كتب جورج حدادبن:
في سياق الحوار الشعبي الدائر وخصوصاً حول الهوية الوطنية الأردنية والهوية الوطنية الفلسطينية وهوية الأمة، لا بد من الاعتراف العلمي الموضوعي بأن أي من هذه الهويات لم تتشكل بعد ، وتشكلها ( الهوية الأردنية والفلسطينية) المتوازي حتماً مرتبط أشد الارتباط بإنجاز مهمات متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي،
وأن تشكل الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية ، يشترط النضال المشترك الموحد في ظل فهم التمايز الموضوعي.
الهوية الوطنية الناجزة وشرط تشكلها، والهوية القطرية البدائية المفوتة
تشكُل الدولة الوطنية والهوية الوطنية المنتجة، مرتبط مباشرة وتحديداً، بإنجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، التي تفتح الآفاق أمام تطور قوى الإنتاج الوطني، وتفسح المجال أمام عملية إدماج المجاميع الماقبل رأسمالية، والهويات الفرعية في هوية وطنية منتجة موحدة.
وتتشكل دولة الأمة وهوية الأمة الواحدة، نتيجة دمج الهويات الوطنية المنجزة، بعدما يتم تخطي واقع المجتمع البدائي المتخلف، إلى المجتمع المنتج الحديث:
1. الدولة القطرية والهوية القطرية: هي تعبير عن تجميع هويات فرعية، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية، المجاميع البدائية: القبلية والإثنية والطائفية والمذهبية، لتتعايش مع بعضها البعض ضمن مساحة جغرافية – دولة – بحدود مرسومة بفعل قانون الهيمنة – التبعية، تبعية المحيط وهيمنة المركز الرأسمالي العالمي، ويتم العمل المستمر لضمان استمرار هويات المجاميع البدائية تتعايش فيما بينها بفعل القوة، في الوقت ذاته لا يسمح لها بالاندماج فيما بينها.
الدولة القطرية تبقى بالضرورة دولة ريعية تابعة، لا يسمح لها المركز المهيمن بناء قوى إنتاج وطني، أي لا يسمح لها بالتحول إلى دولة منتجة ومجتمع منتج، حيث يسود فيها نهج يقوم على إدارة شؤون الدولة والمجتمع عبر المساعدات الخارجية والمنح والقروض الميسرة وتطبيق سياسة “معاقبة المنتج وتحفيز المستهلك”.
2. الدولة الوطنية والهوية الوطنية: هي تعبير حقيقي نتاج مجتمع حديث منتج، وتتشكل بفعل إنجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية: كسر التبعية وفتح الآفاق أمام تطور قوى الإنتاج الوطني، أي إحداث التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات الوطنية، والتي تشكل القاعدة المادية والشرط الرئيس لدمج المجاميع في مجتمع موحد وهوية وطنية واحدة، أي تحقيق مهمة إدماج المجاميع، لكي يتشكل المجتمع الموحد المنتج، والهوية الوطنية الموحدة، الدولة الوطنية هي دولة مجتمع أنجز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية.
مشروع التحرر الوطني، يتمثل في إنجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، من أجل:
• فتح الآفاق أمام التطور الطبيعي للمجتمع، أي كسر القيود والمعوقات أمام تطور قوى الإنتاج الوطني، وتحقيق التحول نحو الإنتاج على كافة الصعد: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية…الخ.
• دمج المجاميع الماقبل الرأسمالية، المجاميع البدائية: قبلية، عشائرية، أثنية، مذهبية طائفية، إقليمية…الخ في مجتمع موحد ومنتج، وهوية اجتماعية واحدة منتجة، من خلال كسر التبعية للمركز الرأسمالي المهيمن، وتحقيق التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات الوطنية.
في الواقع العربي الراهن، واقع دول ” سيكس- بيكو” دول التبعية، حيث تم إحداث تحول وتشكيل مجتمعات منعزلة عن بعضها، على مدى قرن من الزمن، لا يمكن تجاوزها بالأمنيات والدعاء والشعارات، فال “برجوازيات الكمبرادورية” الحاكمة والنخب التابعة والمجتمع المشوّه، تشكل مجتمعة عوائق حقيقية أمام بناء الدولة الوطنية وتبعاً بناء دولة الأمة،
فكيف يتم تخطي هذا الواقع؟.
تخطي هذا الواقع هو صيرورة مراحل، تبني المرحلة على ما سبقها وجوباً، ومن لم يستوعب بعد تعقيدات المشكلة والصعوبات التي تواجه هذه المهمة، مهمة بناء دولة الأمة، فلن يتمكن من إنتاج الحل، بل سيبقى يقذف صواريخ الشعارات، وهو يقذف بها منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، دون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، لا بل نجد الواقع القائم اليوم يطرح معضلات تجزئة جديدة لما هو قائم، لماذا؟
يتوهم البعض أن حل هذه المشكلة “وحدة الأمة” تبنى على إرادة نخب، وهو ما دحضه تطور الأحداث في قمة النهوض ” القومي” الوحدوي، لماذا؟؟؟
بناء “دولة الأمة” تاريخياً، جاء في سياق إنجاز مهمات الثورة الوطنية البرجوازية، نتيجة نمو برجوازية وطنية ناشئة في أحشاء النظام الإقطاعي المأزوم، ونتيجة نضوج أزمة الإقطاع، قادت البرجوازية الوطنية الناشئة ثورة الفلاحين والاقنان ضد الإقطاع، وأطاحت به لصالح البرجوازية.
فهل تشكلت برجوازية وطنية في العالم العربي؟ تقود هذه الثورة، الجواب كلا.
وهل النخب القائمة في العالم العربي؟ لها مصلحة حقيقية لإنجاز هذه المهمة، ناهيك عن قدرتها الفعلية على إنجاز مهمة بهذا الحجم، بالتأكيد كلا.
وهل المجتمعات العربية ذاتها، ناهيك عن الأنظمة الرسمية، مؤمنة بالوحدة ولها مصلحة فيها؟ وحدة دول غنية مع باقي الدول الأكثر فقراً.
العلاقات الاقتصادية البينية بين الدول العربية تكاد لا تذكر – نتيجة التبعية – بينما العلاقات الاقتصادية مع المركز طاغية.
الحل الواقعي والثوري المشكلات والمعضلات القائمة في المجتمعات العربية، تتطلب إنجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، والتي بدورها تتطلب بناء حركة التحرر الوطني في كل دولة، وبناء حامل اجتماعي من الشرائح الكادحة والمنتجة، تتكامل هذه الحوامل فيما بينها لكي تشكل حاملاً موحداً ينجز مهمة الثورة الوطنية الديمقراطية.
بناء الدولة الوطنية المنتجة، هي المقدمة الأساس لبناء دولة الأمة.
” كلكم للوطن والوطن لكم”


