يطالب المعلمون عبرنضالاتهم التي دفعوا ثمنها من قوتهم وجهودهم وعرقهم وحياتهم ، ودفع العديد ممن سبقوهم ردحاً من أعمارهم بالمنافي والمعتقلات لخلق نقابتهم التي شكلت الإطار والقيادة لنضالاتهم ، يطالبون بالحق وربما اقل من الحق ، وما يطالبون به يبدو زهيداً ومتواضعاً أمام تحديات الحياة ومقارنة بالامتيازات التي يتمتع بها زلم ومحاسيب السلطة حيث يتقاضى البعض ٤٠ و ٢٠ ،و١٠ الاف دينار شهرياً ، ويغرق ألعديد بالترف والمال المهدور ، بينما لا يتخطى راتب أفضل معلم بضع مئات من الدنانير ،
وتعتبر نضالاتهم لبنة الكفاح الاولى لجماهير الكادحين والمهمشين والمضطهدين من جماهير شعبنا في مدماك استرداد الوطن المختطف والخطوة الملهمة للتحرر من نير القهر والعبودية والرق واستلاب الوطن واختطافه ، وهم نموذج لما يمارس على كافة شرائح شعبنا من جور وظلم وعسف وقهر ، فلماذا ، ومالذي يجري .
رُهِنَ الاردن الرسمي منذ تأسيسه لصالح المشروع البريطاني ، ومن ثم الاميركي ، وهو احد ادوات المصالح الاميركية بالوطن العربي وبالمنطقة ، والحكومات احد أذرع السلطة والنهج ، وهي معينة تعيين وبالتالي فقرارها ارتهن تلقائياً لصالح النهج ومن فرضها اي لصالح المرتهن، ولا تملك قرارها وإرادتها بالضرورة.
يمر الاردن بواحدة من اخطر المحطات والمراحل فهو الجغرافيا السياسية المرشحة لانقاذ العدو الصهيوني المطوق شمالاً وجنوباً وغرباً ولم يتبقى له من أفق سوى شرقه ، اي الاردن .
ولكي يتسنى لصاحب مشروع إنقاذ العدو ومن ترجمة خطته كان لابد من زعزعة استقرار الاردن ووضعه على صفيح ساخن وتجريده من كل عناصر القوة وتفريغه ديمغرافيا ، الامر الذي يقودنا لاستنتاج ان الازمات المتتالية التي يمر بها مفتعلة ومطلوبة لذاتها ومفروضة على جماهير شعبا وعلى النهج والحكومات التي تنفذ خطة زعزعة الاستقرار وإنتاج وإدارة الازمات ولا تملك خيارات الحل حتى لو امتلكت الارادة .
والازمات ليست مقصورة على قطاع المعلمين وحسب بل ان كافة الشرائح الاجتماعية مستهدفة وتمر بنفس الظروف وتعيش نفس المعاناة وتتعرض لتآكل مداخيلها بسبب الإمعان في سياسات النهب من قبل طبقة اختطفت الوطن واستئثرت بالموارد والسلطة والمكاسب، وبسبب ما أُطلِق عليه الاقتصاد الريعي الذي هو في حقيقته سياسة نهب ممنهجة مقوننة ومشرعة من قبل مجالس نواب مفبركة - اي سرقة بموجب القانون- ثم يجري تطبيق هذه السياسات عنوة وبقوة القبضة الامنية وتكميم الأفواه وتجريف الوعي والحياة السياسية والدين والإعلام المسيس ، وبسبب الارتفاع الجنوني للاسعاروالضرائب التي تثقل كاهل الفقراء وتدفع المستثمرين والأثرياء للمغادرة .
يبلغ عدد المعلمين ما يناهز ال ١٤٠ الف معلم اي يمثلون مع اسرهم شريحة اجتماعية ما يناهز ال ٧٠٠ الف مواطن ويقومون بتعليم حوالي ٢ مليون طالب اي ان حجم المتأثرين اجتماعياً هم الشعب الاردني كله ، وتشكل شريحة الشباب ما مقداره ٦٥٪ من الشعب الاردني الفتي وهم بالتالي مستقبل الاردن وصناعه واستهدافهم بهذه الصورة المتعمدة المهينة هو استهداف لحاضر الاردن ومستقبله .
ان العملية التعليمية مستهدفة منذ عقود مضت حيث حرى تنفيذ سياسات خصخصة التعليم -وهي جريمة ترتكب بحق جيل الشباب ومستقبل الوطن - و الهبوط بالتعليم والوعي وتحويله لبزنس واستثمار من قبل سماسرة ومقاولين اتفقت مصالحهم مع مصالح المشروع الصهيو اميركي عوضاً عن الارتقاء به ومنهجته ليرفد خطة نهوض تنموي وطني .
ان دخول مؤسسات وسيطة تتقاضى مبالغ طائلة نظير تأهيل المعلمين كما تدعي يساهم في تعميق الازمة ويدفع بها ويضع الوطن برمته على فوهة بركان الثورة .
ان الصراع الدائر هو مقدمة لقنبلة اجتماعية قادمة تنذر بالتفجير ونموذج للصراع الطبقي بامتياز وتجلي لاستئثار طبقة السماسرة والكمبرادور على الثروة والموارد والسلطة ، ولذا يجري تأزيم الامور برغم ان هناك حلول عدة لحل الازمة فقد بلغت موازنة الوهم الزائف المسمى المفاعل النووي لهذا العام - ١٢٠ مليون دينار - وهو الرقم الذي يحل الازمة ، كما تبلغ موازنة المؤسسات المستقلة التي اصبحت كتلة وقوة ترتبط بمصالح الكمبرادور عضوياًو التي تعمق الشروخ الاجتماعية والتفاوت الطبقي مئات الملايين ويمكن دمج بعضها ولن نقول كلها لاستعصاء ذلك على طاقة الحكومات بحل الازمة .
ان نضال المعلمين تجربة تثبت بالمطلق قوة التضامن والتكاتف الطبقي وامتلاك القيادة والبرنامج النضالي وهي تجربة ملهمة تضع شعبنا على سكة استرداد الحقوق المنهوبة والوطن المختطف سيخرج منها المعلم مرفوع الرأس قادر على العطاء وشحن الأجيال بمنظومة القيم ،
وهزيمته تعتبر هزيمة للوطن وللأجيال القادمة ، فأنا لا اريد لابنائي كماً من المعلومات العشوائية المجردة من القيم وشهادة لا تساوي أمام تحديات المستقبل شيئاً وخريجاً منزوع الكرامة بلا مستقبل ولا خطة تستوعب قدراته بل ينبغي ان تواكب نضالات المعلمين نضالات تسعى لفك الارتباط بالاستعمار الاميركي الصهيوني وتحقيق الاستقلال الوطني والنهوض والتنمية الوطنية الشاملة لخلق سوق عمل يخدم خطط بناء الوطن واستيعاب ابنائه ، وليس دفع ابنائنا للهجرة ، والدوس على كرامة معلميه ومجتمعه .
ناجي الزعبي
عمان ٢٠١٩/١٠/١