منذ ما يربو على ستةٍ وأربعين عاماً صرخ الفنان الراحل حسن علاءالدين(شوشو) صرخته وصرخة ملايين البشر في لبنان "آخ يا بلدنا"
ولا زالت تلك الصرخة يتردّد صداها إلى الآن دون أن تلقى أيّة إجابة ، حينها ومن على خشبة المسرح الوطني في قلب العاصمة بيروت ندّد بالمسؤولين دون أن يتجاوز أحداً منهم أو أن يخضع لتهديدهم ولا لإغراءاتهم ولم يرهبه سجنهم ، استمر في التحذير من القادم الأسوأ ، من سوء الأوضاع الإقتصادية ومن تفاقم الفقر ومن انهيار الطبقة المتوسّطة ومن انهيار البلد بالكامل ومن الحرب الأهلية التي ما لبثت أن اشتعلت وهدّمت البشر والحجر.
يومها عام 1973 لم تنهار الليرة اللبنانية ولا انهار اقتصاد البلد وإنما الإحساس المرهف للفنان الكبير "شوشو" وإدراكه أن الوطن لا بدّ وأنّه قادمٌ على كوارث اجتماعية بسبب عنجهية وفساد الطُغمة الحاكمة والذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الإجتماعية التي كانت تسوء يوماً بعد يوم ، جعله يسخر من أولئك المسؤولين ويُحذّر ويُنذِر من مغبّة إهمالهم وعدم إدراكهم لخطورة ما قد يحصل وبالتالي استدراكهم للأمور ، لكنّهم أداروا آذانهم الصمّاء وتلَهَوْا بخلافاتهم السياسية وكل طرفٍ سياسي محلي ممن كانوا يتربعون على عرش الزعامات الطائفية إستقوى بطرفٍ خارجي ، وعاد عهد القناصل وما لبث أن أشتعل أوار الحرب في العام 1975 التي استمرت 15 سنة لم تنته آثارها السياسية والإجتماعية حتى اليوم بالرغم من صمت مَدافع الجبهات الداخلية،
بعد لقاءات "الطائف السعودية"برعاية نفس الجهات التي أوعزت بإشعال نار الفتنة بين اللبنانيين المنقسمين على أنفسهم بين من هم إلى جانب الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية من جهّة ومن هم إلى جانب الأمريكيين والصهاينة وحلفائهم من ممالك وإمارات وجمهوريات غالبية الأعراب المتصهينين من جهة ثانية والذين كانوا يسعون للقضاء على المقاومة الفلسطينية وبالتالي إجبارها على الخروج من لبنان ونجحوا في ذلك بعد الإجتياح الصهيوني عام1982.
لكن في ذلك الوقت لم يكن عدد المفسدين والفاسدين واللصوص وتجّار المذهبية والطائفية كما هو اليوم ولم يكن هناك حصار إقتصادي ولا سياسي ولا محكمة دوليّة مزوّرة ومُزوِّرة تسلب من أموال اللبنانيين دون أي وجه حق ، بل على العكس كانت الأسواق مُشرّعة أمام تدفق المال والسلاح من جهات العالم الأربع وعلى الأخص من دول الخليج ومن الكيان الصهيوني وبكميات كبيرة ودون حسيبٍ أو رقيبً ، وحافظت الليرة على الاستقرار نوعاً ما طيلة فترة الحرب ، إلى العام 1992 حيث وصل سعر الصرف إلى 2885ليرة بمقابل الدولار الواحد، الأمر الذي أدى في حينه إلى تدمير قطاع المُدّخِرين اللبنانيين الذين تفاجأوا بالإنهيار وألغى ثرواتهم النقديّة وأما من كان وراء الإنهيار فهم ذاتهم اليوم من المتربعين على عرش سلطة المال والسياسة وإن تبدّلت بعض الأسماء ، والذين لا يأبهون لمعاناة الشعب الذي يلهث وراء قوت يومه والذي قد يجد نفسه بين ليلةٍ وضحاها أمام كارثة إقتصادية إجتماعية تلقي به في المجهول، بسبب إنهيار قدرته الشرائية من جرّاء ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لا بدّ وأن يلحق به ارتفاع في أسعار جميع الإحتياجات الأساسية من غذاء ودواء وأقساط وإيجارات ونقل وغيرها مما لا يمكن التخلي عنه في الحياة اليومية.
يوم صرخ الراحل "شوشو" "شحّاذين يابلدنا" لم تكن قد وصلت الأحوال إلى ما وصلت إليه اليوم من بطالة وفقر وفساد وسرقة ونهب على المكشوف ومحاصصةوتسلُّط ومن انهيار القيم الأخلاقية واستشراء الفتن المذهبية والطائفية.
رحل من صرخ على المسرح وفي الحياة من أعماقه قبل حوالي نصف قرن " آخ يا بلدنا " رحل مديوناً لحيتان المال ، وها نحن اليوم لا زلنا نصرخ على مسرح الوطن نصرخ دون أي أفق تغيير :
نعم نحن محبطون مسلوبوا الإرادة مقهورون مقموعون من أمراء الطوائف الذين هم أنفسهم الزعماء الذين يقودوننا كالقطيع إلى المقصلة حتى دون أن يتحننوا علينا بشربةٍ من ماء .
"آخ يا بلدنا، شحّاذين يا بلدنا ، إيه والله شحاذين".