كانت الرحلة الاولى حيث أبى نائل الاصغر سنا في حينها الا ان يشارك في العملية الفدائية لعمر ، جمعهما المؤبد وراحا يسبران غور السجن ، استمرا في النضال الملتهب حيث كانت السجون حينها تضربها الافاعي الحاقدة بكل ضراوة ، كان نائل نارا ذات لهب على سجانيه وكان عمر مسعّر هذه النار ، شباب يلتهم الحديد بعنفوانه ولا يلين ولا يستكين ويشامخ بعزيز كبريائه جدران السجن السميكة العاتية .
وقع الاختيار على عمر وافرج عنه في صفقة تبادل عام 1985 وبقي نائل يكافح جرادهم الاسود في زنازينهم التي أرادوا لها أن تقهر الرجال ، طوّعها نائل بين يديه واذا بها مصدرا للنور وقوة للروح وضياء الصبر الجميل في قلبه الخافق المنير، ارتقى مرتقى عاليا في سماء المعرفة وصار حكيما ينظر بنور قلبه ليرى الأشياء على حقيقتها ، وقف لهم بالمرصاد ليضحض روايتهم الباطلة ويرسي قواعد روايتنا المحقة بكل عزة وأنفة وكبرياء .
ويعود عمر لنائل من بوابة الاعتقال الاداري المشئوم ، يبسط لنائل حكاية الحياة خارج السجن ويبسط نائل لعمر تطورات النضال داخل السجن ، وتتكرر الرحلة عدة مرات ليتعانق الرجلان بين اللقاء والفراق ، نائل ثابت في عرينه ثبوت الجبال الراسيات وعمر بيده الراية تخفق بكل قوة وصلابة، ويكبر الأبناء ليلتقي عاصم بن عمر بعمه نائل بعد قرابة ثلاثين سنة من الغياب والحرمان ، شابّا يذكره أيام الشباب، معتقلا جديدا بروح متوثبة ثائرة تعانق روح نائل التي ازدادت قوة وصلابة ولم تثن السجون عزيمته ولو لحظة عابرة ، ويتخرج عاصم من مدرسة نائل بعد أن يقضي في السجن ثلاثة عشر عاما ، وها هو يعود اليه من جديد بعد أن مارس ثوريته الجهادية بعدة تطبيقات على ارض الواقع وبعد أن أقام كيان الاحتلال على ساق واحدة وبعد أن أثبت أن ما لم يكن بالإمكان أصبح من الممكن وأن الصعب سهلا طالما أنه غير مستحيل .
ويتعانق الرجلان بعد هذا المشوار المثير ، الاول يبذل روحه ذرة ذرة على مدار اربعة عقود والثاني يبذل فلذة كبده دفعة واحدة ويقدم فلذة كبده الثانية ليلتحق بعمه المؤبد بتأبيدة ثانية حبا وطواعية، ويأتيه بكل أبنائه ، يقدم الاربعة أجنحة ليطير بهما الى مرتقى نائل ، ماذا وكيف وما هي الكلمات الاولى التي ستتحرك بها شفتاهما ؟؟
توفي الأسير السابق عمر البرغوثي على أثر إصابته بفيروس كورونا.