كتب الأستاذ حليم خاتون:
"راحت الحزينة تفرح، ما لقتش ليها مطرح"...
وصل ميقاتي إلى فرنسا، ليجد أن ماكرون مكبل اليدين..
من جهة، هو تلقى صفعة أميركية
"جامدة" في مسألة صفقة بيع غواصات لاستراليا، حيث فوجيء باتفاق كان يجري التفاوض عليه سرا بين بريطانيا وأميركا وأستراليا قضى بتخلي هذه الأخيرة عن سياستها الرافضة للتكنولوجيا النووية، واستبدال الغواصات الفرنسية بأخرى أنكلو ساكسونية، تسير بهذه الطاقة النووية...
تذكر ماكرون بأن هذه هي اميركا نفسها التي أفشلت مبادرته بعد اجتماعات قصر الصنوبر...
لم يعد يثق بالتفويض الأميركي المُعطى له في المسألة اللبنانية...
قالها صراحة لنجيب ميقاتي:
ليس لفرنسا أية مونة على ابن سلمان...
ولي العهد السعودي يتبع بالكامل لأميركا... هو بعد قصة خاشقجي، بات يعيش في رعب دائم من الغضب الأميركي عليه...
من جهة أخرى، الذراع المالي لأوروبا المتمثل في المانيا خرج للتو من انتخابات لم تحسم مسألة خلافة المستشارة أنجيلا ميركل...
وفقا لكل التقديرات، لن نعرف من سوف يكون على رأس السلطة التنفيذية في المانيا قريبا، وقد تمتد الأمور إلى ما بعد رأس السنة...
كاد ماكرون أن يقول له...
آسف، ولكن كيف تستطيع طلب مساعدات وقروض مالية بينما تستطيع انت والرؤساء الاخرين وحتى قسم من الوزراء والنواب على إقراض الدولة اللبنانية دفعة واحدة أكثر من عشرة مليارات دولار...
بالتأكيد، كان ميقاتي سوف يسكت لأنه يعرف أن ماكرون يعرف أن ثروة ميقاتي والرؤساء بري وميشال سليمان والجميل وعون والحريري والسنيورة وغيرهم من أكلة الجبنة تفوق ما يحتاجه لبنان بأضعاف...
لكن الروح عزيزة، وروح هؤلاء في المال الذي جُمع "بعرق الجبين"!!!...
غادر ميقاتي إلى لندن كما قيل...
لا احد يعرف لماذا؟
بريطانيا ليست، ولم تكن يوما على لائحة المُقرضين للدولة اللبنانية...
حتى لا يُقال أنه عاد بخفي حنين، قام بتسريب أنباء عن زيارة إلى قطر والكويت.
عاد إلى بيروت، وأعاد أحلام الكثير من اللبنانيين من فوق السحاب الى دنيا الواقع...
هو لا يستطيع قولها علنا ومباشرة خوفا من انفجار شعبي تأخر كثيرا جداً، رغم أنه لا يبدو أن في الأفق وعي شعبي قد يترجم نفسه إلى أفعال...
عاد واعاد اللبنانيين الى لعبة المماطلة والتسويف في البحث عن حلول...
رفض رياض سلامة والمصارف رفع سعر اللولار (الدولار البنكي) إلى أكثر من ٣٩٠٠ ليرة...
لقد استطاعوا عن هذه الطريق إطفاء خسائر مصرفية وصلت إلى حوالي عشرين مليار دولار تم نهبها من المودعين وبالأخص من صغار المودعين الذين لا يستطيعون العيش دون سحوبات مصرفية، بينما يستطيع كبار المودعين الصبر سنين طويلة ورفض خسارة حوالي ٨٠٪ من أموالهم في عملية هيركات لصوصية غير شرعية وغير قانونية وغير مُعلنة...
يعدنا نجيب ميقاتي بأن صندوق النقد الدولي سوف يعطف علينا ويُقرضنا حوالي ٥ إلى ٨ مليارات دولار على فترة خمسة سنوات...
الشرط الأول لصندوق النقد هو تعويم الدولار في السوق، وهذا حصل فعلا... حيث الدولار على منصة رياض سلامة للتجار جاوز ال ١٤٠٠٠ ليرة... ولا يفصله عن سعر السوق السوداء سوى دفشة صغيرة...
تقليص العمالة في القطاع العام...
الهدف من تقليص العمالة هو تقليص الإنفاق في الرواتب والتعويضات وغيرها...
هذا ايضا حصل بشكل غير مباشر حيث طارت قيمة كل تعويضات نهاية الخدمة، كما صارت قيمة الرواتب الفعلية أقل من ١٥٪ مما كانت عليه قبل سنتين...
تحرير الأسعار، ورفع الدعم، وهذا ايضا حصل وبطلب من كل الناس، بما في ذلك الذين كانوا يرفضون قبلا ويطالبون بترشيد للدعم لم يفعل سوى نفخ جيوب التجار على حساب أمعاء اللبنانيين الخاوية...
هل هناك حل في الأفق؟
طبعا هناك حل... وحل بسيط جدا من ناحية، ومستحيل التحقيق من ناحية أخرى...
الحل يكون بسيط جداً في حالة واحدة فقط...
أن تتغير ثقافة المجتمع اللبناني من ثقافة التبعية إلى ثقافة الحرية...
أن تتغير ثقافة المجتمع اللبناني من ثقافة الاستزلام إلى ثقافة المواطنة...
أن تتغير ثقافة المجتمع اللبناني من ثقافة عفى الله عما مضى إلى ثقافة المحاسبة...
أن يتم إعدام الطائفية في وسط الساحات...
المتهم الأول بكل هذه الموبقات ليس الفقراء فقط أو غير المتعلمين...
لا، المثقفون والمتعلمون يقفون في الصف الأول من المتهمين...
الدكتور الشيعي في مختلف المجالات، مربوط بالرئيس بري...
الدكتور السني في مختلف المجالات، مربوط بالرؤساء الحريري وميقاتي والسنيورة...
الدكتور الدرزي في مختلف المجالات، مربوط لوليد بيك جنبلاط، واحيانا بالامير طلال ارسلان...
أما الدكتور المسيحي في كل المجالات، فهو متعدد القيود بفعل العامل التاريخي الذي سمح للمسيحيين الدخول في عالم رأسمال قبل غيرهم لامتلاكهم كل السلطات منذ تأسيس لبنان الكبير وحتى الامس غير البعيد..
كل ما حصل هو أن خروج جعجع من السجن، وعودة ميشال عون، وضرب الإثنين على اوتار الغبن المسيحي فعل فعله في خلق عبيد من المثقفين المسيحيين انضموا إلى العبيد من المثقفين المسلمين والدروز...
دكاترة، ومهندسون وقضاة ومحامون، ليسوا في النهاية سوى صدى صوت الزعيم... هؤلاء احقر ألف مرة من الدمية الذي يكون فقيرا...
هو تعلم لكي يكون حرا، لكنه انتهى في مستنقع العبيد..
"الصيت" على فقراء الطوائف، والفعل المخزي لما يُسمى زورا بعلية القوم في هذه الطوائف...
نعم حل الأزمة بسيط جدا، إذا تحررنا من هذه الحثالة التابعة للحثالة السياسية السائدة... وتمت المحاكمة في لبنان...
لو كان مثقفونا بشراََ فعلا...
لتم تشكيل هيئات اقتصادية ومالية وحقوقية تشرف فعلا على البلد لمدة ١٢ إلى ٣٦ شهر...
يتم خلالها استدعاء كل المسؤولين ... وتتتراوح المحاسبة ما بين الإهمال الوظيفي وصولا إلى ارتكاب جرم المس بالمال العام...
نفس الأمر يجري مع كل رجال الأعمال، حيث التهرب الضريبي والتهرب الجمركي والرشوة في الاتجاهين كانت تضرب الأطناب.
إذا فعلنا هذا لا نحتاج بالتأكيد إلى صندوق النقد ولا إلى سيدر ولا إلى غيره...
أما إذا لم نفعل، فأي مجلس اقتصادي أو مالي أو حقوقي لن يختلف عن الحكومات التي قامت...
سوف يكون عندنا مجالس مستزلمين... تابعين من جديد لنفس الوجوه الكالحة التي ذُكرت أعلاه...
يومها لن نحتاج فقط لصندوق النقد الدولي، بل سوف نبيع الذهب، ثم سوف نبيع كل أصول الدولة وممتلكاتها... وسوف تنتهي إلى بيع ثيابنا الداخلية...
أما المشترون، فهم نفس هذه الأسماء الكالحة أعلاه، مباشرة أو غير مباشرة.
سوف يعيدون الى لبنان المال المنهوب لا ليعيدوه إلى الخزينة، بل ليشتروا به هذه الأصول...
هل هذه هي سنة الحياة؟
بكل أسف، اعتاد الناس على إلقاء اللوم على أصحاب العبيد ولم يلتفتوا يوما إلى حقيقة أن العبد الخاضع والقابل للعبودية هو المسؤول الأول عن هذه العبودية...
سُرقت أموال أكثر من مليون مودع من صغار المودعين وأُقفلت حساباتهم... ماذا حصل؟
قبول بالذل رغم أن منهم من يصرخ دوما الموت ولا المذلة، ومن من يتشدق بالحرية والسيادة، والعزة والكرامة...
أية عزة وأية كرامة وانت لا تدافع عن حر مالك؟
حفلة الشحادة سوف تفشل في النهاية حتى لو أتى ميقاتي ببعض المال...
أنا مش كافر، بس القبول بالظلم كافر