كتب الأستاذ حليم خاتون:
ظل الكثير من اللبنانيين حتى اللحظة الأخيرة يعتقدون أن الحريري لن يعتذر، وإن ميشال عون سوف يوقع مراسيم التأليف وتنطلق ورشة إعادة الحياة إلى هذا البلد المنكوب...
إنه السراب الذي يجعل العطشان يرى واحة من النخيل والماء في وسط صحراء قاحلة، هو ضائع في وسطها...
لكن، لو فرضنا جدلا أن الحريري صحى ذلك اليوم، وصحى معه ضميره الغائب، وعلامة الغياب ظاهرة حتى للعميان قبل أصحاب البصر والبصيرة...
قام الرجل ولبس بدلة تليق برجال الدولة، رغم أنه لم يكن يوما رجل دولة، وحمل في يده لائحة فيها تشكيلة من الأسماء المعقولة من الرجال والنساء، من أصحاب الكف النظيفة النادر جدا وجودهم في لبنان... وطلع فورا إلى القصر الجمهوري...
وأن ميشال عون استيقظ بدوره في ذلك الصباح، وهبطت عليه ملائكة الرحمن وتذكر في لحظة، أنه كان يطمح يوما أن يكون رجل دولة بحق... فلبس بدلة الجنرال متسلحا بتصميم المقاومة التي اكتسب صفتها مؤخرا، وجلس ينتظر الرئيس المكلف...
يأخذ الرئيس عون اللائحة من الرئيس الحريري ويقول له...
"أنا لا أطيق وجودك، ولا اطيق النظر إليك... لكن الوطن بحاجة إلى تعاوننا نحن الإثنين... لذلك سوف أوقع مرسوم التأليف دون النظر إلى الورقة حتى...
فليكن الله بعونك وعوني، حتى نجتاز معا هذا الزمن الصعب..."
إنه طبعا حوار مستحيل لأن الرجلين، ومعهما كل أركان السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكل الأحزاب وال NGOs وقسم كبير جدا من الاعلاميين، عديمي الضمير، ممن باعوا أرواحهم للشيطان... كل هؤلاء مجتمعين لا يملكون أدنى مستوى من الحس الوطني والاجتماعي الذي يحتاجه لبنان هذه الأيام....
لكن، لنفترض جدلا أن الأمور سارت على هذا المنوال، وتألفت الحكومة العتيدة...
هل سوف يكون باستطاعتها فعل شيء ما؟
منذ اندلاع الأزمة والوزير السابق شربل نحاس يطالب بحكومة انتقالية لمدة ١٨ شهرا مع صلاحيات استثنائية...
في المدرسة، في الرياضيات، كانت أحدى وسائل حل المسائل الريضية تنطلق من البدء من النهاية...
أي افتراض الجواب بالإيجاب ومن ثم العودة بالمعكوس لرؤية إذا ما كنا سوف نصل إلى نفس البداية...
فلتكن هذه الحكومة هي الحكومة الموعودة...حكومة لبنان الانتقالية مع صلاحيات استثنائية...
القرار الأول لهذه الحكومة سوف يكون وضع اليد على كل مصارف لبنان بما في ذلك المصرف المركزي...
لماذا؟؟؟؟!!!
لأنه يتوجب على هذه الحكومة الإنطلاق من البداية...
كم من المال بقي معنا؟
ما هي كمية الخسائر؟
هنا سوف نواجه الصدمة الأولى..
ممنوع المساس بالجهاز المصرفي لأنه ببساطة هو مَن يشكل العامود الاول للدولة العميقة في لبنان...
لنفترض مرة أخرى، أننا تجاوزنا هذه العقبة، ووصلنا إلى وضع اليد على هذا الجهاز المصرفي...
ولنفترض أن رياض سلامة صدق هذه المرة، وهو نادرا ما يصدق...
سوف نجد فعلا أن الباقي من المال هو ١٥٪ من الودائع...
هل سوف يستمر الدعم كما في السابق، بانتظار أي موقف آخر؟
مع أنه لا يحق للحكومة التصرف بهذا المال، سوف نفترض أن هذه الحكومة استعملت منطق Raison d'etat الذي يبيح للدولة التصرف خارج وفوق القوانين...
هل سوف تقوم الحكومة بالدعم فعلا، وتقرر لحماية هذا الدعم أن تقوم بضرب الاحتكارات في الدواء والغذاء والوقود... ؟
بمعنى آخر سوف تصطدم بالعمود الثاني من الدولة العميقة...
ولأن هذه الحكومة تريد حل مشاكل البلد الإقتصادية بكل شفافية، سوف تدعو إلى كونسورتيوم دولي لإعادة بناء مرفأ بيروت، إعادة تأهيل معامل الكهرباء، وبناء ما يلزم.. إعادة تأهيل مصافي النفط... إعادة تأهيل وتسليح الجيش... الخ
هنا سوف تصطدم الحكومة العتيدة بالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللتين تنطلقان دوما من أساس واحد،
لبنان لا يستطيع أن يصبح دولة ذات سيادة لأن هذا يناقض المشروع الغربي الذي يتخذ من إسرائيل وكيلا شرعيا له في المنطقة...
ماذا سوف تفعل هذه الحكومة؟
مرة اخرى، سوف نفترض أن هذه الحكومة وطنية إلى الحد الذي سوف ترفض بموجبه كل التدخلات الأجنبية وتقبل بالإستثمارات الصينية أو الروسية أو الإيرانية وترفض الخضوع للعقوبات الأميركية غير العادلة والتي تضر بشعب لبنان..
ماذا سوف يحصل؟
مزيد من الحصار، بوارج غربية في المتوسط، قوات اميركية تمد اذرعها لتشكل هلالا يمتد من العراق وسوريا حتى البحر المتوسط، قوات بريطانية تأتينا من قبرص إلى القواعد التي أُنشئت سرا عن الشعب اللبناني ولكن بمعرفة السلطات الحالية جميعها، ومعرفة الجيش اللبناني أيضاً...
قد يلعب الفرنسيون دور الشرطي الطيب، لكن الهدف يبقى دائما، إخضاع لبنان للاطلسي...
كل هذه الملاحظات، على قلّتها، ليست سوى نموذج عن الكثير من النقاط والمشاكل التي سوف تحصل والتي مهما حاولنا التهيؤ، سوف تفاجئنا بما هو أكثر فظاعة...
هل هذه نظرة تشاؤمية للوضع أم هي رؤية الواقع كما هو والإنطلاق منذ البدء على أساس استحالة ما حاولنا تجاوزه افتراضاََ خلال محاولة حل المشكلة...
باختصار لا سعد الحريري ولا ميشال عون سوف يكونان من دعائم قيام دولة...
كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لا تختلف عن ميشال عون وسعد الحريري بأي أمر إيجابي...
دولة المصارف ورياض سلامة لن ترضخ حتى لو خربت الدنيا، وسوف يتم "طربقتها" على دماغ شعب لبنان...
دولة شركات الإحتكارات سوف تمعن في التجويع والحرمان من الكهرباء والدواء...
أما بالنسبة إلى خطوة وزير الصحة أمس والتي سمتها المنار ضربا لشركات الاحتكار، فهي كانت خطوة إلى الأمام لن تلبث أن تتراجع خطوات إلى الوراء لأنها أتت يتيمة وضمن الاستسلام لسلطة الدولار على السوق...
ضرب الاحتكار لا يمكن أن يكون إفراديا ويطال مرحلة واحدة فقط من عملية الاستيراد، بل يجب أن يطال كل المراحل، وأهم هذه المراحل كيفية التمويل لمراقبة الكلفة والتحكم بنسب الأرباح...
أما بالنسبة لإعادة التأهيل وبناء مرافق الدولة... فهو لن يحصل إلا إذا قررت اية حكومة كانت، الاصطدام بالاميركيين والغرب والوقوف في وجه التهديد الصهيوني...
إذا كنا نعرف، ونحن نعرف فعلا ما هي العوائق...
فلماذا (اللوفكة)؟
إذا كان لا بد من مجابهة دولة المصارف...؟
إذا كان لابد من مجابهة دولة شركات الاحتكار... ؟
إذا كان لا بد من مجابهة العقوبات ومن يفرضها...؟
ماذا ننتظر؟
حل ازمة لبنان يحتاج إلى قرارات جريئة... والانتظار لن يزيد الأمور إلا سوءا...
لكن بالتأكيد، لا بد من المرور بهزيمة المشروع الإمبريالي..
هزيمة هذا المشروع لن تكون بالأحلام وعدم توعية الناس على حتمية هذه المواجهة إن عاجلا أم آجلا...
تذكروا دوما:
إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، واميركا نمر من ورق..