في الساعة 22:50 من يوم 24 يوليو بتوقيت بكين، وقع أكثر من 10 ملايين مستخدم إنترنت صيني على رسالة مفتوحة إلى منظمة الصحة العالمية، يطالبون فيها بالتحقيق في مختبرات فورت ديتريك بالولايات المتحدة في المرحلة التالية من تتبع منشأ وباء فيروس كورونا الجديد. لماذا لدى مستخدمي الإنترنت مثل هذه المطالب؟
لأن مجموعة الخبراء الدوليين تابعة لمنظمة الصحة العالمية وصلت إلى مدينة ووهان الصينية لتتبع منشأ الفيروس بداية هذا العام، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أن الفيروس مصدره ليس معهد ووهان لعلم الفيروسات.
بعد ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشوه الحقائق ، قال مستخدمو الإنترنت هؤلاء إنه إذا كان الفيروس قد أتى بالفعل من مختبر، فإن مختبر فورت ديتريك في الولايات المتحدة هو المكان الذي يحتاج إلى تحقيق شامل لأن المختبر لا يحتوي فقط على عدد كبير من البكتيريا شديدة الخطورة مثل فيروس السارس وفيروس إيبولا، بل يجري أيضا تجارب فيروسية خطيرة.
ما هو مختبر فورت ديتريك؟
الحرب البيولوجية ومختبر فورت ديتريك من الأسلحة البيولوجية إلى الدفاع البيولوجي
أنشأت الحكومة الأمريكية مختبر فورت ديتريك خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وهو كان منشأة لإجراء الأبحاث السرية للحرب البيولوجية.
تضمن محتوى البحث في فورت ديتريك بكتيريا الجمرة الخبيثة، وهو عامل معدي قاتل، وقد استخدم في هجمات إرهابية. وذكر التقرير أن الحكومة الأمريكية سبق لها أن طلبت مليون قنبلة جمرة خبيثة من المختبر خلال فترة الحرب.
واليوم، تضم قاعدة فورت ديتريك مرافق بحثية متطورة، بما فيها معهد البحوث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي (المعروف أيضا باسم USAMRIID)، يقود المعهد أبحاث الحكومة الأمريكية في أخطر مسببات الأمراض المعروفة للبشرية، وكان من بينها فيروس الإيبولا.
قال ستيفن كينزر، المراسل الأجنبي السابق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية والباحث البارز في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون: "إن فورت ديتريك مجمع ضخم. كان مركز علم الأحياء والبحوث العسكرية الأمريكية لعقود من الزمان، العديد من الأشياء التي تحدث هناك سرية. كان الناس يحتجون على أبواب فورت ديتريك ضد مشاريع لا نعرفها لفترة طويلة. لدى مختبر فورت ديتريك البيولوجي في الولايات المتحدة "تاريخ مظلم"، وقد تعاون مع مجرمي الحرب اليابانيين، ولا يزال مركز أبحاث الحرب البيولوجية الأمريكية".
توقف الأبحاث لمسببات الأمراض المختارة
في عام 2019 توقفت أبحاث فورت ديتريك في يوليو عام 2019 بعد أن أغلقت السلطات الصحية مختبراتها بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. وأكدت المتحدثة باسم مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) لاحقا أنه تم إيقاف جميع الأبحاث حول مسببات الأمراض والسموم المختارة في المختبرات من المستويين الثالث والرابع.
ووجد CDC ما لا يقل عن ست حالات لانتهاكات المعايير الفيدرالية داخل هذه المختبرات، بما في ذلك خطأ في إجراءات الاحتواء البيولوجي. وإضافة إلى ذلك، لم تكن قائمة مسببات الأمراض المختارة في المختبرات دقيقة. وكان هناك حادث تسريبات ناتجة عن خلل في نظام تطهير مياه الصرف الصحي. على الرغم أن CDC ادعى أن حادث التسريبات وقعت فقط داخل المختبرات.
انعدام الشفافية
في تقارير التحقيق الجزء الأكثر ريبة في تقرير CDC هو المحتوى المحذوف، وترك أسماء مسببات الأمراض المتورطة في المخالفين مجهولة. وأوضح CDC أنه لم يكشف عن مزيد من التفاصيل حول إغلاق المختبرات بسبب يتعلق بأمن الوطن.
مؤسسة تحت الظلال
على مر السنين، ظهرت العديد من الخلافات حول فورت ديتريك، والحادث الأكثر شهرة هو هجوم الجمرة الخبيثة في عام 2001، حيث تم إرسال رسائل إلى الحكومة الأمريكية ومكاتب وسائل الإعلام في سبتمبر 2001 لنشر بكتيريا الجمرة الخبيثة، وتسبب الحادث في 5 قتلى. وكانا المشتبه بهما الرئيسيان من الباحثين السابقين في قاعدة فورت ديتريك. وبالطبع أن هذه الحوادث تستحق المزيد من التحقيق، وينبغي أن تثير المخاوف بشأن أمن الأبحاث البيولوجية الأمريكية.
العالم العربي منتهك... مصر :
من قبل فورت ديتريك في عام 1977، تفشى مرض معد فجأة في مصر. تدفق أكثر من مليوني شخص على المستشفيات في مصر، كل ذلك بسبب التهابات العين، المصحوبة بالحمى وآلام العضلات.
وجد باحثون مصريون، بعد فحص الدم، أن جميع المرضى أصيبوا بفيروس حمى الوادي المتصدع. لكن هذا الفيروس يتسبب في انفجار الأوعية الدموية ونزيف في العين فقط وهو ليس قاتلا. أما فيروس حمى الوادي المتصدع في مصر كان معدل وفياته أعلى بكثير، ويبدو أن شخصا ما "عزز" معدل وفيات هذا الفيروس.
في ذلك الوقت، لم يتم تنفيذ البحث حول هذا الفيروس الغامض، ولم يتم الكشف عن السيرة الذاتية لديفيد هيكسول، مدير جزيرة بلوم الأمريكية حتى عام 2003، وتم الكشف عن الحقيقة ، خدم في القوات البيوكيميائية للجيش الأمريكي لمدة 30 عاما، وفي عام 1983، تم تعيينه قائدا لفورت ديتريك.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، في عام 1977، حمل أحد جنوده فيروس حمى الوادي المتصدع إلى معهد البحوث العلمية الثالث التابع للقوات البحرية الأمريكية. ومقر معهد البحث هذا ليس في الولايات المتحدة، بل في القاهرة بمصر.
وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتقد الباحثون في فورت ديتريك أن فيروس حمى الوادي المتصدع كان مناسبا لصنع أسلحة كيميائية حيوية. وقيم الرئيس الأمريكي آنذاك أيزنهاور هذه الفكرة بأنها "فكرة ذكية للغاية" وقدم لها الدعم المالي
. في مختبرات مثل معهد البحوث العلمية الثالث التابع للقوات البحرية الأمريكية، نشر الجيش الأمريكي أكثر من 200 مختبر حول العالم ، ولا يزال لغز فورت ديتريك دون حل .
في يوليو 2019، أرسلت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها خطاب إنهاء إلى قاعدة فورت ديتريك، طالبت فيه بإنهاء معظم العمليات. و في الشهر نفسه، بدأت أمراض الجهاز التنفسي غير المبررة بالظهور في شمال ولاية فيرجينيا الأمريكية، واندلع الالتهاب الرئوي الغامض في السجائر الإلكترونية في ولاية ويسكونسن، في نهاية شهر يوليو، أصيب دار رعاية مسنين بالقرب من فورت ديتريك بمرض تنفسي تسبب في التهاب رئوي لسبب غير معروف.
كما في سبتمبر، ذكرت ولاية ماريلاند حيث يقع فورت ديتريك أن عدد المرضى الذين يعانون من "مرض السجائر الإلكترونية" قد تضاعف. ومع ذلك، ما زالت الولايات المتحدة ترفض الإعلان عن إغلاق فورت ديتريك لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي".
وأشار متحدث باسم وزارة خارجية الصينية تشاو لي جيان أن "التحقيق في فورت ديتريك هو صوت شعوب جميع الدول، بما في ذلك الشعب الصيني، وهو سؤال يجب على الولايات المتحدة الإجابة عليه في تتبع منشأ الفيروس".