إيمان شمس الدين
الشعبوية تعنى بالشعب والجماهير، خاصة من الناحية الكمية وليست الكيفية، وما يؤثر في توجهات الجماهير سلباً أو إيجابا، ومتعلق في مسألة الوعي الجمعي والمجتمعي.
وقد ارتبطت الشعبوية بالعمل السياسي، ولكننا لا ننكر أنها تسربت إلى كل أنماط السلوك والعمل الاجتماعي، ويلعب وعي الجماهير دورا كبيرا أيضاً في توجيه السياسيين والدينيين وغيرهم من المعنيين في الساحات الاجتماعية.
ولو انتقلنا بالفكرة من بعدها السياسي إلى بعدها الديني والثقافي، لوجدنا أن الشعبوية هي جزء من سلطة العوام على مسيرة تطور الفكر الديني والثقافي، التي تتحكم بعمل الفقيه في استنباطات الحكم وفق أسسه السليمة، وتلعب أيضا في رسم توجهات كثير من المثقفين، ورسم معالم أولوياتهم في الاصلاح والنهضة، وعلى مستوى الثقافة والفكر والنقد والأدب.
أي ان النظام المالي ليس المعني الوحيد بهيمنة العوام على هذه المسيرة، ولكن أيضاً الشعبوية، التي إما يتقوى بها الفقيه والنخب من المثقفين والمفكرين السياسيين لطرح ما لديهم من أطروحات قد يكون بعضها تقليدياً تراثياً، أو بعيدا عن هموم النهضة ومعيقاً في مسيرة تطور الفكر الديني والثقافي، وإما أنها تكون القيد الذي يقيد الفقيه وتلك النخب ويحد من قدراتهم للإفصاح عن الحقيقة "الفتوائية" لحكم ما، خوفا من العوام، وأيضا ينطبق ذلك على النخب الفكرية والثقافية.
فلولا العوام لكان الكثير من الفقهاء والنخب مبسوطو اليد واللسان في الافصاح عن حقيقة كثير من الفتاوى والأفكار التي تم التعتيم عليها، خوفا من العوام.
فنحن هنا أمام عدة حالات أهمها:
١. شعبوية تعيق وتقيد العلماء والنخب، وهنا موقف هذه النخب يعتمد على تشخيص الأصلح والأهم، إما وفق قاعدة تزاحم وتعارض المصالح، أو قاعدة تشخيص المصلحة والمفسدة، ولكل حالة يفترض من النخب دراستها وفق أسس سليمة وتشخيص مفاسدها ومصالحها ومن ثم بناء موقف وفقا لدراسة التشخيص الأنسب، أما الرضوخ الغير مدروس بحجة الخوف على المشاريع الخاصة، أو العزل الاجتماعي، فإن ذلك يكرس مع الجهل على حساب الوعي، وهنا لا أدعو لمواجهة هؤلاء مواجهة عنفية، بل أعني أن النخب من العلماء والمثقفين وظيفتهم هنا تشخيص الموقف الأنسب لكشف الحقيقة وآليات كشفها، ورصد كل الوسائل الممكنة في مواجهة هذه الشعبوية الصوتية غالبا، مواجهة معرفية مدروسة.
٢. شعبوية ترجح آراء لحساب آراء، وهذه الشعبوية غالبا لا تعتمد في ترجيحاتها على مرجحات علمية وموضوعية مدروسة بشكل دقيق، بل تعتمد غالبا على انفعالاتها وميولها خاصة العقدية، لذلك تلعب دورا مهما في تقوية مسار ضد آخر، وفي تبني آراء وإهمال أخرى، وهذه الشعبوية يستخدمها كثير من النخب من العلماء والمثقفين في مواجهة الآراء الأخرى خاصة الجديدة منها، مواجهة ليست معرفية قائمة على المحاججات البرهانية، بل مواجهة عنيفة يسقط فيها المختلف اجتماعيا وتسقط معه آراءه حتى لو كانت صائبة، وهذه هي الشعبوية الموجهة التي يستغلها البعض لتحقيق ما يراه هو، فهناك مرجعيات دينية وعلماء ونخب وخطباء استطاعوا فعليا أن يستخدموا سلطة العوام، أي الشعبوية، في الحفاظ على مكتسباتهم الفكرية التي تعتمد على التراث أكثر من اعتمادها على أصول ثابتة ومعاصرة في الفكر الديني. وقد تكون ظاهرة المنابر وما يرشح عنها هي أكبر ظاهرة تدلل على سلطة العوام، فالكثير من الخطباء يلجؤون إلى الطرح، إما التقليدي جدا البعيد عن واقع الدين والمختلط بالأعراف والتقاليد الباطلة، وإما إلى الطرح المذهبي القصصي نزولا عند رغبة عوام الناس.
٣. شعبوية واعية تواجه الانحراف بكافة أشكاله، وتضم في صفوفها النخب الفاعلة، التي تواجه الآخر المختلف مواجهات معرفية رصينة، تقوم على المحاججات البرهانية، ويكون جل همها رفع منسوب الوعي عند الجماهير، وتحويلها لرصيد فاعل في النهضة والتغيير.
فوظيفة المثقف أن يكون هو الراصد للإشكاليات الاجتماعية وهموم المجتمع، وأن يلعب دورا فاعلا وإيجابيا في وعي الجماهير وتوجيه هذا الوعي في تحقيق واقع الاصلاح والتغيير، وليس تحقيق مصالحه الخاصة. فالشعبوية ليست شر مطلق ولا خير مطلق، بل هي تعتمد كأداة فاعلة في التغيير، على الوعي وعلى معايير الخير والحق، وهي معايير على المثقف أولا استيعابها بشكل فاعل ، هذا إضافة إلى أن المسؤولية المكتنزة في داخل المثقف هي التي تدفعه لمواجهة القوة الخفية في الاجماع الشعبوي على قضية من القضايا، لأنها تعري مخاوفه النابعة من حب الانتماء للجماعة، والتي يرتفع منسوبها عند بروز إشكاليات اجتماعية يريد أن يواجهها بوعيه لا بوعي الإجماع الشعبوي، وتحت ضغط حب الانتماء والخوف من الإقصاء الاجتماعي والعزل التي تبرز عند الإجماعات الشعبوية وقوتها الخفية، فالمثقف عليه التخلي عن هذا الشعور الانحيازي للانتماء وحاجته له، وأن يواجه هذه القوة الخفية وهذه الحاجة الذاتية بفهم الواقع، وإدراك واقع هذه الإشكاليات وجذورها ومواجهة الإجماع الغير صائب، بالحقيقة والحلول التي تحل هذه الإشكاليات جذريا وليس ترقيعيا نزولا عند رغبة المجتمع، مراعيا في ذلك القابليات المختلفة في المجتمع، وموظفا خطابا يدركه الجميع، ومراعيا الرفق في طرح الحقيقة بتدرج لا يخل بالواقع وحقيقة الحلول.
"يؤكد مولر في كتابه[2] على ضرورة الحوار مع الشعبويين والإنصات لجمهورهم وعدم معاملتهم بدونية واحتقار، وهو ما يستلزم أيضاً محاولة فهم السياقات التي تدفع بالجماهير إلى الارتماء في أحضان الحركات الشعبوية، وهو تنبيه مهم في سياق مآلات الربيع العربي، خاصة وأن هذه المآلات السلبية في عدد من دول الربيع قد أدت بالعديد من النخب إلى تغليب الرأي القائل بأن الجماهير ميالة دائماً للعاطفة والعنف. فأحد المؤشرات المثيرة للاهتمام على هذه النظرة الدونية في الدول العربية هي الشعبية التي أصبح يتمتع بها في السنوات الأخيرة كتاب “سيكولوجية الجماهير” الذي صدر منذ أكثر من قرن للمفكر الفرنسي غوستاف لوبون، وهو كتاب يؤكد على النوازع العاطفية والغرائز اللاعقلانية والتدميرية للجماهيرـ وهي رؤية لا تخلو من التبسيط، وتؤدي في نهاية المطاف إلى نفس النظرة التحقيرية والمتعالية التي يحذر منها مولر"[3][4].
وللشعبوية اليوم أدوات عديدة وجديدة، فلم تعد الساحات العامة والأماكن الحساسة في البلد هي الساحات الفاعلة فيها تلك الجماهير، فاليوم هناك وسائل سهلة جدا ومتوفرة بشكل كبير لدى الجماهير، أهمها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى منابر صوتية، يمكن من خلالها تشكيل رأي عام ضاغط يدفع باتجاهات غالبا صوتية غير مدروسة، وتكون في كثير من الأحيان مؤثرة في قرارات أي سلطة، دينية كانت أو ثقافية أو سياسية.
فبعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد صناعة الوعي محصورة دون صدى، بل باتت تفاعلية ذات صدى عالمي، يتفاعل فيها الأفراد من المجتمعات المختلفة تفاعلا تواصليا ينعكس على حركة الوعي الفردي والاجتماعي، وتتواصل فيها مكونات المجتمع كافة بشكل مباشر وإن افتراضي مع النخب من العلماء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين، وتطرح الأسئلة بكافة إشكالها دون حرج، ويتم التفاعل مع هذه الحوارات والآراء بشكل مفتوح وواسع وكبير جدا.
ويتم من خلال هذا التفاعل تشكيل حركة موجية تتسع بشكل سريع ومتدرج تنتقل فيها الآراء والمعلومات بسهولة، ويتشكل خلالها وعي غير مكتمل، كون هذه المنصات إما تتحكم بها قوانين معينة أو محددات تمنع من تعميق الأفكار وتكاملها، وتطرح رؤوس أقلام تتحول ضمن ثقافة الجمهور إلى مسلمات دون فحص كل جوانبها ومبانيها وزوايا النظر فيها. فيتم تلاقف الآراء التي قد يكون مصدرها مجهولا أو منسوبا لشخصيات موهومة، يتم تناقل هذه الأفكار كمسلمات معرفية، بسرعة كبيرة تنتشر في مساحات وعي الجمهور وتشكل إما معول هدم وتبديل، أو معول بناء وتطوير، ويعتمد ذلك على نوعية الأفكار، ومستوى وعي الوسط الاجتماعي المطروحة فيه، ومدى فاعلية النخب وقدرتها على تفنيد تلك الأفكار ومواجهة غثها وسمينها.
وفي دراسة للمركز الديموقراطي العربي بعنوان : "دور مواقع التواصل الاجتماعي في السياسة الدولية" يذكر: "لقد أحدثت مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في عوالم الاتصال والتواصل والمعلومات ، ومست بقوة بمنظومات القيم الاجتماعية والثقافية وتدخلت على نطاق واسع في تغيير البنى والمؤسسات السياسية وفي حتى التلاعب بموازين القوى السائدة ، فقد أجمع خبراء الاتصالات على أن دخول أدوات الاتصال الجديدة إلى مجتمع ما ، يؤدي حتما إلى تعديلات وتأثيرات في منظومة القيم الإجتماعية مما ينعكس على النظام السياسي الداخلي ، وعليه فمنذ انطلاق مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنيت والمتضمنة(face book &Twitter & YouTube) وإلى حد هذه اللحظة بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم إلى ما يقارب ٤ مليارات مستخدم يملكون حساب وصفحة، سواء أكان هذا الحساب في الفيس بوك أو التويتر او الانستغرام أو حتى تطبيقات الأندرويد )فايبر و واتس اب وتليغرام ..الخ( ، حيث لاتزال هذه الوسائل تلقي الرواج والانتشار السريع لأنها اصبحت )ثورة العصر) أولاً ، وثانياً هناك من وضع الخطط لنشرها عن طريق توفيرها بأسعار زهيدة الثمن وتكاد تكون مجاناً ، ولذلك يختلف تعامل الدول والمجتمعات مع هذه الأدوات التواصلية من دولة لأخرى، وذلك حسب نظامها السياسي وأيديولوجيتها ودرجة حساسيتها الثقافية والسياسية"[5] .
"أن الابعاد الخاصة بشبكات التواصل الاجتماعي والتي لا تنشأ في الأصل من فراغ وإنما تخضع الى اعتبارات إيديولوجية فمؤسسو الشبكة سواء كانوا أفراداً أو جماعات يتبنون أفكاراً معينة، وتنشأ بناء على هذه أفكار الشبكة )نموذج شبكة الفيس بوك( ، وهذا لا يعني أن هناك حالة سكونية في البناء الشبكي، إذ قد تتغير الوجهات الفكرية لمؤسسي الشبكة تبعاً لتغيير الإيديولوجيا المسيطرة على تفكريهم، خاصةً أن الإيديولوجيات ليست حتمية ولذلك ظهرت محددات تبرز الطابع الإيديولوجي للشبكات الاجتماعية ومنها:
١. الإيديولوجيا السياسية وما يدور حولها من أحداث، أذ أصبحت هذه الشبكات أشكالاً من المداولة والنقاش حول الشأن العام، وسمحت للنخب تجاوز أليات تغيبها في المجال العمومي التقليدي الذي تسيطر عليه الدولة.
٢. الشبكات الاجتماعية لا تعمل بمعزل عن سياقها أي (المجتمع الافتراضي (، و إذا كانت الفرضية الأساسية للمجتمع الافتراضي منذ نشأته ترتكز على مشاركة الاهتمامات، فإن الأفراد أو الجماعات عند النفاذ إلى الشبكات الاجتماعية، يحتكمون إلى الاهتمامات التي تعد بدورها محدداً إيديولوجياً ينطوي على عنصر اختيار، يستمد مرجعيته من الأطر الفكرية الحاكمة للمستخدمين.
٣. إن الشبكات الاجتماعية أفرزت أشكالاً جديدة من الفعل الجماعي، وخلقت فضاءات بديلة اقتضت جماعات افتراضية، وتكونت حولها مشاغل مشتركة سياسيه واجتماعية وفنية ورياضية ومهنية تنطلق من أيديولوجيات متعددة.
بروز قادة رأي عام حدد لهم منابر إعلامية وتقنياتهم الخاصة لحشد الجماهير وتعبئة الأفراد ،وقد تكون هذه من أهم المحددات الإيديولوجية للشبكات الاجتماعية ، وذلك لكون قادة الرأي العام في مواقع التواصل يؤثرون بالمجتمع، وأصبحوا فاعلون باستطاعتهم أن يغيروا في الحياة ألاجتماعية والسياسية والثقافية ، ومع هذا وفي ظل تحولات العالم سياسية وخصوصا الواقع العربي برز فاعلون جدد من مختلف دول العالم، لا يأخذون جهداً في التسلسل للمجتمع الشبكي والذي أصبح نظاماً للعلاقات السياسية والاجتماعية والإنسانية والاتصالية ومتحكما فيها أيضا ، إذ يحاول هؤلاء استغلال أية وسيلة أو منصة لتكون وسما لهويتهم[6].
"من الناحية السيسيولوجية، فأن دخول التكنولوجيا الرقمية في المجتمع حوّل التفاعلات بين الإفراد ووسطهم الاجتماعي، لكن التطورات الاجتماعية بقيت مستقلة عن التقنية نفسها، فالإنترنت والهواتف المحمولة لها قدرة فائقة على محو الحدود بين الفضاءين العام والخاص واختصار المسافات واختزال الوقت، مما يجعل العمل الجماعي أكثر فعالية وتأثيراً، أي أنهما يسمحان بالاتصال بين عدد غير محدود بين المساحات الجغرافية وتبادل المعلومات وتنظيم اللقاءات والأنشطة وتوفير الفرصة بغض النظر عن المسافة وطبيعة المكان ما بين الأفراد، فالتقنية نفسها ليست من يحول العلاقات الاجتماعية بل أن طريقة استخدامها هي التي تحفّز القوى التي كانت موجودة أساساً في المجتمع قبل انتشارها وتجعلها راهنة، أنهم المستخدمون أو المستهلكون أو المستعملون الذي يستخدمون التقنية لأغراضهم وليس العكس (Ayari & Geisser, 2011, 47)".
وتخضع أيضا هذه الوسائل لقانون الشعبوية، كون نوعية المطروح كما أسلفنا خاضع لمستوى وعي وثقافة الجمهور، الذي غالبا لم يعد محليا خاصا، بل تجاوز التفاعل خارج الحدود الجغرافية، وتحول لتفاعلات مفتوحة الفضاء, مختلفة الثقافات والأفكار والإيديولوجيات، لكن أحد أهم إشكاليتها أنها غير مكشوفة الهوية، أي أن حقيقة المتحدث غير معروفة وقد تكون افتراضية غير واقعية، وتكون خلف هذه المنصات مجموعات أو قيادات مؤدلجة وموجهة، وطبعا هنا تصبح المساحات مختلفة وبالتالي يصبح الخطاب الموجه أشمل وأعمق ويتطلب دراية أكبر، وهو ما لا يمكن للمثقف الفرد القيام به منفردا، بل هذه المواجهة تتطلب المثقف المؤسسة، بمعنى قيام مؤسسات أهلية من أعضاء مثقفين ومراكز رصد ودراسة وتوثيق، لمتابعة آخر المعطيات الثقافية والإشكاليات التي تواجه المجتمعات في مواقع التواصل الاجتماعي، مضافا لوظيفتها الداخل محلية الخاصة بها، لذلك لم يعد مفيدا مواجهة الشعبوية مواجهة فردية من قبل المثقفين منفردين، بل على المواجهة أن تكون مؤسساتية توزع فيها الأدوار والمهام، وقائمة على أساس عمليات كالمراقبة والرصد والمعلومات ، ليستطيع المثقفين من تحليل المعلومات المقدمة ورصد الإشكاليات وفقها، وتقديم معالجات واقعية وعصرية، وهنا لا نعني بالمواجهة الصدام مع الشعب أو الجمهور المتكتل بعنوان قضية موحدة، بل نعني مواجهة الشعبوية معرفيا وإعادة صياغة وعي وازن يقلل من سلبياتها ويدفع لرفع أرصدتها الإيجابية في حركة المعرفة والتغيير والوعي. وهناك شعبوية إيجابية سأقوم بعمل إطلالة سريعة عليها. وهذه المؤسسات قد تتبناها الدولة وتفرض عليها سياق معرفي محدد وموجه، وقد تتبناها شخصية اقتصادية وتفرض وجهتها السياسية والمعرفية، وقد تتبناها مؤسسات دينية وكذلك تفرض نسقها المعرفي، ولكل الحق في التصدي، لكن في واقع الأمر معالجة هذه الإشكالية بدون تحيز معرفي، يتطلب تصدي النخب من المثقفين المستقلين، الذين يحملون هم المعرفة والوعي خارج نطاق التحيزات المعرفية خاصة السلبية منها.
خاتمة:
هناك عوامل مهمة في بناء علاقة سليمة بين المثقف والمجتمع هي:
١. إن وظيفة المثقف ومسؤوليته تفرض عليه أن يكون كفؤا في إنجاز مهمته، هذه الكفاءة تتطلب منه فاعلية على مستواه الشخصي من حيث السعي المستديم في طلب المعارف وتوسيعها، وإدراك الإشكاليات الاجتماعية إدراكا مجملا يمكنه من خلاله أن يشخص الخلل ويضع الحلول. مسؤوليته أولا لبناءه الذاتي ليكون كفؤا للتصدي الاجتماعي، وثانيا بناء المجتمع معرفيا، وهذا متوقف على كفاءته التي من خلالها سيصنع جسور ثقة تعزز من مصداقيته اجتماعيا، خاصة عندما يربط قوله بفعله، وهذه المصداقية تؤثر بفاعليته الاجتماعية وتأثيره في وعي المجتمع.
٢. الصدق من أهم ما يجب أن يتحلى به المثقف، صدقه مع ذاته من جهة، وصدقه مع مجتمعه من جهة أخرى، وهذا الصدق يحتم عليه عدم محاباة المجتمع والنزول عند ما يريده دون تصويب ونقد وتقييم وتوجيه، فقط يكون ما يريده المجتمع حقا ولكن يحتاج أن يصوب بطريقة مدروسة لتحقيق الهدف، ويحتاج أن تستخدم طرق وأدوات سليمة، لذلك المثقف يجب أن لا يحقق رغبة الجمهور تحت ضغط الجمهور عليه، أو بحجة الإسقاط والتشهير الاجتماعي، لأن من مصاديق صدق المثقف هو صدقه مع مجتمعه في كشف الواقع والحقيقة كما هي، لا كما يريده الجمهور.
٣. الاستعداد لتقديم التضحيات لأجل مسيرة الوعي، وصيرورة المجتمع في طريق الوعي، وعدم الالتفات للمصالح الشخصية والمكاسب الذاتية في هذا الطريق.
[1] من كتاب المثقف وجدلية القهر والاستبداد/إيمان شمس الدين/ ص ٢٤٢-٢٤٩+ ٣١٦/ دار الانتشار العربي ط١/ بيروت
[2] راجع الهوامش في في هذا الكتاب
[3] http://www.al-jazirah.com/2018/20180213/ar7.htm
[4] رغم أن كتاب “سيكولوجية الجماهير” قد صدر سنة 1895، وتلته انتقادات عديدة منذ مراجعة سيغموند فرويد لنظرية لوبون سنة 1921، من المثير للانتباه ملاحظة شعبية كتاب لوبون على مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية، وكذلك توالي الطبعات العربية للكتاب، حيث صدرت منذ سنة 2011، أي سنة الربيع إلى اليوم أكثر من ست طبعات. كمثال على استعمال كتاب لوبون للتعبير عن نظرة دونية للجماهير تبرر في نفس الوقت النخب الحاكمة في الدول العربية، انظر: رجاء العتيبي، “سيكولوجية الجماهير”، 13 فبراير 2018.
[5] مجلة اتجاهات سياسية – العدد الأول ديسمبر – كانون الأول – سنة “2017” احدى اصدرات
المركز الديمقراطي العربي
[6] بابكر مصطفى، معتصم /أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام/ مركز التنوير/ الخرطوم/ 2014/ ط 1/ ص 191-192.
[7] التحولات في النظام العربي: الجذور والأسباب وتحديات بناء الدولة العصرية / د. حسن عبدالله جوهر ـ أ. د. غسان العزي
قسم العلوم السياسية/جامعة الكويت