كتب الأستاذ حليم خاتون:
هل يكون قيس سعيًد مستبدّاََ عادلا، أم مجرد ديكتاتور جديد، يُضاف إلى قائمة مآسي الشعوب العربية في الحكام الذين يسرقون أحلام الأجيال، ويسرقون معها، مستقبل الاوطان...
عاملان أساسيان لعبا دورا في الحماس الجماهيري الأول لخطوة الرئيس التونسي في الإطاحة بالسلطة التشريعية والحكومة معا:
١- الفساد المستشري داخل هاتين المؤسستين، واختباء الفاسدين خلف شعارات دينية براقة مع النهضة حينا، أو خلف شعارات الحرية والديمقراطية التي أخفَت خلفها رأسمالية متوحشة، تدوس الناس، وتتعامل مع الأعداء من أجل مزيد من الأرباح المكدسة والطائرات الخاصة على نهج رفيق الحريري في لبنان، وأمثاله في تونس، حينا آخر...
٢-العامل الثاني هو موقف الرئيس سعيًد من الشعب الفلسطيني وحقه المقدس في المقاومة حتى التحرير الكامل لكل الوطن الفلسطيني، موقف تجاوز فيه قيس سعيًد موقفا الجزائر والكويت، وإلى حدّ ما موقف سوريا، وبالتأكيد تجاوز مواقف كافة الأنظمة العربية الأخرى التي ترزح تحت الجزمة الأميركية الصهيونية دون خجل...
كل خوفنا الآن، أن يخرج علينا نظام يعود إلى نغمة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة... حيث لعبت كلمة فلسطين دور الغطاء لكل الديكتاتوريات التي أوصلت العالم العربي الى الوضع البائس الذي هو فيه هذه الأيام...
طبعا، هذا لا يحمل أية إمكانية للمقارنة بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبين الرئيس سعيًد...
الرئيس قيس سعيًد، لم يقم حتى اليوم بأية خطوة تنظيمية جدية تدل على النهج الذي سوف يتبعه في إنجاح الثورة التونسية التي سرقتها حركة النهضة مع مجموعة من الانتهازيين أمثال المرزوقي وغيره...
بينما كانت حركة جمال عبد الناصر أكثر ديناميكية وأكثر وعدا بالإصلاح منذ التباشير الأولى لثورة يوليو ١٩٥٢...
مضى شهر كامل والرئيس سعيد يراوح مكانه، ويصدر مراسيم رئاسية سطحية لا تمس جوهر المشكلة في تونس... ويكتفي بإطلاق الوعود تارة بتعيين رئيس جديد للحكومة الجديدة، وتارة أخرى بالعمل على تنقيح الدستور عبر البدء بقانون انتخابي أكثر عدلا من القانون السابق...
بعد أكثر من شهر من الحياة السياسية التي بدأت تفقد وهج النصر المبدئي على الفاسدين، يتساءل المرء إذا ما كان الرئيس سعيًد يملك تصوراََ ولو بسيطاََ عن الواجب عمله... إذ لا يُعقل أن يكون الرجل قد خاض الانتخابات الرئاسية وانتصر فيها، وليس عنده سوى معول هدم نظام الفساد دون مخطط، ولو عام، عن الخطوة التالية في عملية إعادة بناء الدولة...
لا يوجد شك أن عملية هذا البناء تتطلب وقتا طويلا وبرامجاََ وخططاََ مرحلية، ثلاثية وخماسية وغيرها... كما لا يوجد شك أن تنقيح أو تغيير قانون الانتخاب يستوجب وقتا قد يصل إلى أشهر، كما أن هكذا قوانين او مس بالدستور يجب أن يخضع للإستفتاء الشعبي المباشر، ويكون على الجماهير أن تقول رأيها النهائي...
لكن المحير في الأمر هو أن الرئيس سعيد لا يستطيع أن يجد بضعة رجال ونساء من نونس يكون من بينهم رئيسا للحكومة ومجموعة من الوزراء...
يبدو الرئيس الذي دخل حلبة النضال السياسي المباشر منذ سنين وكأن لا ثقة عنده بغير نفسه... وهذه مشكلة فعلاً...
حتى المستبد العادل، لا يمكن أن يكون شخصا واحداً، يقوم بكل المهام وحده...
لسنا في عصر سوبرمان ولا زيوس...
قيس سعيًد، ليس إلها، عليه مصارحة الشعب والاحتكام دوما إلى الشعب...
من يحتكم إلى الشعب لا يمكن أن يخطئ؛ حتى إن حدث وأخطأ، سيكون هذا قرار الشعب وعلى الشعب تصحيح الخطأ وتصحيح المسار...
أول ما يجب على قيس سعيًد عمله هو البدء بإنشاء صلات وصل بين السلطة والجماهير، حتى لو اضطره الأمر إلى التعامل مع الأحزاب القائمة...
عليه إيجاد مجالس شعبية منتخبة تنتشر في الأحياء والمناطق دون الخوف من الأحزاب التي يمكن أن تدخلها..
في النهاية، لم يكن الجميع فاسدين، والفاسد الذي سوف يدخل أطر الصلات بين السلطة والجماهير، سوف تلفظه الجماهير بكل تأكيد...
مهمة الرئيس يجب أن تكون وضع السلطة، كل السلطة في أيدي هذه الأطر الجماهيرية والتي يجب أن تكون منتشرة على كامل الوطن التونسي، ويكون إمكانية عزل اي فرد منها ممكن بمجرد تصويت أهل المحلة التي يمثلها بذلك...
على الرئيس أن يقول لنا ماهو البرنامج الاقتصادي الذي يحمله لتونس...
عليه طرح برامجه منذ الآن، وعدم انتظار اكتمال قيام المجالس الشعبية المنتخبة...
ما هي المشاكل التي تواجه قطاع السياحة مثلا؟
كيف يمكن تطوير هذا القطاع حتى تعود تونس قبلة عالمية للسياحة...؟
كيف يجب التوجه إلى السواح الروس والصينيين والألمان الذين يشكلون نسبة عالية جدا من حركة السياحة العالمية؟
في الزراعة، ما هي المشاكل هناك، بدءا بمسألة توفير مياه الري، ووصولا إلى تأمين المواصلات من أجل تسهيل عملية التصريف...
هل يحتاج قطاع الزراعة الى إصلاحات بنيوية؟
قطاع الزراعة الحيوانية. ما هي مشاكله، وكيف يرى الرئيس إمكانيات الحل؟
في الصناعة، حيث لدى تونس صناعة لا بأس بها، خاصة في مجال الكابلات... بالإضافة إلى صناعات تحويلية ممكن تطويرها...
لا يمكن أن يكون الرئيس قيس سعيًد، ترشح للرئاسة دون امتلاك تصورات مبدئية لكل هذه القطاعات...
لا الرئيس يخرج إلى الإعلام لتناول هذه المسائل والقيام بطرحها، ولا الإعلام يبدو مستعدا للدخول في هذه التفاصيل وإيجاد نافذة للرئيس للتحدث في أكثر من مجرد تناول ما حدث وتأثيره على الديمقراطية...
في النهاية، وظيفة الاعلام ليست دائما نقل الخبر بعد حدوثه...
هناك واجب خلق الصلة بين الجماهير والقيادات الجديدة لكي يمشي الحال...
إما أن تنجح هذه القيادات، وإما أن ترحل...
المهمة ليست فقط القضاء على الفساد والفاسدين...
الأهم، هو العمل على إعادة بناء السلطة لكي تعود الدولة إلى التألق... والشعب التونسي لن ينتظر إلى الأبد، كما يجب عدم السماح للفاسدين باللعب في هذا الوقت الضائع...