كتب الأستاذ حليم خاتون:
هل انتهت المبادرة الفرنسية؟
هل كان هنالك أساساً مبادرة فرنسية؟
ما هو الهامش الذي أُعطيَ لفرنسا؟
الصراع الاميريكي الفرنسي على لبنان بدأ منذ القرن التاسع عشر، عندما نفذ الأميركيون اختراقا ثقافيا بإنشاء الجامعة الأميركية في بيروت...
رد الفرنسيون فورا بإقامة جامعة القديس يوسف (اليسوعية).
الكل كان يعرف أن الإمبراطورية العثمانية تلفظ أنفاسها الأخيرة..
عين البريطانيين كانت على فلسطين والاردن والعراق وكامل الجزيرة العربية.،
كان لا بد من إرضاء الفرنسيين بسوريا الطبيعية ( كان لبنان جزءا من سوريا هذه).
صحيح أن سايكس بيكو أعطى لبنان الى الفرنسيين، لكن الصحيح أن الأخطبوط الانكلوساكسوني كان يمد أذرعه في كل البلاد العربية دون استثناء، ودون حتى إمكانية اي رد فرنسي...
هكذا اخترق البريطانيون النفوذ الفرنسي في لبنان بالرئيس الأسبق كميل شمعون، ثم عزز الأميركيون هذا الإختراق برئيس تسوية بينهم وبين المصريين دون أن يستطيع الفرنسيون فعل شيء... (فؤاد شهاب)..
على النقيض، وصل اللعب الانكلوساكسوني إلى داخل الملعب الفرنسي والذي انتهى باستقالة شارل ديغول وبداية أفول الإستقلالية الفرنسية ضمن المعسكر الغربي...
حاول الفرنسيون ولكن لم يستطيعوا العودة إلا عبر حلف الاطلسي، وتحت القيادة الأمريكية...
مع ميتران وشيراك، زاد الثقل الفرنسي داخل الحلف الغربي، ووجد الفرنسيون في رفيق الحريري حصانا رابحا يستطيعون عبره العودة الى لبنان دون استفزاز الأميركيين، خاصة أن الحريري الأب كان يحظى بغطاء الملك فهد في السعودية... التابع لأمريكا...
لكن شهر العسل الفرنسي الأميركي لم يطل كثيرا...
اختلف شيراك مع الأميركيين بشأن العراق؛ واستطاع استمالة المستشار الألماني شرودر، حيث كان لدى الفرنسيين والألمان مصالح كثيرة هناك...
وقف الألمان والفرنسيون ضد الغزو الأنكلوساكسوني ووصل الأمر بشيراك إلى التهديد بالفيتو في مجلس الأمن ما أجبر الأميركيين إلى إقامة تحالف دولي خارج سلطة مجلس الأمن للقيام بهذا الغزو... وخرج دونالد رامسفيلد الأميركي يتحدث عن أوروبا، القارة العجوز...
أسقط الاميركيون شرودر في الانتخابات الالمانية، بعد شق الحزب الديمقراطي الاشتراكي من جهة، وتلفيق حملات فساد بالقول إن شرودر كان يستعمل سيارة المستشار الرسمية أثناء نهاية الأسبوع وخارج دوام العمل... في بلد معروف عنه الدقة والنظام والمحاسبة...
لم يمض وقت طويل حتى كان شيراك الذي انهكته الشائعات أيضاً، وقصة حصول ابنته على مسكن من المساكن التي تبنيها الدولة الفرنسية لذوي الدخل المحدود، وقيام ساركوزي المحسوب على الأميركيين داخل معسكر شيراك بقيادة جناح معارض للرئيس... لم يطل الأمر، حتى خضع شيراك وسار بما يريده الاميركيون، وبدأت حقبة الهجمة الأنكلو ساكسون على لبنان عبر القرار ١٥٥٩...
لم يعد شيراك الضعيف قادرا على الدفاع عن شريكه اللبناني، أو حتى الدفاع عن مصالحه هو في الكعكة اللبنانية...
تم اغتيال رفيق الحريري، وتم معه اغتيال الدور الفرنسي في لبنان...
لم تقاوم فرنسا وفقدت مع فؤاد السنيورة كل أمل بالمحافظة على النفوذ الذي عرفته مع رفيق الحريري...
لكن أملها ظل في إمكانية العودة مع سعد الحريري...
جاء ماكرون إلى الرئاسة وهو يحلم بوحدة أوروبية أكثر فعالية...
دخل إلى الرئاسة على أنغام سيمفونية بيتهوفن ليقول أن أوروبا لن تظل في الصف الخلفي..
دعم سعد الحريري، على أساس أنه حصان فرنسا الجديد الرابح..
لكن لا ماكرون استطاع أن يكون ديغول، أو حتى شيراك ايام قوته، ولا سعد ملك الكاريزما التي كانت لرفيق الحريري...
لم يكن أحد يجرؤ حتى على محاولة الظهور في الصف الأول إلى جانب رفيق الحريري، إلا إذا أراد ذلك رفيق نفسه...
أما مع سعد الحريري، كثرت أسماء الطامعين بأخذ مكانه، من داخل العائلة ومن خارجها...
حتى اشرف ريفي راح يزاود عليه سعوديا وفي الشارع أيضاً..
تشبث سعد الحريري، متمنيا أن يسعفه ماكرون والسيسي... في إكسابه دورا لم يعد موجودا..
حاول تجاهل كل الوقائع على الأرض...
من حسن حظه أنه تم احتجازه يوما في الرياض... لأن الخيار الآخر كان ليكون إلحاقه بأبيه...
بعد احتجازه، صار من الصعب اغتياله جسديا...
لن يكون باستطاعة الأميركيين او السعوديين تلفيق التهم ومحكمة دولية جديدة وما شابه...
الأمور واضحة وضوح الشمس...
حزب الله لن يكون موضع اتهام في حال قام الأميركيون أو السعوديون بأية حماقة لإزاحة سعد الحريري جسديا...
ثم أن انتهاء الأمور إلى ما انتهت إليه، هو افضل حل للأميركيين..
هم لا يريدون أية حكومة في لبنان...
الوضع الأمني في لبنان لا يؤرقهم، كما يؤرق الأوروبيين..
بالعكس تماما، هم يريدون خلق مآزق تغرق حزب الله...
هم غير مطمئنين إلى وضعهم في سوريا...
عندهم في سوريا عمقان غير آمنين:
العراق وتركيا... العراق يغلي تحت ارجلهم، حتى لو اختبأوا في اربيل...
وفي تركيا لديهم مشكلة قسد وما يعنيه هذا من خطر انفصالي في قلب تركيا...
يجب عدم ترك حزب الله يرتاح أو يتنفس خارج الأزمة، حتى لا يتفرغ أكثر للوضع السوري... هكذا يفكر الأميركيون...
عندما جاء ماكرون مع ما سماه المبادرة الفرنسية، توهم أنه يستطيع بيع الأميركيين سمكا في البحر...
فوجئ، بردة فعل هؤلاء..
بدأ بتغيير الأحرف في هذه المبادرة علّه يكسب تأييد واشنطن...
تغيرت المبادرة بالكامل حتى أصبحت نسخة عن الحرب التي خاضها الغرب في سوريا...
في لبنان اليوم يوجد قوتان:
اميركا، ومعها قسم لا بأس به من
الحالمين في اليقظة أنهم يعنون شيئا في هذا الوطن أو في ما سوف تؤول إليه الأوضاع في لبنان...
وحزب الله، الذي يقود محورا بات يمتد من اليمن والعراق، مرورا بسوريا ولبنان وصولا إلى كامل شرق المتوسط...
حرب الاقتصاد سوف تجري في الوقت الضائع...
إذا كان الحزب يلعبها جيدا، فإن هذا الوضع سوف يضعف الأميركيين اكثر بكثير مما يضعف بيئة المقاومة...
لقد أخطأ الحزب ربما في الذهاب بعيدا في الالتزام بما هو ليس قادرا على فعله في لبنان...
ولكنه لا زال قادرا على فعل الكثير دون ضجة...
التموين، الوقود، الدواء...
هي مهمة بالتأكيد، لكنها ليست بأهمية التعبئة للحرب القادمة والتي يجب إشعالها باسرع وقت ممكن ليس فقط دفاعا عن القدس وعن غزة، ولكن، وهنا تكمن الاهمية، في ضرب مصالح الاميريكيين وحلفائهم اينما وجدت على كامل جغرافيا الشرق الأوسط...من بحر الشام حتى الخليج...
إذا لم يتم تدفيع الاميريكيين أثمان ما يقومون به سوف يخسر محور المقاومة الحرب حتى قبل أن تبدأ...
ما حصل، وما يحصل في دير الزور مؤشر جيد، لكنه يجب أن يصبح أكثر جرأة وأكثر إيلاما...
كما هرب المارينز في ذلك اليوم من الثمانينيات من بيروت، سوف يهربون من العراق وسوريا.... وأهم شيء من لبنان...
عندما تحاربنا اميركا بالإقتصاد حيث تكمن قوتها، علينا محاربتها بالعسكر، والنضال الجماهيري والحرب الشعبية حيث تكمن قوتنا...
ما يدور في لبنان هو حرب بين المحور وأميركا...
جبهة اميركا تضم كل السلطات اللبنانية...
ضرب اميركا سوف يفقدها ليس فقط هؤلاء الاغبياء...
ضرب اميركا سوف يشعل المنطقة في الوقت الذي تنظر فيه اميركا بقلق صوب الشرق الأقصى...
هل باستطاعتها المحاربة على اكثر من جبهة... هذا ما يجب إثبات استحالته...