كتب الأستاذ حليم خاتون:
يفتخر الكثير من اللبنانيين، أنهم أحفاد الفينيقيين، بناة السفن الأولى التي كانت تجوب البحار للتجارة في البيع والشراء...
الغريب أن هؤلاء الفينيقيين لم يبنوا يوما أسطولا حربياََ لأنفسهم، بل بنوا الأساطيل الحربية للآخرين، بما في ذلك للغزاة الذين احتلوا بلادهم أو هدّدوها على أقل تقدير...
لا احد يعرف إذا كان شجر الأرز يومها، يحمل نفس التقديس المزيف الذي يحمله اليوم، لكن الأكيد، أن الفينيقيين ساهموا بقطع معظم هذا الشجر الرمز، في سبيل الكسب التجاري البحت...
لا يختلف الكثير من لبنانيي اليوم عن أسلافهم، في وضع الكسب المادي فوق كل شيء، وقبل كل شيء...
لو سُئل اي لبناني عن سبب الانهيار الاقتصادي، لكان الجواب الفوري أن المسؤولين الذين يحكمون البلد هم وراء هذا الإنهيار...
لو سُئل نفس هذا اللبناني عن مصدر ثرواته، لارتبك ولم يعرف كيف يهرب من السؤال...
ما ينطبق على معظم اللبنانيين، وما ينطبق على الأكثرية العظمى من المسؤولين في لبنان، ينطبق بالتأكيد على الأكثرية العظمى من رجال الدين ومن كل المذاهب دون استثناء...
مَن مِن اللبنانيين لا يذكر أن المفتي عبد اللطيف دريان كان أول من وضع خطاََ أحمراََ في الدفاع عن فؤاد السنيورة، المتهم الرئيسي في منطومة الفساد المالي المقونن الذي أدى إلى هذا الإنهيار...
مَن من اللبنانيينن لا يذكر أن البطرك الراعي لم يترك لمنظومة الفساد أن تعتب عليه، فانبرى بدوره يضع خطا احمرا لحماية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة المتهم في أكثر من دولة وعلى أكثر من صعيد بالإختلاس وتبييض الأموال وتهريبها إلى الجنات الضريبية لإخفاء أي أثر لهذه الأموال...
السؤال الذي يفرض نفسه بسيط جدا، لماذا ينبري رجال الدين لوضع الخطوط الحمر حول الشخصيات المتهمة بالفساد ولا يفعلون الشيء نفسه حين تتم محاربة الرجال الأكفاء في هذا الوطن، أو حتى الرجال الذين لا يدخلون تحت سقف التبعية الكاملة للغرب؟
مثلا، لم نرى المفتي يتصدى للدفاع عن الرئيس الدكتور سليم الحص، حين تآمر رفيق الحريري مع غازي كنعان وعبد الحليم خدام، لمحاربته وإسقاطه في أحدى أكثر المعارك الإنتخابية قذارة في تاريخ لبنان الحديث...
كما لم نرى البطرك الراعي ينبري للدفاع عن ميشال عون أمام الهجمات التي يتعرض لها، رغم أن ميشال عون يحتل المركز الماروني الأول، بغض النظر عن أحقية هذا الفاعل من عدمه...
أكيد أن ميشال عون لم يقم بهندسات مالية لشراء الذمم كما فعل رياض سلامة، بل حتى لو كان هناك دليل حسًي واحد ضده لما كانت اميركا ولا السعودية سكتتا عن ذلك، ولا كان جعجع وفرّه...
هل انبرى رجل دين مسيحي واحد للدفاع عن شربل نحاس حين تمت إزاحته من السلطة؟
إذا ما الأمر؟
ولماذا يتم التحرك فقط لحماية كبار اللصوص والفاسدين؟
منذ حوالي السنة، خرج نائب الضنية جهاد الصمد، على ما اذكر وتحدث مباشرة عن قيام البطريرك الراعي بتغطية إخراج ٦٠٠ مليون دولار إلى خارج لبنان...
لم ينف البطرك الراعي هذا الامر، ولم يتطرق أحد إلى هذا الموضوع...
فهل حماية رياض سلامة هي خطوة ردّ جميل على نصيحة رياض بإخراج هذه الأموال قبل أن تتجمد في لبنان بفعل الأزمة وقبل أن تخسر أكثر من ٨٠٪ من قيمتها كما حصل مع بقية ودائع اللبنانيين...
لكن ملاحظة لا بد من ذكرها.
ألا يظهر بوضوح أن كل الذين هرّبوا أموالهم إلى الغرب، لا يتركون مناسبة إلا ويهاجمون فيها المقاومة ويعملون كل ما في استطاعتهم من أجل البرهان أمام هذا الغرب أنهم تلميذ مطيع ولا يجب تجميد ارصدتهم او وضعهم على لوائح الفساد أو العقوبات....
تصوروا فقط لو قام رجل دين من أي مذهب كان، بمدح المقاومة والدعوة للوقوف بوجه أعدائها أو رفض التطبيع...
ماذا يمكن أن يحصل؟
ماذا تعني الدعوات الى الحياد أو عدم الانحياز الإيجابي، حتى لو ترافقت هذه الدعوات مع الحديث عن الدفاع (بخجل ودون تحديد أو تعريف ملموس) عن حقوق لبنان؛ ماذا يعني كل هذا غير دعوات مشبوهة تغطي التطبيع مع عملاء اميركا في الداخل لنصل يوما ونجد، نديم قطيش مثلا يتواصل مع صحفي صهيوني، أو اسعد بشارة يتحفنا بوجوب التحالف مع الشيطان ضد إيران...
إن تناول البطرك الماروني لا يعني على الإطلاق براءة الآخرين، كل ما في الأمر أن البيئة الشعبية عند البطرك الأكثر ارتباطا بالغرب تسمح له بأن يقود هذا المسار المخزي... أما عند الآخرين، فلا يوجد ما يدعو إلى الطمأنينة...
وكما يقول المثل، المكتوب يُقرأ من العنوان... وكل رؤساء الطوائف دون استثناء، هم في جيوب زعماء الطوائف الفاسدين من كل المذاهب أيضا، ودون أي استثناء...