كلبا رجلا واحدا، له معنى واحدا:
سيد هذه الكلاب ضاق ذرعا بالذين يرفضون أطروحات السلطة والذين يفضحون عمالة جهازها الأمني...
مرة أخرى يثبت محمود عباس أنه الراعي الصالح لمصالح الاحتلال...
لم يعد الإحتماء بثياب فتح يجدي نفعا.. لقد استطاع الغرب والاحتلال تحويل ثياب فتح المرقطة إلى ياقات وبدلات...
مناضلو فتح الحقيقيون إما في سجون الإعتقال، أو في شوارع الإنتفاضة... لم يبق في السلطة إلا أشباه محمود عباس...
الشعب الفلسطيني تخطى مرحلة القبول بأقزام تريد التشبه بأنصاف الآلهة الذين يملكون الحقيقة المطلقة ... أنهم بقايا مرحلة بيروت وما تبعها في أوسلو...
انتهت تلك المرحلة...
الشعب الفلسطيني الذي نزل إلى الأرض سبق الكل... وصار هو صاحب الحقيقة المطلقة الجديدة...
تحرير فلسطين لن يكون إلا بالكفاح بكل الاشكال معا...
تحرير فلسطين لا يمكن أن يكون منتقصا، ومهمشا في بضعة كيلومترات...
فلسطين هي، هي، كما خلقها الرب وكما أرادها ان تكون، من البحر الى النهر، ومن حدود جبل عامل إلى حدود سيناء...
ما قاله استشهاد المجاهد نزار هو أن الوحدة الفلسطينية لا يمكن أن تكون إلا وحدة نضالية خالية من أذناب الاحتلال وأسياده من الإمبريالية..
الشعب يكافح بكل الوسائل المتاحة والتنظيمات تنتهج طريق الحرب الشعبية والكفاح المسلح...
أي وحدة فلسطينية تخرج على هذا المبدأ، هي وحدة ملعونة يتوجب رفضها...
لن يكون شعب فلسطين ستارا يختبئ خلفه ازلام الاستسلام أو نصف الاستسلام، لا فرق...
نزار بنات لم يكن الاول، ولن يكون الأخير في حرب التحرير التي بدأت ولن تنتهي قبل خروج آخر مستوطن من الأرض المقدسة، شاء من شاء، وأبى من أبى...