كتب الأستاذ حليم خاتون: وهم الفصل بين التحرر الوطني وعملية بناء الدولة.
دراسات و أبحاث
كتب الأستاذ حليم خاتون: وهم الفصل بين التحرر الوطني وعملية بناء الدولة.
حليم خاتون
13 تموز 2021 , 22:36 م
كتب الأستاذ حليم خاتون:   هل يحق لحركة تحرر وطني أن تقول لشعبها، أن مهمتها هي في التحرير فقط، وأنها لا تريد الانغماس في مشاكل الداخل لكي لا تشتت قواها عن المهمة المركزية...   نظريا، يبدو ه

كتب الأستاذ حليم خاتون:

 

هل يحق لحركة تحرر وطني أن تقول لشعبها، أن مهمتها هي في التحرير فقط، وأنها لا تريد الانغماس في مشاكل الداخل لكي لا تشتت قواها عن المهمة المركزية...

 

نظريا، يبدو هذا الحق طبيعيا، ويدل على مناقبية عالية جدا، تصل إلى مستوى قدسية النضال في التحرير...

 

عملياً، وفي الواقع، لم يتواجد أي تجربة في كل التاريخ البشري، استطاعت فيه حركة تحرر وطني تجسيد هذا الحاجز الوهمي والوهمي جدا بين العمليتين... التحرير، وبناء الدولة...

 

في الحقيقة، تدل تجربة الثورة الصينية أنه ويضغط من جوزيف ستالين، قررت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ترك أمور إدارة الدولة في أيدي الحركة الوطنية، الكومينتانغ، وتفرغت هي لقيادة حرب تحرير شعبية لطرد الاحتلال الياباني من الأراضي الصينية...

 

طيلة هذه الفترة لم يتعرض الحزب الشيوعي الصيني  للمضايقات والمؤامرات من قبل حكومة تشان كاي تشيك فحسب، لا بل تم في فترات ما اعتقال مقاتليه والاشتباك معه بحجة حفظ النظام ومنع الفوضى وتفلت السلاح... الخ من المعزوفة التي نعرفها جيدا في لبنان...

 

وإذا كانت حكومة تشان كاي تشيك لم تتعامل مع اليابانيين، فذلك كان فقط لأنها كانت على علاقة وثيقة مع الأميركيين والبريطانيين الذين كانوا يسودون على الصين قبل الاحتلال الياباني... وكانوا هم امتدادا لحقبة ما قبل هذا الغزو الياباني...

 

ما ان انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة اليابان واستسلامها، حتى بدأت حكومة الحركة الوطنية بمطاردة المقاتلين الشيوعيين، وزجهم في السجون وقامت ليس فقط بفتح الأسواق الصينية للغرب، بل دخلت في علاقات عسكرية سمحت للأميركيين والبريطانيين بتواجد شبه عسكري على الأرض الصينية...

 

تنكرت حكومة الحركة الوطنية لكل نضالات الحزب الشيوعي، استأثرت بالسلطة وقررت بناء دولة النظام الحر المتفلت من كل الضوابط الاجتماعية والشعبية...

 

انتهت المسألة بمراجعة ماو نسي تونغ، لكل سياسات الوحدة الوطنية الخدّاعة، واتخاذ القرار باستكمال التحرير عبر طرد الغزاة الجدد من أميركيين وبريطانيين وأزلام ووكلاء...

 

في الحقيقة، يمكن القول إن الشعب الصيني دفع الكثير من الذل والفقر والجوع بفضل التبعية للغرب التي تغاضى عنها الحزب الشيوعي فترة طويلة، تحت شعار الوحدة الوطنية في سبيل التحرير...

 

قد يقول قائل إن تجربة حزب الله تختلف عن تجربة الحزب الشيوعي الصيني...

 

وإن عقيدة حزب الله تختلف عن أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني...

 

هذا الفرق في الحقيقة ليس على الإطلاق في صالح حزب الله من منطلق أن ليس لحزب الله أي عداء للنظام الإقتصادي الحر الذي هو أساس كل العلل في لبنان... ناهيك عن عدم وجود أي برنامج محدد أو نظرة إلى ماذا يريد بعد التحرير، في الوقت الذي كان الحزب الشيوعي الصيني يحمل البرنامج الواضح والخطة...

 

يؤمن حزب الله بأن نصره كان إلهيا سنة ٢٠٠٦...

 

هناك فرق كبير بين أن يكون النصر من عند الله، أو أن الله قد أعمى قلوب الأعداء وحمى المناضلين، وبين أن يخرج بعضهم ليقول لك أن العباس كان يطارد الصهاينة بسيفه، وأنه رآه بأم العين على الفرس يجول ويصول في ساحات القتال...

 

قد يغضب البعض من هذه الملاحظات ويعتبرها تعديا على الفكر الغيبي الذي لا يشكل اليوم، والآن موضوعا للنقاش.

 

 لكن هذا يشبه التمني أن يقتحم السيد المسيح المصرف المركزي ويحطم الطاولات كما فعل مع تجار الهيكل، أو أن يخرج الامام علي على الناهبين بسيفه، يجبرهم على رد الحقوق لأصحابها...

 

صحيح أن جزءا من عدائنا للصهاينة له أبعاد إيمانية، لكن الصحيح أيضا أن هذا الكيان مستعد لإعلان إسلامه أو مسيحيته، ثاني يوم، إن نحن رضخنا لكل ما يريد، وما يريد هو مصالح استعمارية خالصة لا علاقة للدين بها، ولذلك يجد دوما الى جانبه أمثال بن سلطان  أو بن سلمان، أو بن زايد أو حتى حمدوك أو انور أو غيرهم...

 

لا يمكن لحركة تحرير، أن لا ترى ارتباطات اعدائها، أو أن تتبنى سياسة حسن النية في النظر إلى بعض الداخل...

 

هل يستطيع حزب الله أن يقول ما هو الفرق بين سمير جعجع مثلا وفؤاد السنيورة أو مروان حمادة...

 

هل فارس سعيد أو مي شدياق أو نوفل ضو أو سامي الجميل أو مؤخرا نبيل نقولا شركاء في النصر؟

 

في اي نصر؟

كلام يقترب من الهرطقة السياسية..أمنيات بتوبة ابليس..

 

إلى متى سوف يستمر حزب الله بوضع رأسه في الرمل، والتمني أن يصحو  في الغد،  ويجد أن سعد الحريري، وميشال عون وجبران، قد قرروا فجأة الرجوع الى ضمائرهم الغائبة، والتضحية من أجل الوطن...

 

هل سمع هؤلاء صياح المنار ليل نهار عن وجوب عدم الخوف من العقوبات الأميركية، وإن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار...

 

هذا... كل هذا.... ناتج عن الفكر الغيبي الذي ينتظر من الله أن يسدد خطانا دون أن نُتعب عقولنا بالتفكير المنطقي الذي يقول إن مي شدياق لن تتحول الى الأم تيريزا بين ليلة وضحاها، ولن يتحول سامي الجميل أو نوفل ضو إلى مار شربل...

 

وبالتأكيد، لن يصير سعد الحريري عبد القادر الجزائري، وفؤاد السنيورة عمر بن عبد العزيز... فيحافظ على بيت مال المسلمين، وقد أرانا كيف حافظ على قروش الأرامل والأيتام والمساكين...

 

ثم يخرج إليك حزب الله مصرا أنه لا يريد أخذ السلطة...

 

لا بأس...

 

لكن بأي حق ترك هذه السلطة في أيدي رياض سلامة أو السنيورة أو الميقاتي واللائحة تطول وتطول ولن تقصر ابدا...

 

سوف يقول إنه ليس مسؤولا وأنه لم يضع لا رياض سلامة ولا فؤاد السنيورة في السلطة...

 

عفوا، ماذا كان يفعل في السلطة إذا؟

 

عذرا، لكن من طلب من الناس الخروج من الشارع منعا للفتنة!!

 

منعا للفتنة، ساد على هذا البلد كل شذاذ الآفاق... من كل الطوائف والملل...

 

هل سأل الحزب يوما نفسه ماذا كان يفعل في السلطة؟

 

في البداية، كان الدخول الى السلطة التشريعية... على اساس مراقبة كل السلطات الأخرى..

 

كيف راقبها وماذا فعل خلال ثلاثة عقود من التواجد في البرلمان...

 

هي مواقف أقل من عدد الاصابع في اليد الواحدة...

 

أما في السلطة التنفيذية... هناك قمة المأساة...

 

حركات فردية تأتي ردات فعل يفتقد إلى أية منهجية في العمل...

 

هذا طبعا ليس ذنب الوزراء وحدهم فقط... لانهم يمثلون حزبا لا برنامج واضح له غير العداء للصهيونية... ويا ليته طبق هذا العداء في التعامل مع عملاء الاميركان أصدقاء الصهاينة في السلطة...

 

أسهل شيء.... هو الخروج والقول أن الحزب لا يريد الوصول إلى السلطة... وهو موجود داخلها...

 

هذا هو الهروب من المسؤولية بكل بساطة...

 

أن يقول حزب أن هدفه ليس الاستئثار بالسلطة شيء وأن يقول إنه لا يريد الوصول إلى السلطة شيء آخر... خاصة وأنه موجود في السلطة ولكنه لا يمارسها كما يجب...

 

لقد سبقت حركة أمل الحزب بسنوات في هذا الخط قبل أن تقع في المحظور...

 

مصير حزب الله لن يختلف كثيرا إذا ظل على هذا التفكير الذي يسير على درب يظن أن الرب راعيها، ولم يكتشف بعد أن عليه أن يعقلها، ومن ثم يتوكل...