كتب الأستاذ حليم خاتون:
خرج في تونس من يقول بموت الجمهورية الثانية التي نتجت عن الثورة ضد نظام بن علي...
وأن الأوان قد آن لبناء الجمهورية الثالثة كما يقول مناصرو الرئيس قيس سعيًد...
هل آن الأوان فعلاً؟
كانت ديكتاتورية بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي قد قضت على كل التنظيمات والأحزاب التي كان من الممكن أن تلعب دوراً في نشر الوعي التنظيمي الذي يسمح بزيادة الوعي السياسي والاجتماعي عند العامة، ويعمل على وجود ند للحزب الحاكم، حزب الديكتاتور...
إذا كانت ديكتاتورية بورقيبة قد استندت إلى شرعية تاريخ من النضال في سبيل الاستقلال، فإن بن علي قد ركب هذه الموجة ليرث بورقيبة ويقال حتى، إنه وضع هذا الاخير في شبه إقامة جبرية بعد أن هرم، وبات عاجزا عن الحركة...
إنها مأساة الإستبداد، حين يعتقد الزعيم أنه لا بديل عنه في قيادة البلاد فيعمل جاهدا على تربية كلاب حراسة من حوله يمنعون أية ديمقراطية وأي عمل سياسي خوفاً من فقدان السلطة، فإذا بكبير كلاب الحراسة يقوم هو بمهمة إزالة تلك الزعامة ليحل مكانها، فتصبح الأمور أكثر سوءاً.
لأنه آتِِ من عالم المخابرات ويخاف أن يفعل أحد به ما فعله هو بالزعيم بورقيبة... زاد بن علي من عيار الاستبداد والزبائنية... والفساد والإفساد في الدولة...
وحدهما الإخوان، والاتحاد التونسي للشغل، كانا يتواجدون في الساحة أثناء الديكتاتورية...
لكنه تواجد تحت الأرض فقط...
لذلك، ما أن قامت الثورة على بن علي،لم يجد الناس إلا حزبا واحداً يحتل الساحة هو حزب النهضة الإخواني... فيما عمل اتحاد الشغل على لعب دور الحكَم لمنع الحرب الأهلية والفوضى، نائياََ بنفسه عن محاولة الدخول في السلطة ومفضلاََ لعب دور المهدئ من خارج صراعات التنظيمات الوليدة...
لم يكن تاريخ الإخوان في العالم العربي يحمل لهذه الأمة سوى المآسي...
تآمر مع البريطانيين ضد ثورة يوليو في مصر، ثم استولى على السلطة بعد حراك يناير وسقوط مبارك ليعطي أحد أسوأ صور الخضوع للإمبريالية وخدمة مصالحها مع محمد مرسي "صديق" شيمون بيريز...
في سورية ومنذ أيام الرئيس حافظ الأسد وهو يعمل لفتنة سنية علوية حتى انتهى به الامر في نفس الخندق الامبريالي الذي قام بالحرب الكونية ضد عروبة سورية ودورها في لعب دور الرافعة لحركات المقاومة ضد إسرائيل وأميركا...
لم تأت الخيانة ضد مصالح الدولة السورية من إخوان سوريا وحدهم، فقد دخل في هذا المعمعة إخوان فلسطين المنتشرين في الكثير من الفصائل... لكن الاكثر إيلاماً، كانت حركة حماس التي تآمرت مع إخوان تركيا التابعين لحلف الاطلسي، وقد نسي الطرفان أن حلف الاطلسي هو الداعم الاساسي لاحتلال الصهاينة لفلسطين...
شارك الإخوان، وشاركت حماس في حرب أدت ليس فقط لتدمير الرادارات والقواعد الجوية السورية وإجبار سوريا على التخلي عن السلاح الكيميائي الذي كان يشكل درعاََ سورياََ رادعاََ، رخيص الثمن، مقابل الرؤوس النووية الإسرائيلية...
إنهم نفس الإخوان المسلمين المتصلين بحزب الإصلاح في اليمن الذي يقاتلون الى جانب السعوديين والأميركيين لفرض الهيمنة الأميركية الوهابية على صنعاء بالتحالف مع القاعة وداعش...
هم نفس الأخوان المسلمين في لبنان الذي خرجوا يوزعون الحلوى حين ضربت يد الإرهاب بئر العبد في مرة، ومنطقة السفارة الإيرانية في مرة ثانية...
ما زالوا يتواجدون في مصر... في سيناء، يقومون بمهاجمة وقتل الجنود المصريين بدل محاولة التسلل إلى فلسطين المحتلة ولو مرة واحدة في تاريخهم السيء الذكر والقيام بعملية ضد الصهاينة...
في تونس، أجهضوا كل القوانين المضادة للتطبيع، وكانوا رأس الفساد الذي حرف الثورة عن المسار الجماهيري الذي كان من المفروض أن يقود تونس إلى الخروج من الازمات التي أغرقها فيها نظام بن علي...
يبدو كأن التاريخ يعيد نفسه...
كما واجهوا ثورة يوليو مستغلين ارتباط الشعب المصري اللصيق بالدين، كذلك فعلوا في تونس معتمدين على الريف الذي كان غارقا في التخلف ولم ير من الحضارة سوى قشور بن علي، ولم ير من الدين سوى قشرة التعصب ضد العلمانية وضد الدولة المدنية...
في مصر، استطاعت كاريزما جمال عبد الناصر كسر هيمنة الإخوان على الساحة ولم تسمح لظهور أي حزب آخر خاصة مع ذوبان اليسار المصري داخل ثورة يوليو...
هل سوف يستطيع الرئيس قيس سعيًد لعب الدور نفسه؟
صحيح أن الرئيس يفتقد إلى تلك الكاريزما التي كان يتمتع بها عبد الناصر، لكن الجيش الذي سئم فساد السياسيين، والجماهير التي ذاقت المر مع حركة النهضة، وضعف اليسار في تونس سوف يجعل أمر استمرار كل الأحزاب المعروفة في الحياة السياسة التونسية أمراََ صعباً جداً، بحيث انها سوف تموت دون أسف عليها...
الضمانة الوحيدة ربما لحياة حزبية جديدة هو على الأرجح الاتحاد التونسي للشغل الذي بدأ العمل جديا لمنع قيام ديكتاتورية مشابهة لديكتاتورية بورقيبة...
حتى المستبد العادل، يحتاج الى رقابة شعبية يجب تأمينها عبر حرية التعبير والديمقراطية... كي لا نقع في سادات أو في عبد الحكيم عامر آخر...