كتب الأستاذ حليم خاتون:
فعل يعتذر، يأتي من كلمة اعتذار... وكلمة اعتذار مشتقة من كلمة عذر... وكلمة عذر لا تحتوي بالضرورة على مفاهيم سلبية، بل هي تعني ببساطة أن هناك عذر لعدم حصول شيء ما...
فهل يملك سعد الحريري عذرا يمنعه من تأليف حكومة هو بحاجة ماسة، تكاد تكون مستميتة لتأليفها؟
ليس دفاعا عن جبران باسيل ولا عن ميشال عون... فالأول، داهية وصل إلى السلطة بالركوب على أظهر الكثيرين، ليس آخرهم حماه، وجدّ أولاده... والثاني، عجوز عاجز أنهى تاريخا من الصرامة وحدّة المواقف والإصرار على أمور سواء أعجبت المرء ام لم تعجبه، إلا أنه لا يستطيع أن لا يراها في هذا الرجل الذي وصل في آخر العمر إلى ضياع وتراجع عن أهم ما يمكن أن يحمله سياسي علماني، وهو بيع مدنية الدولة لصالح مراكز طائفية لن تكون إلا وصمة عار على تاريخ هذا الرجل فعلها بنفسه ضد نفسه...
في ذلك المساء، بعد أحداث ١٧ تشرين، عرف سعد الحريري، رغم عدم تمتعه بأي ذكاء خارق،بل حتى بلا أي ذكاء على الإطلاق؛ عرف أن اللعبة انتهت... Game over...
نظر حوله، فلم يجد خبيرا اقتصاديا واحدا يمكن أن يطمئنه إلى إمكانية علاج الوضع دون الانتحار ونحر الطبقة التي تحالف معها هو وأبوه من قبله، في أضخم عملية نصب ونهب ممنهج، شارك في وضع تصاميمها شلة من الازلام الذين جلبهم رفيق الحريري من الشارع أو الميليشيات، واصبحوا في بضعة سنوات أصحاب ثروات لا تأكلها النيران...
هناك حلان، لا ثالث لهما لهذا الوضع:
١- الخضوع الكامل لاميركا والغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإفقار اللبنانيين الى الدرجة التي وصلوها اليوم في كل الأحوال وربما أكثر... وإقامة ديكتاتورية تفرض هذا الفقر فرضا على الناس...
أو الإنسحاب وترك الشركاء الأغبياء من كل الأحزاب والتيارات والمنظمات يغرقون أكثر وأكثر في غبائهم ويوصلون الناس هم بأنفسهم إلى هذا الوضع ويلبسوا هم طربوش الإفلاس والأزمة...
٢- أو أن تخرج من بين الناس مجموعات ما، نظيفة اليد إلى حدّ ما، تنتج قيادة ما لتقود ثورة تستطيع حل الأزمة عبر تدفيع طبقة الناهبين وحدهم كل الخسائر الناتجة عن هذا النهب...
باختصار أن تتم مصادرة أموال وممتلكات هذه الطبقة لصالح الخزينة العامة، ورميها في السجون والمعتقلات في حال لم تقم بإرجاع كل ما راكمته في المصارف الأجنبية مما نهبته من المال العام...
خرج الحريري من السلطة صوريا، عبر استقالة هدف منها إبعاد هذه الكأس المرّة عنه...
لكن الحريري وبقية الناهبين من كافة الطوائف والمذاهب، لم يذهبوا للجلوس في البيت...
فعلوا كل ما بوسعهم لكي يأتي حل الأزمة بالطريقة الأولى، أي أن يدفع الشعب اللبناني الفقير والمتوسط وحتى الميسورين منهم، الذين جمعوا أموالهم من خارج منظومة النهب العام... أن يدفع هؤلاء كل الخسائر الناجمة عن سياسات هذا النهب العام...
لم يكن هذا الأمر صعبا في مجتمع متخلف تسيطر على مفاهيمه، كل انواع الطائفية والمذهبية وعبادة الزعماء من أخوان هُبل القرن الواحد والعشرين...
خرج إلى الشوارع من يستفز الجاهلية المذهبية ويدفعها إلى حافة الهاوية...
من جهة، أناس متخلفون يصرخون شيعة، شيعة... ومن جهة أخرى أناس متخلفون أيضاً، يصيحون، سنّة، سنّة...
وفي نفس الوقت خرج من يهاجم المسيحيين الذين يتآمرون على المسلمين ويريدون العودة إلى عصر الجمهورية الأولى، يوم كان الموارنة يحكمون البلد بشكل شبه مطلق..
فتنة مسيحية إسلامية كادت تولع خطوط التماس القديمة على طريق صيدا القديمة بين عين الرمانة حيث يعيش معظم اغبياء فقراء المسيحيين، والشياح، حيث يعيش معظم أغبياء فقراء المسلمين...
نفس الأمور جرت في سط البلد، وفي الخندق العميق وقرب المدينة الرياضية وطريق الجديدة وغيرها، ليشتبك اغبياء الشيعة ضد اغبياء السنُة... في تراجيديا كوميدية سوداء لا يمكن تصورها إلا في العودة إلى القرون الوسطى...
في الوقت الذي كان زعماء السنّة والشيعة والمسيحيين ممن نهب البلد يتبادلون الأنخاب... لنجاح مخططهم الذي دفع بالمقاومة إلى إصدار فتواها بحرمة الخروج إلى الشارع... كان البلهاء من فقراء الطوائف ينسون فقرهم أكراما للصوص الهيكل...
فقط المقاومة يمكن أن تلجم الآلاف المؤلفة عن القيام بالثورة... وقد فعلتها...
تبادل الناهبون من كل الطوائف الأنخاب لأنهم استطاعوا دفع المقاومة إلى أجهاض الثورة ولو عن غير قصد...
لم يبق بعد هذا، سوى رؤية الأمور تتحدرج أكثر واكثر إلى انهيار الوضع الاقتصادي بشكل يدفع فيه الشعب اللبناني ثمن كل النهب الذي حصل بينما يفلت الناهبون من العقاب مثل الشعرة من العجين...
كان صندوق النقد يريد تخفيض قيمة الليرة إلى ما بين خمسة وعشرة آلاف ليرة...
ها هي الليرة تصل وحدها إلى حوالي العشرين ألفاً... وسقف انهيار سعر الصرف غير معروف..
كان صندوق النقد يريد طرد حوالي ٦٠٪ من موظفي القطاع العام... وها هي كلفة القطاع العام تنزل إلى أكثر من ٩٠٪ من الكلفة القديمة...بفعل انهيار الليرة...
اجتمع الحريري مع حلفاء أبيه، وقرروا أن الوقت قد حان للعودة، وضمن لهم رياض سلامة أنه يستطيع وقف انهيار سعر الصرف وإعادته بضعة ليرات إلى الوراء بمجرد أن يقولوا له...
لكن سعد الحريري وشركائه، نسوا في لحظة، أنهم ليسوا سادة اللعبة... هناك إقليم استفاد مما حصل في لبنان... لا بل ساهم في تدهور الأمور واستغلال الغباء الطائفي المنتشر..
استقرار لبنان، لم يعد مطلبا أميركياً...
إذا تعذرت السيطرة على لبنان وعلى تلك المقاومة اللعينة التي تمنع تنفيذ الشرق الأوسط الأميركي الصهيوني، فليذهب هذا اللبنان الى الجحيم...
فجأة وبعد تفجير مرفأ بيروت، اكتشف اللبنانيون أن شركة موانئ دبي، قد دخلت في مشاريع ضخمة مع ميناء حيفا...
فجأة اكتشف اللبنانيون أن الإمارات تصدّر نفطها عبر المرور بإيلات وصولا إلى البحر المتوسط...
فجأة اكتشف اللبنانيون أن محفظة مملكة بني سعود موجودة بين يدي شركة Globus التي يديرها الموساد الإسرائيلي...
لم تظبط مع الحريري...
ولم تظبط مع حلفائه وشركائه...
إذا، لماذا لا يتذرع بالف عذر وعذر حت لا يقول السبب الحقيقي... عن فشله في التأليف؟!
قد تخاف اميركا من أن يسيطر حزب الله على لبنان، فتضغط على السعودية...
هذا ما اخبرته به شيا وفارغو قبل سفرهما إلى الرياض...
هو ينتظر عودتهما...
هو سوف يظل ينتظر...
لأن السعودية واميركا والإمارات يعرفون جيدا أن شعب لبنان "العظيم" لديه قدرة على تحويل الفساد إلى فساد اكبر وتخريب البلد إلى خراب اكبر... اساسا، إذا كان عدد الفاسدين الكبار لا يصل حتى إلى واحد في المئة، فإن أعداد صغار الفاسدين في المجتمع اللبناني تتجاوز بكثير ثلاثة أرباع شعب لبنان "العظيم".
أما قصة وقوع البلد في أيدي الحزب، فلا خوف إطلاقاً...
مش واردة عند الحزب...
هو مصًر إلى أكبر حدود الإصرار..
هو يلحّ بأشد العبارات... كل يوم وكل ساعة أنه حتى لو كان قادرا، هو لا يريد استلام السلطة...
لذا، لن تضغط اميركا ولا السعودية ولا الإمارات...
فسلطة اللاسلطة في لبنان لن تفعل شيئا... حتى لو مات نصف سكان لبنان من الجوع...
وقصة التوجه شرقا... هي بعبع لن يجرؤ أحد في لبنان على تنفيذه...
أساساً، معظم هذا الشرق، روسيا والصين، موجود في الكيان ويستفيد من هذا الكيان ولن يكون ملكيا أكثر من الملك...
الصين هي من وسّع مرفأ حيفا،
والإمارات هي من موّل...
العالم يسير إلى الأمام...
ولبنان في خطى متسارعة إلى الوراء وكل يوم يزيد هذا التسارع أكثر وأكثر....
وبينما نرقص فرحا بقيام حلف القدس الذي لا يفعل شيئا حتى اليوم، يتكرس كل يوم توسع الاستيطان وهدم البيوت...
لكن لا خوف...
فقد ظهر في نشرة المنار أن خبيرا دولياً اعتبر الاستيطان جريمة حرب...
لا خوف...
فلتنم شعوب المقاومة وتضع في بطنها بطيخة صيفي...فقد ثبت بالرؤية أن كل ما تفعله اميركا وإسرائيل غير شرعي...
لم يبق سوى أن نطبخ أقوال الخبراء ونشرب ونأكل منها...
أما اميركا والسعودية، فهي فعلا غير مهتمة إلى ماذا سوف يصل لبنان هذا، طالما أن القوة الوحيدة القادرة على قيادة الثورة فيه مصرة على فعل.... اللاشيء... بالحرف (ف ع ل)
لا شيء...