كتب الأستاذ حليم خاتون:
لعل من المفيد زيادة قصص البطرك الماروني في لبنان الى قصص شهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة...
يوما يزور البطرك الأرض المحتلة بحجة زيارة الرعية، فنكتشف أن الرعية عنده ليسوا موارنة أو كاثوليك فلسطين، بل بقايا عملاء انطوان لحد وسعد حداد الذين هربوا إلى فلسطين المحتلة بعد التحرير...
منذ فترة والبطرك الراعي لا ينفك يتحدث عن عبقرية سياسة توصل إليها، وتم تلخيصها في كلمة الحياد...
لماذا اختار البطرك هذه الكلمة البراقة بالذات؟
السبب بسيط جداً. لأن مجرد ذكر هذه الكلمة يكفي، لكي تراود السامع صور عن مستوى الحياة في سويسرا وعدم دخولها في الحروب وفي النزاعات...
لا يدخل البطرك في كثير من التفاصيل التي لا يعرفها الكثيرون عن حقيقة هذا الحياد وكيف جاء...
الدولة السويسرية والحياد فيها، هما نتيجة صلح ويستفاليا الذي أنهى حروبا طاحنة دارت على مدى حوالي المئة سنة بين الطوائف؛ تحديدا الكاثوليك والبروتستانت.
أنهى ذلك الصلح وتلك الاتفاقية، النظام الذي يسمح لأمثال البطرك الراعي أن يكون له كلمة في السلطة الدنيوية حيث لا يحق له الكلام إلا كمواطن له حقوق وعليه واجبات، وكلنا نعرف أن رجال الدين في لبنان هم أسوأ مثل ممكن أن يُعطى عن رجال في خدمة الله والوطن والإنسان...
لكن المهم في هذا الأمر أن البطرك في طرحه هذا يذكرنا بقصة جحا الذي أراد الزواج من ابنة السلطان، حيث راح يتحدث بين الناس عن هذا وكأنه صار فعلا زوج بنت السلطان... وعندما سأله الناس عن مدى إمكانية هذا، أجابهم:
أنا وابي وافقنا، ولم يبق سوى موافقة ابنة السلطان وأبيها...
كل مرة يرمي لنا البطرك كلمة هذا الحياد دون أن ينبس ببنت شفة عن أية تفاصيل أخرى، ولا يحدث هذا إلا حين تكون المقاومة في طور تحقيق انتصار جديد على الساحة...
سبحانك ربي، كم هي ظاهرة هذه الصدف لا تخضع لقانون الصدفة بقدر ما تكون لحناََ شاذاََ لأغنية أميركية قديمة على اسطوانة مشروخة...
خرج علينا البطرك أمس في عظة الأحد، يطرح الحياد مرة أخرى من منصة العداء لما قام به حزب الله من تغطية لاستيراد المازوت وضمناََ، كسر الحصار عن لبنان، الذي أدى بدوره إلى كسر الحصار عن الأشقاء في سوريا، وعن الإخوة في إيران...
الصفعة التي تلقاها الأميركيون وأرباب احتكار استيراد الوقود في لبنان، أحس بها البطرك، وصرخ من الألم...
أولا وقبل الغوص مرة أخرى في قضية الحياد...
هناك سؤال وجيه إلى البطرك وأصدقائه من أصحاب مئات وآلاف ملايين الدولارات، بغض النظر عن شرعية هذه الأموال أو عدم شرعيتها،فهذه قصة أخرى؛ وبغض النظر عن مكان وجود هذه الاموال، وهي على الأرجح مخبأة في صناديق مالية ومصارف في الخارج، يمكن للغرب الحجر عليها متى أراد...
السؤال هو لماذا لم يبادر غبطته بالعمل بنفسه وبالضغط على هؤلاء الأصدقاء، لاستيراد المازوت وبيعه بسعر معقول والتوزيع على المستشفيات والمدارس الحكومية ودور الأيتام والعجزة كما فعل حزب الله...
البطرك يعرف... ولديه من المستشارين الكثيرين ممن يعرف أن كلفة الباخرة الواحدة هي حوالي عشرون مليون دولار...
أليس هذا من واجبات البطركية ودور الإفتاء، الأغنياء جدا بأملاك الأوقاف والسيولة المهربة إلى الخارج بنصيحة من الأميركيين عبر وكيلهم الاول في لبنان رياض سلامة...
عشرات السنين من الأرباح التي حققتها المدارس الدينية عند كل الأطراف بلا استثناء، وعند البطرك تحديدا...
ألم يحن الوقت للوقوف مع أهالي التلاميذ الذين أفقرهم نظام البطرك والمفتين والإعلان عن إلغاء الأقساط أو القبول على الأقل، بسعر ألف وخمسمائة ليرة لبنانية للدولار الواحد كأساس...
لم نر البطرك يوما يحمل عصاه مرافقا المفتين ويدخل على السلطات الثلاث مطالبا بإصدار أمر فوري لفرض الكابيتال كونترول، ومنع استنزاف البلد عبر تمويل استيراد الكماليات من الدولار الموجود داخل البلد، سواء في الخزينة أو في السوق، حتى ولو كانت سوقا سوداء...
لا يفعلها رجال الدين، كما رجال السياسة، لأنهم داخل مؤامرة إفلاس البلد عبر امتصاص كل الدولارات التي تدخل إليه، من الأبواب التي لم تستطع أميركا السيطرة عليها، رغم كل دهاء رياض سلامة وديفيد هيل وشينكر وغيرهم...
عودة إلى الحياد...
الحياد عن من وعن ماذا بالضبط؟
هل يستطيع البطرك إعطاء بعض التفاصيل...؟
مثلا، هل سوف يخضع غبطته لقرارات اميركا أم سوف يرفضها...
قانون قيصر مثلا...؟
كيف سوف يحترم "غبطته"، مبروك عليه هذه الغبطة؛ كيف سوف يقبل بهذا القانون الذي مهمته خنق سوريا، ثم يطلب من السوريين عدم خنقنا... أم أن هدف البطرك الوصول إلى القول يوما أن السوريين أغلقوا الحدود علينا، ولم يبق لنا إلا التعامل مع اسرائيل...
لقد فعلتها الجبهة اللبنانية في السابق، وأحفاد جماعة الجبهة اللبنانية هم أصدقاء البطرك...
أليس هذا ما هدف إليه تدمير مرفأ بيروت...؟
تشريع التعامل مع مرفأ حيفا والاستثمار فيه...؟
عندما يواجه البطرك سؤالا محددا عن كيفية الحياد مع وجود احتلال استيطاني على الحدود مباشرة، يجيب بشكل مبهم عن رفض الاحتلال...
حسنا، يمكن البطرك الرفض كما يشاء، لكن ماذا سوف يفعل وكيف يمكن إنهاء هذا الاحتلال وهو على الحياد...
كيف يكون الحياد من جانب واحد؟
إنها عبقرية البطرك التي لم يصل مستوى تفكيرنا إلى إمكانية فهمها...
تصوروا فقط فريقين يلعبان كرة القدم، أحدهما يلعب والآخر واقف على الحياد... ماذا تكون النتيجة؟
ما يفعله البطرك فعلا بهذه الاستنتاجات والطروحات العبقرية، هو أن الفريق الاسرائيلي يلعب بكل لاعبيه الإحدى عشر، بينما يلعب لبنان ببضعة لاعبين، ويقف بقية اللاعبين على الحياد دون حركة...
هذا بالضبط المقصود الوصول إليه، من كل الكلام الذي يصدر عن البطرك وعن الجوقة إياها...
قبل البطرك، حلم غورباتشوف، ومن بعده بوريس يلتسين، بأنهم عندما يعطون الأميركيين والغرب كل شيء، سوف تعاملهم اميركا بشكل أفضل ويستطيعون رفع مستوى المعيشة وتأمين الغذاء للشعب الروسي الذي كان يعيش على الخبز والبطاطا أيام الإتحاد السوفياتي...
الذي حصل أن الطبقة الفاسدة الحاكمة المدعومة أميركياً وغربياً رمت أملاك الدولة وشركاتها بأبخس الأثمان عبر الخصخصة، بينما زاد البؤس عند الشعب الذي وجد نفسه في وضع أسوأ من أيام الندية والتصدي لأميركا ولهذا الغرب...
البطرك لا يدخل في التفاصيل لأن مهمة طرحه ليست سوى حرتقة على أعداء وخصوم اميركا في لبنان...
أهم عناصر نظام الحياد أن تكون لدينا دولة قوية... والموجود عندنا بفضل البطرك والنظام الطائفي الذي يدعمه البطرك، ليس لا دولة ولا قوة...
الموجود عندنا، هو اتحاد مزارع طائفية مناطقية لا يجمعها غير الجغرافيا المفروضة عليهم غصبا بالتكوين..
لو كان البطرك جديا في هذه الطروحات، لوجدنا غبطته أول من يحارب دولة الاحتكار بدل "الحرتقة" على من يحاربها...
ولما وجدناه دائما في صف من يدّعون السيادة وهم ليسوا سوى عبيدِِ لنظام اقتصادي ومالي جائر، يقوم على أفقار الفقراء أكثر، كي تزيد ثروة طبقة الواحد في المئة أكثر...
كلمة حق يجب أن تقال...
غبطة البطرك وشركاؤه من بطانة تجمع الطوائف في لبنان، هم اصدق تأكيد على أن الدين يكون فعلا، وأحيانا كثيرة، أفيوناََ للشعوب التي تجوع ولا تثور لأن قيادتها من صنف ما ابتلينا به...