كتب نارام سرجون باسلوبة المميز معلقاً على الأحداث في العراق, كتب عن ثيران بريمر الثلاثة و مظاهرات الثيران العمياء حول السفارات, سأل عن من قص أجنحة الثور المجنح و سرق أوراق حمورابي !!!؟؟؟
* بقلم ... نارام سرجون *
ليعذرني شعب العراق العزيز .. لأنني لاأظن أنني أرى جينات حمورابي فيه ولا يبدو انه بقي فيه ثمالة من دم آشور بانيبال .. وكل الثيران المجنحة التي تعرض في معارض العالم خرجت من العراق أخذت معها أجنحة العراق ولم تعد .. وأنا على يقين انها لاتريد ان تعود لأن من بقي في العراق ثلاثة ثيران بلا أجنحة وبلا عيون .. ثلاثة ثيران عمياء ... ثور شيعي وثور سني وثور كردي ..
من يتابع تقلبات مزاج العراقيين يصاب بالحيرة .. فمرة هم ضد البعث .. ومرة مع العبث .. ومرة ضد داعش .. ثم مرة ضد انفسهم .. فاالامريكيون دخلوا وصاروا يقلبون عقول العراقيين كما يقلبون الساعة الرملية .. فترة ضد البعث ثم فترة مع العبث .. وأطلقوا الحرب الاهلية العنيفة ثم زرعوا دستورا عراقيا سيبقى كما بقيت السقيفة والجمل في العقل العربي الى هذا اليوم .. وقد يتغير قانون نيوتون في الجاذبية ولكن دستور السقيفة والجمل عند العرب سيبقيان أقوى من تفاحة نيوتون التي قد تصعد الى الشجرة ثانية .. اما سقيفة العرب فستبقى فوق رؤوسهم وسيبقى العرب يحملون الجمل على أكتافهم كما يحمل اليهود حمارهم في يوم مقدس خلال شعائر "خلاص الحمار المولود الاول" -بديون بيتر حمور- في حي ميئاه شعاريم في القدس
فالاميريكون دخلوا العراق متظللين بعباءة الحسين بدعوى تحرير جزء من شعبه من طغيان جزء آخر .. وعندما دحروا من العراق بفعل مقاومة رعتها سورية وايران قرر الامريكيون صناعة داعش السنية (ضد عباءة الحسين) للعراقيين والسوريين .. فداعش نهضت لنصرة جزء من شعب العراق على الجزء الذي جاءت من اجله اميريكا .. وعندما دحر العراقيون والسوريون داعش .. صنعت اميريكا للعراقيين عدوا لهم من أنفسهم .. فخرجوا في ثورة عارمة ضد بعضهم .. وهكذا ينتقل العراقيون من حفرة الى حفرة .. يقودهم اليها نفس المحتال والدجال الامريكي .. وهم لايرون اين هذا المحتال ولاكيف يدركونه رغم انه بينهم يحسون به وبيديه ويشمون رائحة انفاسه بينهم ولكنهم كالعميان في وادي العميان .. فقد صار العراق أشبه بسكان قصة "وادي العميان" التي رواها هربرت ج ويلز عام 1904 ..
"بلاد العميان" قصة كأنها مكتوبة عن أهل العراق هذه الايام .. وهي تليق بالعراقيين الذين لايزالون لابعرفون الحقيقة ولايرون أي شيء عن الضوء .. فالقصة تحكي عن مجموعة بشرية تعيش في واد مفقود سحيق في البيرو ولكن أفرادها يصابون بالتهاب في العيون ينتشر في ذلك الوادي ويسبب لسكان ذلك الوادي العمى الذي انتقل الى أجيالهم المتلاحقة التي صارت عمياء .. ولما سقط أحد المبصرين في الوادي وجعل يحدثهم عن الوجود والالوان والمناظر الرائعة ظنوا انه مجنون او مختل عقليا فهو يحدثهم عن عالم لايدرك .. وبعد ان فحصوه وتحسسوا وجهه بأصابعهم اعتبروا ان محجري عينيه مختلفان فهما يحويان كرتين وأهدابا طويلة مختلفة عنهم فعيونهم الملتهبة غارت وتحولت الى بقايا عيون .. ولذلك اعتبروا ان سبب مشكلته وخطاياه وهذياناته هو هاتان الكرتان المتحركتان بأهدابهما اللتان اعتبرتا عضوين متورمين ومريضين .. وعليه ان يقتلعهما ليصبح مثلهم يدرك الحقيقة ويتوقف عن الهذيان .. ووصف الحياة بشكل يتناسب مع مايفهمون ويدركون .. ويتزوج الفتاة التي يحبها ويعيش بشكل طبيعي .. فحاصروه وقبل تنفيذ الحكم قرر ان البصر كنز لن يفقده من أجل اي فتاة .. فتسلق الجبل وتمتع بالنظر الى النجوم في السماء ونجا من مصير مظلم ..
العراقيون واللبنانيون والعرب عموما .. يتصرفون كأنهم في وادي العميان .. لايرون اين هو مقر العصابة التي تتحكم بحياتهم ومصيرهم والتي تتصرف كأنها اللعنة .. وهذه اللعنة والعصابات هي السفارات الامريكية .. فالسفارة الامريكية في العراق وضعت عليهم لعنة اسمها دستور بريمر أقوى من سقيفة وجمل المسلمين في تقسيمها للعراقيين .. بين سنة وشيعة .. فهو دستور قسمهم بين مكونات وطوائف أفسدها الزمن وافسدها الفقر الذي جلبه الاميريكون على اثرى بلد في الشرق .. كان بيده اليمنى البلح وبيده اليسرى النفط .. فصار لايملك بلحا ولانفطا .. بل دستور بريمر المقدس - نسخة دستور لبنان الكبير - الذي آمنهم من خوف وأطعمهم من جوع ..
وكنا اذا نصحنا العراقيين الذين رحبوا باسقاط دولتهم بيد الامريكان كانوا يظنون اننا مختلون واننا مصابون بلوثات الديكتاتورية .. واننا نعاني من تخيلات وهذيانات الاستقلال الوطني وشدة الرؤية المريضة لأن عالمهم المظلم كان يحدثهم عن الديمقراطية والحرية ودساتير غربية لا عن الاوطان والاستقلال .. وكانوا ينصحوننا ان نصبح مثلهم وأن نقتلع عيوننا التي تسبب لنا هذا الهذيان وهذه الاوهام .. ولو وضعنا اليوم عيونا للعراقيين الذين يتيهون في بلاد الرافدين ويقومون بمظاهرات على المظاهرات بعد ان غرقوا بدمائهم عدة مرات كما لو انهم في واد مفقود بسبب التهاب العيون .. اذا وضعنا عيونا لهم فسيرون ان سبب بلائهم هو السفارة الامريكية التي يعمل فيها عشرة الاف موظف ..
بالله عليكم ماذا يفعل عشرة آلاف موظف في سفارة سوى أنهم ينشرون الفساد والفاسدين ويفرضون على الحكومات سياسات أمريكية واشخاصا مخترقين وينشرون الشائعات والفتنة .. ويتسببون بالتهاب العيون والتهاب العقول .. والتهاب القلوب .. والعمى الذي ينتشر في العراق .وغيره . فيخرج علينا عميان داعش السنة وعميان غير داعش الشيعة .. ويتناوبون على العراق والشرق بالكوارث ..
ولكن هل تراني ابالغ ان قلت ان هذا الوطن العربي الكبير واد مفقود سكانه مصابون بالتهاب العيون والعمى؟؟ .. العميان العرب يخرجون من ربيع الى ربيع ومن دمار الى دمار .. ومن ثورة ليبيا الى ثورة سوريا .. ومن ثورة السودان العمياء الى ثورة محمد علي العمياء في مصر .. وهم يظنون انهم وحدهم من يرى في هذا الظلام الذي يتصادمون فيه ببعضهم ويتخبطون .. وتسيل دماؤهم على وجوههم وهم لايرون عدوهم الحقيقي في هذا الظلام الذي يعيشون فيه .. اميريكا واسرائيل .. اللتان تتفرجان على مشهد العميان يتصادمون فيتقاتلون وهم لايعرفون من أخذ منهم عيونهم واقتلعها بأصابعه وانتزع أبصارهم وبصيرتهم .. فهلا زرعنا في هذا الوادي العيون ونثرنا غبار الأحداق وسقيناها بماء الضوء .. لتطلع أشجارا تنمو وتنهض كأشجار النخيل .. يقطف الناس بدل البلح عيونا فيرى هذا الشرق ويبصر من بعد طول العمى .. فمااكثر الثيران العمياء في اوطاننا .. ثيران عمياء بلا أجنحة .. كثيران بريمر العراقية ..