كتب الأستاذ حليم خاتون:
"ليسوا اقوى من اميركا، ولسنا أضعف من فيتنام"، هو الشعار الذي رفعته المقاومة الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي ردّاََ على من شكك بإمكانية تحرير الأرض اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي...
المعروف أن الشعب الفيتنامي خاض حربا ضروساََ ضد الإستعمار الفرنسي في البدء ثم ضد التدخل الاميركي الذي جاء بعد فشل الفرنسيين، لتنتهي هذه الحرب باندحار الإثنين معا أمام صلابة موقف قيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي بقيادة الراحل هوشي منه...
التاريخ لا يستطيع السير إلى الوراء...
التاريخ يلفظ القوى التي تتهاون أو تتراجع، ويدفع بقوى أكثر جذرية إلى قيادة حركة هذا التاريخ...
صحيح أن الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية فشلت فشلا ذريعا في التصدي لغزو ال٨٢، لكنها ساهمت في التمهيد لكي تنتج الأرض الخصبة الزرع الصالح الموجود دائما داخل التربة، وينتظر فقط القيادة التاريخية المناسبة كي يحرز ما تحتًمه حركة التاريخ...
التاريخ قد يطوي صفحات شعوب لم تنجب قيادات تاريخية، كما حصل مع الهنود الحمر في اميركا... لكن الصحيح أيضا أن أشباه حركات التحرر، ورغم كل المساوئ التي تختزنها، تلعب في لحظات تاريخية معيّنة، دور الرافعة، وإن كانت مكسورة، في انتظار الشمس التي لا بد أن تسطع...
هذا ما ينطبق أيضا على الحركات القومية السورية والعربية، وعلى الحركات اليسارية التي رغم فشلها، إلا أنها لعبت دور هذه الرافعة المكسورة أيضاً...
هكذا ورثت المقاومة الإسلامية كمً النضال الهائل للشعوب العربية وحولت فشل السابقين إلى انتصارات للبنان وفلسطين..
لكن التاريخ لا يرحم...
هو دائم الطلب ودائم العطش للمزيد من الثورية لكي تتقدم المجتمعات...
وفي كل المجتمعات أيضاً... يوجد عمالة ويوجد جهلة ويوجد تبعية للخارج...
هذا ليس حكرا على لبنان وفلسطين... وتونس...
١٤ آذار وجزء مهم من ٨ آذار من الفاسدين الذين أوصلوا لبنان إلى ما وصل إليه... موجودون أيضاً في فلسطين..
محمود عباس جاهز لإثبات هذه النظرية...
حتى سيف القدس لم يستطع إعادة الرشد إلى اختلال العقل عنده وعند أمثاله...
وحدها المقاومة الإسلامية في غزة، هي المؤهلة حتى اليوم لإعادة كتابة التاريخ...
لكن، وكما قيل، التاريخ لا يرحم المتهاونين في حقوق شعوبهم...
المقاومة في غزة مطالبة باستغلال اللحظة التاريخية التي وفرتها الثورة الإسلامية في إيران...
مجيء رئيسي إلى السلطة هو بشرى لشعب فلسطين بأن خنوع الشقيق تعوضه شهامة الأخ غير الشقيق...
وفك الحصار في غزة لن يأتي إلا بالقوة...
كذلك هو وضع المقاومة الإسلامية في لبنان... لا يمكننا استنزاف الجمهورية الإسلامية إلى الأبد...
كما قالت القيادة الإيرانية:
شعب لبنان ثري ويحق له شراء الوقود من إيران...
يجب عدم السماح لحفنة من عملاء الداخل الإستمرار في السيطرة على قرارت السلطة في لبنان...
لسنا أيتاماََ في مأوى...
على شعب لبنان استعادة قراره المستقل من ايدي عملاء اميركا والغرب المباشرين أو المتلونين كما الحرباء...
علينا امتلاك القرار وفرض التوجه شرقا أو غربا وفق مصالحنا، وفقط وفق مصالحنا... وعدم السماح بتهديدنا مرة أخرى بالجوع والحصار والعقوبات...
في أواخر الستينيات استطاع رفاق الحكيم جورج حبش والدكتور وديع حداد وأخوة ابو علي سلامة فرض اعتراف الإمبريالية بوجود شعب اسمه شعب فلسطين...
هذا له معنى واحد... أننا قادرون على إيذاء الإمبريالية وردعها، عندما تتخذ القرار...
لكي نستطيع على هذا الفعل علينا مواجهة أعداء الداخل من عملاء هذه الإمبريالية... ومواجهة هذه الإمبريالية نفسها عبر ضرب مصالحها في المنطقة..
أما في تونس، هناك حزب النهضة الإخواني، وقلب تونس وشركائها الذين ارتكبوا من الموبقات حتى أقل من أهل السلطة في لبنان...
المقاومة الإسلامية في لبنان تحاول جاهدة تحويل الخيانة إلى وطنية... وآخر الأدوية كان باخرة مازوت إيرانية... بالتأكيد لن تحول سمير جعجع إلى قديس... ولا فؤاد السنيورة إلى الإمام الشافعي...
المقاومة الإسلامية في غزة تحاول بدورها دون جدوى، تحويل محمود عباس الى عبد القادر الحسيني...
الرئيس التونسي قيس سعيًد توصل إلى الحل...
أعلن بشكل غير مباشر وفاة الجمهورية الثانية...
دعا إلى تعديل الدستور...وهذا ما يعني تلقائيا ولادة الجمهورية الثالثة...
لم يلتفت إلى الإلحاح الأميركي بالعودة إلى الحياة البرلمانية حيث مرتع الفساد...
الكاتب السياسي جوزيف ابو فاضل، العوني السابق، مصدوم بمدى ارتفاع مستوى الفساد والسرقات في التيار العوني...
لكنه يريد نظاما طائفيا نظيفاََ...
جوزيف ابو فاضل يطلب من عون اي حل حتى لا نصل إلى المؤتمر التأسيسي...
لماذا؟
لأن جوزيف ابو فاضل يخشى أن يخسر المسيحيون امتيازات يوفرها نفس هذا النظام الطائفي العفن الذي يلعنه أبو فاضل صبحاََ ومساءََ...
يا أخي، يا حبيبي، يا جوزيف...
ثوب الطائفية ملطخ بما لا يستطيع أي مسحوق غسيل إزالته...
سألتك جوزفين ديب بشكل مقتضب ومختصر ودون أي رغبة في الوصول إلى جواب عن الدولة المدنية...
انت قلت بعدم إمكانية هذا الحل، وهي على ما يبدو، ندمت من هذا الطرح واكتفت بهذه الإجابة غير العلمية وغير المنطقية... لتنتقل إلى نغمات التنقير الأخرى...
لماذا الدولة المدنية غير ممكنة..؟
لماذا استطاع هذا الحل إنهاء حرب المئة عام في أوروبا والتي أخذت أرواح ثلث سكان القارة قبل اتفاقات ويستفاليا التي فتحت الآفاق أمام القارة الأوروبية...
هل نحن غير باقي البشر؟
انت ترفض ما حدث في مغدوشة، وما حدث في مغدوشة لم يحدث فقط مرة واحدة...
تاريخ الصراعات الجاهلية بين الأديان تكرر عندنا أكثر من مرة...
المجازر التي حدثت في احداث ال١٨٦٠ وأثناء الحرب الأهلية التي اندلعت سنة ١٩٧٥، كانت أكثر بشاعة وارتكبتها كل الأطراف بحق الأطراف الأخرى...
كل هذه البشاعة، رغم قساوتها القصوى، لا تُقاس بأي شكل من الأشكال أمام اهوال ما حدث في أوروبا...
الإنسان المتخلف سوف يجد دوما أسباباً لكره الآخر مهما كان اختلاف هذا الآخر بسيطا...
وحده القانون، ووحدها القوة التي تحمي هذا القانون، هما القادرين على حماية النفس من أمارة السوء...
وحده القانون هو ما يحمي، ووحدها الدولة القوية العادلة هي من يحمي الضعفاء من جهل الأقوياء...
عندنا... يتحدثون عن الميثاقية...
الميثاقية هي أعراف غير مكتوبة في الدستور تقوم على توازنات لا بد أن تتغير مع تقدم الزمن... فيتولد الإنفجار...
أما في المانيا، حيث تقع ويستفاليا، وحيث أدت الحروب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك إلى هلاك حوالي نصف سكان هذه البلاد، هناك أيضاً ميثاق...
لكن الميثاق الألماني مكتوب، وبأحرف من ذهب...
أنها ثوابت فوق الدستور، لا يستطيع أي كان المس بها... حتى لو اجتمعت أركان السلطات كلها..
ينص البند الأول أن الذات الإنسانية غير قابلة للمسً بها...
La dignité humaine est intouchable...
٢-الناس متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أي فروقات أو اختلاف في العرق واللون والجنس...
٣- حرية الإعتقاد مضمونة للجميع دون تمييز، وكذلك حرية التعبير... الخ
أليس هذا ما تدعو إليه كل التعاليم السماوية وما تصبو إليه البشرية ليعم السلام والوئام بين البشر...
الإمتيازات لصالح اي فرد أو جماعة بغض النظر عن التبريرات التي يمكن أن تُساق لا تولد سوى
سوى البغضاء والحسد والكراهية وهذا ما رفضه المسيح ومحمد وباقي الرسل...
رفض المؤتمر التأسيسي لن يوصل إلا إلى مزيد من الخراب والبغضاء والإمتيازات التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفساد والسرقات...
لكن المؤتمر التأسيسي ليس ضمانة بحد ذاته للوصول إلى ما يجب... المثالثة أو المرابعة أو اي تقسيمات، كما كانت المناصفة، كل هذا ليس سوى خطوات نحو الجحيم القادم حتما...
وحدها المساواة بين الجميع هي الضمانة... وهذا لا ولن يتحقق إلا في إطار الدولة المدنية التي يجب أن تسود في المجتمعات التعددية...
في النهاية، أذا كانت حرب المئة سنة انتهت بدولة مدنية علمانية في اوروبا، هل من الصعب إقامة هكذا نظام أو شيء مشابه له في لبنان؟