كتب الأستاذ حليم خاتون:
اختير الإعلامي جورج قرداحي للدخول في الحكومة اللبنانية الخارجة طازة من الفرن، لعدة أسباب...
لعل أهم هذه الأسباب أن هذا الرجل لا خصوم عنده... يتميز بلباقة نادرة في عصر التكنولوجيا التي تقتل كل العلاقات الإجتماعية... ديبلوماسي، هاديء إلى آخر الحدود، يحترم كل الناس بما في ذلك الكثيرين ممن يحملون على أكتافهم رؤوساََ لا تحوي عقولاََ...
جورج الذي عمل كثيرا في السعودية والإمارات كان يواجه الكثيرين من أصحاب هذه الرؤوس التافهة...
أناس جعلهم الإستعمار يتحكمون ليس فقط بشعوب تلك البقاع من الأعراب الذين كانوا يعيشون حياة بدوية لها أخلاق وعادات ضاربة في تاريخ إكرام الضيف وإشعال المواقد في الصحراء ليلا لهداية سبيل من ضاع في هذه الصحاري...
كان عون وميقاتي حريصين كل الحرص على عدم اختيار أية شخصية استفزازية سواء للداخل أو الخارج...
ربما كان جورج قرداحي أكثر شخصيات هذه الحكومة تمثيلا لوجهة النظر تلك...
هو آتِِ من عالم ذلك الخليج، حيث معظم الحكام ذوو رؤوس فارغة بالفعل...
لو كان على جورج قرداحي أي شيء لما وفرته الإمارات التي تمتليء سجونها بالكثيرين لمجرد كلمة قالوها ولم تعجب السلطان..
لو كان على جورج قرداحي أي شيء لما وفره محمد بن سلمان بعد أن فعل بسعد الحريري ما فعل، وما لا يزال يفعل...
لكن ما كان عون وميقاتي يجهلانه، هو أن المقصود بكل ما حصل، ليس جورج قرداحي نفسه...
المقصود هو لبنان...
مشروع الشرق الأوسط الأميركي لا يلحظ مكانا لقيام دولة في لبنان...
في الشرق الأوسط الأميركي، هناك دولة واحدة فقط هي الكيان الذي زرعه الغرب على أرض فلسطين، والباقون، كل الباقين، ليسوا سوى
دويلات تدور في فلك ذلك الكيان...
لقد فهم أبناء زايد هذه النظرية الأميركية أو تم إفهامهم إياها بالملعقة، لا فرق...
سفيرهم في واشنطن هو أبو هذه المفاهيم والنظريات التي تجعل منّا نحن معشر العرب خدماََ خلقهم الله لخدمة بني صهيون...
أليس هذا ما تقوله توراتهم المزعومة...؟
حتى لو كان قرداحي نطق بكلمات من الانجيل أو القرآن، ما كانوا ليعتقونه، لا والله...
الرياض وأبوظبي تفتشان عن أية ذريعة لتحطيم هذا البلد...
قد حاولوا كثيراََ، لكن لبنان غير قابل للهضم...
هل هو حقد قديم؟
لا يمكن أن يكون السبب حسد.
لأنهم قد أخذوا دور بيروت بعد أن اشتروا المتاحف والمكتبات والجامعات والمدارس وحتى الأسواق...
إذاََ، ما الأمر؟
في الحقيقة، هناك أمران لم تستطع هاتان العاصمتان هضمه:
الأول أن يستعيد هذا البلد رونقه بعد قيام دولة قانون وعدالة واختفاء الطبقة الفاسدة التي لا تختلف بشيء عن الأمراء الصغار أو الملوك الاكثر صُغُراََ ووضاعة وتفاهة...
لبنان العلماني مع دولة قانون وعدالة يستطيع أن يعود منارة الديمقراطية في هذا الشرق...
أجل هم يستطيعون بناء الأبراج وناطحات السحاب لكنهم لا يمكن أن يقبلوا بالديمقراطية...
هنا مقتلهم...
هل يتصور أحدكم ديموقراطية في دبي التي يسجن حاكمها ابنته، والتي هربت منه زوجته وبقية اولاده خوفا ورعبا...
أم ديموقراطية المنشار مع محمد بن سلمان...
ثانيا، أن هذا البلد يحوي مقاومة هزمت كل مشاريعهم في سوريا والعراق واليمن...
مقاومة تقف بالمرصاد وتمنع بيع فلسطين مقابل لاس فيغاس وهمية في الصحراء...
مقاومة ترفض أن تصير مكة مزارا سياحياً تحوي مطاعماََ ومقاهِِ وملاهي...
بعد أربعة عشر قرن آن لمكة أن تعود مركزاً للتعاليم الدينية والاجتماعية والإنسانية، وهذا لا يمكن أن يكون وعلى رأس السلطة في جزيرة العرب مجموعة من الجاهليين الجدد الذين لا يرون الثقافة ألا بالعين الأميركية الإباحية التي تناسب رؤوسهم الفارغة تلك...
لذلك، ولذلك فقط على اللبنانيين أن يقلعوا عن لغة التزلف لسلاطين الجور والتعسف والخيانة مذ كانوا ومذ كان سلطانهم...
بعد ضربات الخليج التابع والمسبًح ليلاََ نهاراََ لاميركا، جاءت الضربة الثانية من اميركا نفسها...
قد لا يتوافق المرء مع اللواء جميل السيد في كثير من الأمور.
لكن الأكيد أن البلد يحتاج إلى رجال من أمثال جميل السيد.
جميل السيد قد لا يحب الماركسيين أو اليسار او الذين يريدون الزحف صوب القدس...
قد اكون احد من يعدمهم يوما الجنرال...
لكن الحقيقة أن هذا النظام يحتاج إلى رجل من داخله لم يُصَب باللوثة...
لماذا لا تريد أميركا اللواء السيد؟
ببساطة لأنه وحده من داخل النظام، يملك مفتاح ال"Hoover" التي يمكنها كنس كل الفاسدين من كل الطوائف وسط تصفيق الجماهير...
أميركا لا تريد كنس الفاسدين.
هؤلاء رجالها...
سواء كانوا يعلمون ام لا، هم رجال اميركا الموضوعيين... يخدمونها عبر فسادهم...
نحن لسنا شحادين...
نحن لسنا عبيد...
قد ولدنا أحراراً، واحراراََ سوف نبقى...
كل ما نحتاجه هو إلقاء القبض على مجموعة اللصوص دون استنساب يا حضرة القاضي لو كنت بالفعل قاضياً حراََ...
كل ما نحتاجه هو عودة السلطة للشعب كما يجري الآن في تونس...
يجب إقامة سلطات شعبية في كل الاحياء تنتخب ممثليها على أساس وطني لاطائفي...
قد يقول البعض أنها احلام...
ربما هي فعلاً احلام...
لكن الحقيقة التي تبدأ بحلم لا بد أن تتحقق يوماً...
في القديم كان الناس يظنون أن طريق القدس تمر في كل عواصم العرب...
اليوم نعرف أن طريق القدس وطرق العواصم العربية تحتاج لنفس نوع الثورات...
لقد عرف الطغاة هذا، فطبّعوا وصاروا اصحاباََ...
بينما لا تزال قوى الثورة تعيش مأساة السني والشيعي والمسيحي وسط قهقهات الأميركي، وضحكات بني صهيون من العرب والعجم...