كتب الأستاذ حليم خاتون:
كل الرؤساء دون استثناء، كل الوزراء دون استثناء، كل النواب دون استثناء، كل الهيئات القضائية العليا دون استثناء...
كل هؤلاء مجتمعين أو فرادى، يتوجب إخضاعهم للمساءلة...
من أيام الرئيس أمين الجميل وجُر... وربما قبل ذلك أيضاً...
حتى أولئك الذين لم يرتكبوا فعل الفساد، متهمون بارتكاب فعل العجز...
وفعل العجز، مدان تماما تحت البند القانوني الذي يقول:
إن عدم مساعدة من هم بحاجة إلى المساعدة هو جريمة بحدً ذاتها...
Ne pas venir en aide de quelqu'un en souffrance..
أكثر هؤلاء "براءة"، متهم بالسماح لهذا النظام بالاستمرار في الوقت الضائع بعد إفلاسه التام الذي تأجل إعلانه...
لقد كان ذلك التأجيل سببا مباشرا لاستمرار المافيات في الحكم وتقاسم المغانم على حساب الطبقات الفقيرة والوسطى...
حتى سرقة ثروات اللبنانيين المقيمين والمغتربين ممن أفنى عمره لتأمين شيخوخة مريحة رموا به ملطوعا... أمام مصارف، هي واجهة لمافيات لا تختلف عن آل كابوني في شيء...
اعتذر الحريري معلناََ، حتى لو لم يرد، وصول النظام إلى آخر درجات الإفلاس التي يمكن تصورها...
عجز الحريري وعون، ليس عجز أفراد... إنه عجز نظام بأمه وأبيه..
الحريري وعون لا يمثلان نفسيهما... هما يمثلان الطبقة الحاكمة في نظام انتهت صلاحيته...
السؤال الذي يجب أن يؤرق اللبنانيين، ليس الاسم الذي سوف تعطيه الاستشارات طالما أن كل الاسماء سوف تمر عبر موافقة الرئيس الحريري ونادي اللصوص الذي ينتمي إليه، وكذلك موافقة الحلفاء من اللصوص الذين حرصوا على عدم نجاح حسان دياب في القليل القليل، مما أراد فعله... بل ساهموا بإسقاطه من أجل عيني الرئيس الحريري..
يكفي هنا، كل الموبقات التي ارتكبتها لجنة المال والموازنة، برئاسة "العوني" ابراهيم كنعان،
وعضوية فرد واحد أو أكثر من كل من المستقبل وأمل والقوات وحتى حزب الله!!! .....
ليس المهم، اسم الرئيس المكلف، حتى لو كان نظيف الكف بقدر ما أن المهم هو القرارات التي سوف يتخذها مع وزرائه والتي لن يكون لها مفعول إذا لم ترتبط بإجراءات جذرية على كل الأصعدة...
ليس المطلوب خطوات يتيمة كالتي قام بها، مشكورا على كل حال وزير الصحة... حيث يجب تحصينها ماليا، وتجاريا، وإداريا...
أخطبوط شركات الاحتكار ينتشر في كل الأحزاب والتيارات والإدارات الرسمية بما في ذلك الجمارك والمختبرات وغيرها من المؤسسات التي تستطيع شل قرارات الوزير...
لن يتأخر الوقت الذي سوف يتم تحميل الوزير وقراره مسؤولية انقطاع الأدوية أو تزوير شهادات عن مضاعفات جانبية سوف يحرصون على أن تحصل... حيث أنهم منتشرون وأقوياء...
ليس المطلوب فقط إباحة الإستيراد...
المطلوب ضرب شركات الاحتكار عبر جرها إلى المحاكم، وتوفير كل التسهيلات الإجرائية لغير المحتكرين...
ثم، أين دور الدولة؟
ولماذا لا تقوم بنفسها بالإستيراد؟
في اللقاح ضد كورونا، يتم قتل الجراثيم أو معالجتها قبل حقنها في الأجسام السليمة من أجل تقوية الجهاز المناعي لهذه الاجسام...
هل يمكن تخيل ما سوف يحدث إذا تم تلقيح مريض تتواجد في جسده هذه الجراثيم فعلا؟
ما سوف يفعله اللقاح في هذه الحالة هو الإسراع بالإجهاز على المريض...
حالة لبنان مشابهة تماما لهذا المريض الذي يعاني من جراثيم الفساد والإفساد من كل الانواع التي تحتويها كل الأحزاب والتيارات من مستقبل وأمل وعونية وجنبلاطية وحتى قواتية وكتائبية وقومية ومردة... الخ من الأحزاب التي توالت على السلطة في لبنان منذ زمن ما قبل أمين الجميل وحتى اليوم...
حزب الله أو غيره من الذين يصرخون ليل نهار معلنين براءتهم من الفساد، حتى اليوم على الأقل، هو ليس أكثر من حبات اسبيرين تُعطى لمرضى السرطان، تسكًن الأوجاع قليلا، وتساهم في نشر وهم الشفاء في الوقت الذي يستمر الورم في الفتك بجسم المريض...
مرة أخرى، سوف ندخل في دوامة العجز عن تأليف حكومة أو في أحسن الأحوال تأليف واحدة لتقطيع الوقت طالما أن المغتربين يتكفّلون بإدخال ما بين ١٠ إلى ٣٠ مليون (فريش) دولار كل يوم...
صحيح أن رياض سلامة يطبع ما يكفي من الليرات للقيام بنهبها؛
لكنها تلعب دور المخدر الموضعي إلى حين...
قد يسأل المرء وماذا بعد؟
الطبقة الحاكمة الفاسدة نفسها لا تعرف...
هي غير قادرة على أي فعل غير إضاعة الوقت والإتكال على هبل شعب من غير المعروف إلى متى سوف يستمر خموله...
هل تفرز الأوضاع قيادة جماهيرية تتخطى هذا الخمول وتحيل الثورة الكامنة في صفوف الناس إلى فعل متفجر؟
كل شيء ممكن...
ما حدث في نقابة المهندسين يعطي مؤشرا على تخطي الناس كل الأحزاب بما فيها حزب الله...
مأساة لبنان تنحصر في أن القوى الثورية فيه ضعيفة إلى مستوى الشلل... وتأثيرها في الجماهير يقارب الصفر...
في الوقت الذي لا زال قسم غير قليل من الناس يتبع أحزاب وحركات الفساد في علاقات زبائنية سرطانية عفنة تسمم نضال الجماهير...
ينتظر القسم الآخر من الناس، وحيا يأتي، ولا يبدو انه سوف يأتي طالما أنه لا يرى حتى اليوم الترابط القائم بين قوى الفساد من أهل النظام من جهة، وأسيادهم من الأميركيين والغربيين وعرب التتبيع والتطبيع من جهة أخرى...
وحتى حين يراه، يتأبى مواجهته كما يجب، خوفا من فتن سوف لن تختفي من تلقاء نفسها، وهو لا يفعل شيئا كي تختفي...
في مسرحيته نزل السرور، يتحدث زياد الرحباني عن "أهمية التعتير، وأيديولوجية التعتير".... لقيام ثورة...
لقد أثبتت حالة لبنان أن التعتير المعيشي، يولد تعتيرا فكريا لا يمكن أبدا أن يؤدي إلى فعل ثوري...
التعتير الفكري أسوأ بملايين المرات من التعتير المعيشي...
في لبنان، المعترون لا يريدون الثورة...
هم "مبسوطين" بتعتيرهم...
هم "مخدّرين" في هذا التعتير..
أمس واليوم، يلعب الدين دور "أفيون الشعوب"... ويمنعها من الانتفاض والثورة...
لكن غدا، يوم آخر...
ماذا سوف يحمل هذا الغد...؟
كل العلوم تقول إن القوة الكامنة لا بد أن تنفجر يوما...
هل يخضع لبنان لقانون الطبيعة هذا...؟
ماذا إذا حدث هذا الإنفجار في غياب قيادة رشيدة...؟
عندها... سوف تتحمل القوى المترددة والحائرة كل المسؤولية...