الحرب العالمية استولدت اليسار الأوروبي، فهل ستعيد ( حربنا ) الروح إلى اليسار\ محمد محسن
مقالات
الحرب العالمية استولدت اليسار الأوروبي، فهل ستعيد ( حربنا ) الروح إلى اليسار\ محمد محسن
محمد محسن
13 كانون الأول 2019 , 07:31 ص

 

الحرب العالمية استولدت اليسار الأوروبي ، فهل ستعيد ( حربنا ) الروح إلى اليسار؟
لماذا ازدهرت الأحزاب اليسارية في ستينات القرن الماضي في أوربا ، ولماذا خبت؟
نكــوص بل سقـوط الكـثير من المثـقفين اليـساريين ، والتـوجه إلى اللبـرالية الأمريكية

 


تعالوا نتذكر التظاهرات التي كانت لا تهدأ ، وتعم جميع المدن الأوروبية في ستينات القرن الماضي ، تقودها الأحزاب الشيوعية والاشتراكية ، والنقابات المهنية القوية المؤثرة ، التي لم تكن لتهدأ إحداها ، إلا وتنطلق الثانية ، نصرة لفيتنام ( هوشي منه ، وجياب ) ، وكوبا ( كاسترو وغيفاراً ) الاشتراكيتين .
ومن تلك الأجواء النضالية ، الحوارية ، التفاعلية النشطة ، التي كان ظهيرها الاتحاد السوفيتي ( مدرسة لينن ) ، والثورة الاشتراكية الصينية مدرسة المناضل الكبير ( ماو العظيم ) ، الذي وصف الرأسمالية الغربية بأنها ( نمر من ورق ) .
من ذلك المخاض السياسي ، الثقافي ، الحضاري ، تنامى اليسار الأوروبي ، أحزاباً ، ونقابات مهنية ، حاملاً مشروعاً فكرياً ، ذو بعد انساني معارضٍ ، لما ألحقته الأنظمة الرأسمالية العالمية ، من تدمير لحضارة الانسان ، الذي وصل حد الإخلال بالتوازن الطبيعي البيئي ـــ الاجتماعي ، كما جاء رداً على الوصاية الأمريكية ، التي فرضتها على أوروبا ، وعلى العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية .
تلك الأحزاب ، والتجمعات الفكرية ، أفرزت العشرات من المناضلين ، والمفكرين اليساريين ، الذين تَثَقّْفَ جيلنا على انتاجهم الفكري الاشتراكي الثوري ، والذين حملوا لواء النضال المعرفي لدحض الفلسفة السياسية ـــ الاقتصادية ـــ الاجتماعية ، التي تقوم عليها التشكيلة الرأسمالية ، التي قسمت العالم إلى عالم فقير ، مريض ، مفكك ، منهوب ، وعالم ناهب تحكمه الشركات الاحتكارية .
كما تنامت حركات التحرر العالمية ، ( حركة عدم الانحياز ) ، بقيادة تيتو ، ونهرو ، وعبد الناصر ، وسكارنو ، ونكروما .
ولا نجانب الموضوعية إذا نوهنا بالدور التقدمي العقلاني ، لحزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي شكل جزءاً هاماً من حركة التحرر العربية والعالمية ، ولعب دوراً توعوياً معادياً للرأسمالية العالمية ، واسرائيل ، والرجعيات العربية ، كما اتخذ قراراً في المؤتمر القطري الذي عقد في ( اللواء سبعين في بلدة الكسوة " الذي حضرته " ) بعد حرب / 1967 / ، قراراً باعتماد المقاومة الشعبية ، لتحرير فلسطين ، على أن يشكل حزب البعث طليعتها ، فشكل ( الصاعقة ) ، كما تشكلت الجبهة الشعبية ( جبهة الحكيم جورج حبش ) ، وفتح وغيرهما ، ) .
ظل هذا التوجه الثوري الكبير ، الذي كان يحمل مشروعاً حضارياً انسانياً ، وذلك المخاض الأممي الكبير ، في الميدان النضالي ، حتى كاد أن ينقل المسار الحضاري ، من الاختلال الحضاري ، الذي تسيطر عليه وتحركه الإمبراطورية الأمريكية ، إلى الثنائية القطبية ، إلى الاشتراكية ، إلى العدالة الاجتماعية ، إلى رفاه الانسان .
ولكن وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي ، تسلل بعض الوهن إلى جسم ذلك المخاض ، وأول ما تسلل المرض إلى جسد الاتحاد السوفييتي بصفته الداعم الأساسي لتلك التفاعلات الثورية ، وتبعه سقوط حركات التحرر الواحدة بعد الأخرى ، وبدأت تلك الشعلة تبهت ، ويخبو أوارها ، وعلى وجه الخصوص في أوروبا ، أصيبت المجتمعات بالذهول ، وخيبة الأمل ، والترقب ، والتساؤل لماذا يجري هذا ، حتى وصل الأمر إلى التنكر للماضي ، والانحراف ، مع انعطافات كبرى إلى اتجاهات نقيضة ، إلى الضد ، حيث سقط الكثيرون في الوحل الأمريكي ، والمساكنة مع اللبرالية الجديدة .
................... أصاب هذا الارتداد جميع الحركات اليسارية على مستوى العالم ، ولم يبق سوى بعض من دماء تجري في عقول وقلوب بعض المناضلين الموزعين في كل العالم .
...................وجلست أمريكا منفردة على عرش العالم .
( شَلَّحَتْ ) أمريكا ( روسيا يلسن ) من مجالها الحيوي ، عن طريق الثورات المخملية في أوروبا الشرقية ، والملونة في أوكرانيا وجورجيا وغيرهما ، ثم جاءت بحروب ( الربيع العربي ) إلى المنطقة لتغيير أدواتها العتيقة ، أما سورية فكانت المقصد والغاية ، لأنها الدولة التي لاتزال تعاند ، ولم ترضخ لإملاءات ( كولن باول ) عام / 2014 / ، ولكن لا لتدميرها فحسب ، ولا لتفتيتها فحسب ، بل لتأبد سيطرتها ، ولتشكل من خلال كل ذلك ، حاجزاً ( جو سياسي) يمنع الشرق من اليقظة .
قد يبهت البعض مما أقول : السيطرة الرأسمالية الأمريكية على العالم ، يعارض منطق الحضارة ، لأن الرأسمالية الاحتكارية تتطلب بنيتها الحروب ، لأن الحروب تحقق لها السيطرة ، والسيطرة طريقها الوحيد للثروة .
........ والثروة تقسم العالم ، فقير معدم ، وغني متخم :
.
وهذا يشكل اختلالاً للعالم ، والاختلال يخلق بالضرورة القوى التي تسعى لتوازنه .
من هنا كان الميدان السوري ، أرض المواجهة التاريخية ، بين أمريكا وكل شركائها وعملائها ووحوشها بهدف تأبيد سيطرتها ، وبين القوى المعنية بتحقيق التوازن ، ( روسيا والصين وايران والهند وغيرها ) ، ومن ورائها ( كل شعوب العالم ، المستلبة حريتها ، المفقرة ، الجائعة ) .
[ من هذا الأفق نُقِّيمُ الحرب على سورية ، ومن هذا الأفق نُقيمُ عظمة الصمود السوري ، ومن هذا الأفق ننظر لأهمية الانتصار التاريخي ، الذي سيحقق التوازن ، والتوازن يحقق الحرية ، والحرية تحقق التقدم ، والرفاه الانساني ، والرفاه الانساني ، يقتضي العدالة ، والعدالة تقتضي صعود اليسار ، وروسيا ، والصين ، تملكان ارثاً اشتراكياً ، والشرق لم تغتل فيه بعد العواطف الانسانية ] .

المصدر: وكالات+إضاءات