العائلة المالكة ، ورجال الدين، والصهيوامبريالية تحالف يمتص شبه الجزيرة تحت ظل محمد بن سلمان .
الانقلاب الذي تمر به السعودية اليوم في محيطها العربي ،وحاضنتها الإسلامية، لم ينتج من دون مقدمات ، فبعد أن كانت السعودية خلال العشرين سنة الماضية ، زعيمة للعالم الإسلامي بحكم وجود الكعبة المشرفة والاماكن المقدسة لنبينا محمد وال البيت والصحابة ، ولاشرافها على شعيرة الحج التي تستقطب المسلمين من كل بقاع المعمورة ، ليمارسوا شعائر الحج ويدوروا في فلك خط جذوره ابراهيم عليه السلام. ناهيك عن العديد من الآثار التي تدل على عراقة هذه الارض.
لم يرث ال سعود شبه الجزيرة العربية و الإرث الديني التاريخي على حساب و شعوب وقبائل هذه البقعة الجغرافية بسهولة، وإنما جاء بعد صراع طويل مع معظم القبائل والحكومات العربية ، كانت تهدف من صراعها معها إلى تطويعها وإدخالها في بيت طاعتها ، يذكر التاريخ انها كانت تتبع أسلوبا متوحشا وهمجيا إلى أبعد الحدود ضد هذه القبائل. ولم تسلم دول الجوار مثل العراق واليمن من هجمات هذه العصابات التابعة لال سعود من الاعتداء ، حيث أصبحت مدينة كربلاء ومدينة النجف عرضة للغزو كل عام تقريبا خاصة في الفترات بين 1798الى 1811, ليتحول شيئا فشيئا في عصرنا الراهن إلى صراع عقائدي ومذهبي تباركه وتعتاش عليه الصهيوامبريالية .
* إشكالية: كيف تعتاش الصهيوامبريالية على الصراع العقائدي في الاسلام؟
دخل ال سعود مع ال الشيخ , محمد بن عبد الوهاب في حلف كما هو معروف تاريخيا فيما بينهم ما يعرف بالمذهب الوهابي، كل ذلك تم بمباركة بريطانية ولعل كتاب مذكرات السير همفر الا واحد من العديد من كتب لضباط بريطانيين تابعين لجهاز المخابرات البريطانية اخترقوا الأنظمة السابقة سواء الدولة السعودية الأولى أو الثانية أو الدولة العثمانية في مراحل التاريخ المختلفة
تم ضخ المذهب الوهابي منذ قيام الدولة السعودية الأولى، من خلال هذا التحالف وتم اعتباره على أنه مذهبا تجديديا في الفكر الإسلامي، لكن الملاحظ على هذا الفكر أنه لم يكن ذو حدود في التعامل مع أسماء الله الحسنى التي تشير إلى صفات الذات الإلهية والرسول الكريم، حيث اختصت منظومته الفكرية - الوهابية- بتحليل شكل الذات الإلهية، وأخذ ينسج نسقا ياخذ،على عاتقه عملية التداخل الديني مع الموروث ومع الرسائل السماوية السابقة ودمجها من خلال مذهبة التجديدي، وحتى أنه اخذ يوصف الله سبحانه وتعالى بعيدا عن أسماء الله الحسنى التي تحمل في ثناياها رؤية شاملة وتوصيف متكامل تشترك الإنسانية باجمعها في الدوران في محور أسمائه، اي انها لا تختلف في المعنى والمدلول الذي يشير اليه الاسم، مثلا الرحمن ، العظيم، الصمد الظاهر، الباطن وغيرها من اسماء الله الحسنى فلا يتناقض الفكر الانساني في الوصول الى المعنى الاساسي لهذه الاسماء ظاهريا . ولم يقتصر المذهب الوهابي على ذلك وإنما اخذ الذات الإلهية المقدسة جل وعلا وطبق عليه مقاييس التشبيه والتجسييم .
على الرغم من ان سبحانه جل وعلا يقول في سورة الشورى اية 11 " ليس كمثله شيء " وغيرها العديد من النصوص القرآنية التي تشير إلى فردانية الله ولعل سورة الملك تختصر لنا مفاهيم عديدة من حيث القدرة الإلهية ومفهوم الموت والحياة والوجود .
ولو تسائلنا عن المنبع الذي اغترف منه محمد بن عبد الوهاب هذه الخاصية تحديدا لوجدنا أن هناك جذور تاريخية تعود إلى حقبة قبل الإسلام في الديانات السابقة ، ولو القينا نظرة سريعة إلى كتاب العهد القديم طبعة ألمانيا شتوتغارت، لوجدنا أن هناك نصوص عديدة تتبع اسلوب التوصيف التجسيمي والتشبيه للذات الإلهية جل في علاه حيث يذكر العهد القديم في سفر التكوين الإصحاح الأول " قال الله : نعمل الإنسان على صورتنا..... إلى أن يقول فخلق الله الإنسان على صورته. اما في الإصحاح الثالث فيقول وسمعنا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار " وغيرها العديد العديد من النصوص الموزعة في بقية الأسفار.
*إشكالية: كيف قام محمد بن عبد الوهاب المتحالف مع ال سعود على اقتباس هذا المنهج التجسيمي في الفكر الإسلامي الذي ينفي بالكامل تجسيم أو تشبيه الله سبحانه وتعالى الذي ليس كمثله شيء؟
فماذا كان يريد من بناء منظومة فكرية قائمة على التركيز على المساس بالمقدس ؟
مدرسته اعتبرها من المدارس الجدلية ،التي بنيت لغرض استثمار نتائجها في المجتمع سياسيا، فأخذوا من مركز الكعبة المشرفة ليتكلموا في الله و ناصبوها العداء لمحمد و لآل البيت وخاصة المهدي المنتظر ،كما أنهم لم يكتفوا بذلك تاريخيا، ناصب هذا التحالف ال الشيخ وال سعود العداء لمحيطهم العربي والإسلامي ،متخذين من مدرستهم الوهابية ومنهجهم الجدلي، شريعتهم الخاصة بهم واتخذوا من تكفير الآخر قانون لرفض من يخالفهم ، حيث عبر قانونهم هذا مل الحدود الفكرية والجغرافية والاجتماعية، فهو يسال عن كل شيء ولا يلتزم بحدود المدرسة العقلية ، وإنما حاول الركون إلى نتائج المدارس الوضعية ومنها ما وصلت لها المسيحية من تجسيد لله ، وعمل على نصب العداء على كل فكر إسلامي يحمل فكرا يحافظ على منابع التوحيد الحقيقية بعيدا عن التشبيه والتجسيم ، وخاصة تلك البلاد العربية المؤهلة على أن تكون ذات ديمومة واستمرارية في إنتاج المدارس الفكرية تحت ظل لا إله الا الله واستطاعة هذه البلاد العربية والإسلامية من بناء نسق اجتماعي وسياسي واقتصادي ، كما هو الخال في ايران ، وليصل هذا النسق اليوم إلى نسق مقاوم اقليمي كايران وحزب الله وليظهر في العشر سنوات الاخيرة الحشد الشعبي في العراق ايضا،يحمل في حركته اركان القدرة على محاكاة مناهج التقدم والتطور التي يستند عليها الفكر الوهابي وال سعود من خلال الحلف الصهيوامبريالي ، حيث لم تعد رمزية التقدم والتطور مقتصرة على جهات دون اخرى،و تكمن خطورة المنهج المقاوم
في أنه استطاع الحفاظ على كيان الدولة الوطنية في العراق وسوريا ولبنان، واوجد واقعا فكريا يدعوا الى التخلص من الرجعية الدينية التي ألحقت بالاسلام التي انتجها الفكر الوهابي التكفيري . وهذا ما فطن له الحلف الصهيوامبريالي- وهابي ،وخاصة بعد استباحة المساحات الجغرافية التي أفرغ فيها الفكر الوهابي سمومه الطائفية، الذي عرف باسم دولة العراق والشام ،حيث توافق مع حركته تلك أنساق دولية استطاعت من خلف الفكر الوهابي من الامتداد في الأمة العربية التي ناصبوها العداء الا ان ذلك كله تهدد بالانهيار لو بقي التحالف الصهيوامبريالي سلفي على نفس المنظومة الحاكمة في السعودية .
لذلك كانت هتاك مراجعة نبعت من خلال الأهداف المشتركة لكل من ال سعود وحركتهم الوهابية بشقيها السياسي والديني بنسخة محمد بن سلمان وادواره التكميلية التاريخية للحلف الصهيوامبريالي ، لتظهر نتائج المراجعة التي توجب ال سعود إلى التحالف ليس مع ال الشيخ كاداة وانما كيان النظام السعودي كاداة بيد الحلف الصهيوامبريالي ، هذا التحالف زادت ملامحه مع محمد بن سلمان من خلال الانساق الدولية التي يتحالف معها ، عن طريقها حاول محمد بن سلمان العبور بال سعود الى التهيوء لاحداث الانقلاب في المنظومة الفكرية للمملكة العربية
السعودية،والتي ابتدأت عندما استدعى محمد بن سلمان كل امراء ال سعود ووزراء وأصحاب رؤوس الأموال وسجنهم كقطيع تابع وتجريدهم من الحاكمية والهيبة في المجتمع السعودي والعربي وحتى الغربي ، كما استخدم سفارة بلاده للقتل والاذابة بالاسيد لمن يعارضه، ووصول محمد بن سلمان إلى نتيجة ضرورة أحداث الانقلاب الفكري على أئمة الفكر الوهابي ، فألقى القبض على العديد منهم ورمى بهم في السجن خوفا من تضخمهم بعد فشل مشروع داعش من جهة ولانهم ورقة فكرية استهلكت البلاد العربية المطلة على الخليج لم تعد صالحة لأنها احترقت مع انهيار داعش وليس فيها طاقة إيجابية تزود ال سعود بالبقاء ، لذلك كان منوطا بمحمد بن سلمان البحث عن مورد يحاكي المتغيرات الاقليمية فلم يجد امامه الا عقيدة الانفتاح الثقافي من خلال مشروع نيوم الاقتصادي على البحر الأحمر .
ليضع محمد بن سلمان نفسه بديلا عن الجميع امام واجهة ترامب، ومن خلفه ا لحلف الصهيوامبريالي، ترامب الذي كان يوجه يوميا الإهانات للسعودية وللملك وبحضرة محمد بن سلمان من دون أن يشعر بالإحباط أو الإحراج وكان لقب البقرة الحلوب الذي اغدقه ترامب على السعودية ينزل على مسامع محمد بن سلمان ما يجعله مسرورا وتتصاعد صدى ضحكته في أرجاء البيت الأبيض.
*إشكالية: اي من المصطلحين، كان من الأجدر أن يثور من أجله محمد بن سلمان عند سماعه؟ هل مصطلح حرب عبثية من مواطن ام بقرة حلوب من قبل رئيس دولة ؟ إذن لماذا ثارت ثائرة محمد بن سلمان والسعودية والخليج؟
استطرادا على ما سبق فان النسق الذي تتحرك به السعودية من خلال الأهداف التي تعلن عنها تباعا سواء من مشاركتها في داعش على اعتبار أن المجاميع الارهابية في هذا التنظيم تعتنق المذهب الوهابي العقيدة الرسمية للمملكة ، ومن خلال حربها العبثية والاجرامية في اليمن ومن خلال فشل كل خطواتها في الساحة اللبنانية وذهبت وأساليبها مع السفارة الأمريكية في لبنان إدراج الرياح ، امام تماسك الجبهة اللبنانية، من جهة ، وعداء محمد بن سلمان الصارخ للجمهورية الإسلامية الإيرانية، نستطيع أن نقول أن هناك وحدة في الهدف مع الحلف الصهيوامبريالي. وفشلت كل تلك الاهداف، وأن ما يزعج الكيان الصهيوني فإنه يزعج السعودية ويزعج محمد بن سلمان تحديدا. لذلك فإن امام هذا الحلف الانتخابات العراقية ، والجماعات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان لذلك نرى إثارة الفتن من قبل جعجع في لبنان واصطفاف الراعي بكركي إلى جانب جعجع هي محاولة لاستبدال النزاع المذهبي إلى نزاع بين الأديان في الساحة الواحدة وبين مكونات الشعب الواحد. وهكذا يراد له في ايران وفي العراق وفي لبنان ، إلا أنه فشل أيضا.
*اشكالية : هل يريد محمد بن سلمان إعلان الاستسلام ، ام ان هناك مخاوف تلاحق محمد بن سلمان؟
من المؤكد أن ما تشهده ساحة الشرق الأوسط، وما بني في هذه المنطقة من تحالفات دولية ،و الاستقطاب الذي أدى إلى خلق ميزان قوى بعيد عن المنهج الرأسمالي لما تعانيه الولايات المتحدة من فشل على مختلف الصعد داخليا ، أدى إلى بروز وبقوة المنهج الصهيوني الذي اخذ يدخل بتحالفات من خلال التطبيع مع كل دول الخليج، بالإضافة إلى مصر والأردن،وجنوب السودان على أمل أن يتم الحاق دول عربية أخرى لهذا المنهج. ولعل الانتكاسات الأخلاقية الأمريكية في الخليج وما رافقها من سرقة للنفط الإيراني يعود في انها فسحت المجال للكيان الصهيوني التحرك بحرية في تحالفاته، وهذا دليل أيضا على أن أمريكا أيضا تعاني من صراع داخلي بين الدولة الوطنية واللوبي الصهيوني.
لذلك فان محمد بن سلمان يحذر ، ومن خلال الإخفاقات المتكررة ، ومن خلال تضعضع مكانة السعودية في العالم العربي والإسلامي، واعلانها العداء السافر لمعظم المحيط العربي والإسلامي، أصبحت تعاني من إشكالية استمرارية وجود ال سعود في شبه الجزيرة العربية ، فموقف المملكة بعد إحباط مشروع داعش من قبل العراق والشام بمساعدة إيران وروسيا ، وموقفها المحرج امام تقدم أنصار الله في اليمن على الجيش السعودي كل ذلك أدى إلى بروز شعور ان نهاية وشيكة تهدد النظام الحاكم في السعودية أو هكذا يحاول ان يصور له حلفائة من الصهيوامبريالي. وفي هذه الحالة فإن النافذة الوحيدة التي يستطيع أن يرتمي باحضانها محمد بن سلمان هو الكيان الصهيوني، الذي يضمن لهذه السلالة البقاء لفترة أطول، من خلال التوجه نحو الانقلاب الاقتصادي والثقافي المزمع عقده في الجهات الغربية والشمال الغربي ، وخاصة مشروع نيوم المطل على البحر الأحمر ، الذي يعتبر مشروع نهضة لكلا الجانبين السعودي الصهيوني.
نقطة ضعف الحلف الصهيوامبريالي في العالم العربي والإسلامي، هي إيران وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي العراقي والدولة السورية ، وما تقوم به السعودية اليوم في لبنان من تصعيد على إثر تصريح لوزير الإعلام اللبناني ما هو إلا واجهة للامتعاض الصهيوامبريالي من ثبات وصلابة الارض الإيرانية واللبنانية ، وما تقوم به السعودية من الاعتداء على المواطنين اللبنانين في السعودية ما هو إلا انتحار سعودي على أبواب الحلف اصهيوامبريالي الذي يوحي إليها ان وجودها مرهون بورقتها الرابحة والأخيرة وهو الامتثال لمتطلبات بقاء هذا الحلف قويا ، وما التجاوزات الأمريكية والبريطانية ضد إيران في الخليج العربي الا دليل على عملية الالتفاف الكبرى التي عن طريقها تتقدم عملية ابتلاع لشبه الجزيرة العربية بكياناتها ، فهي من جهة تحاول الدخول في مواجهة مع الجهات الشرقية من الخليج، ومن جهة ثانية تدوس على استقلالية الدولة الوطنية في الخليج، عن طريق اكتساح بنيتهم الاجتماعية من قبل الصهاينة وتجنيسهم، وأحكام القبضة على الإدارة العسكرية وسيادتها وجعلها تتحرك طواعية و متطلبات تحديد الأهداف الأساسية للحلف الصهيوامبريالي.
وهذا بحد ذاته ضريبة ستدفعها السعودية نتيجة الانتماء في أحضان الإمبريالية الصهيونية، لتصبح القاعدة التي يتحرك خلالها ال سعود كلما اضمحلت العقيدة الإسلامية في السعودية وميعت من قدسية الأمة العربية والدين الإسلامي من خلال التطبيع مع الكيان كلما زاد اكتفاءهم بالاصيل المؤسس والممول والحامي وهو الحلف الصهيوامبريالي الذي لن يتوانى للحظة واحدة من أحكام قبضته على شبه الجزيرة العربية عند يصبح ما تبقى ال سعود عديمي الفائدة ، وخاصة وأن استنزافهم في حربهم العبثية على اليمن جعل منهم أداة بيد الكيان الصهيوني،يوجهونهم أينما يريدون.
دكتور عامر الربيعي
رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس