بعينه الثاقبة الرؤيا وبقلمه المبدع لخص ابراهيم الأمين المشهد السياسي وصولاً لإغتيال الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس, قراءة مهمة ارتأينا تقديمها لكم.
إضاءات
إسرائيل قدمت الأسباب الموجبة: لم نعد نتحمل والأعداء على باب الدار | مقامرة أميركا: اللعب باسم كلّ الوكلاء
ماذا يعني أن تتّخذ حكومة أكبر وأقوى دولة في العالم قراراً وتنفّذه عنوانه: اغتيال القائد العسكري العام لمحور المقاومة قاسم سليماني؟
منطقي أن يقفز الى الذهن، مباشرة، افتراض أن أميركا مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود. وإذا ما جرت استعادة ضربة القائم قبل أيام، والتنكيل بعشرات المقاتلين في نقطة تخصّ مريدي سليماني، يمكن تثبيت الصورة بالقول إن أميركا تقول لإيران وحلفائها: اسمعوا، أنا مستعدة للذهاب الى أبعد مما تعتقدون، فاعقلوا!
هذا يعني، ببساطة، أن الرسالة وصلت. وهذا يعني أن الأميركيين تعبوا وملّوا من كل أنواع الرسائل الملتوية. هم لا يقفون كثيراً عند اتهامهم بالفشل. أصلاً، لا أحد يحاسبهم. لذلك، يمكنهم أن يجربوا مرة ومرتين وألف مرة، فإذا ما نجحوا احتفلوا، وإذا فشلوا تراجعوا ليعاودوا الكرّة من جديد. في حالة إيران ومحور المقاومة، تعب الأميركيون من كل محاولات الهدم. لا حروب إسرائيل نفعت في سحق عظام حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين ولبنان، ولا كل مجانين العالم مدعومين بكل استخبارات العالم وجيوشه نجحوا في إسقاط سوريا. ولا كل الفشل السياسي والاقتصادي والوجود العسكري نجح في إمساكهم بكل العراق، ولا كل همجية آل سعود وأقرانهم من أمراء الصحراء نفعت في تركيع اليمن. وفوق كل ذلك، يرفع هؤلاء الأعداء رؤوسهم، ويعملون للمزيد، يبذلون كل الجهود العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية لتحقيق «معدلات عالية من نموّ القوة»، الأمر الذي يعرف الإسرائيليون ومعهم عرب أميركا معنى أن يتحوّل ذات صبيحة الى فعل متكامل...
بهذا المعنى، يمكن فهم خلفية القرار الأميركي باغتيال القائد سليماني، ومعه أبرز قادة المقاومة العراقية أبو مهدي المهندس. وبهذا المعنى، يمكن التعامل مع ما يحصل على أنها عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي»، قامت بها الولايات المتحدة بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن كل حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية.
ولمن لا يعرف ما الذي كان يحصل خلال العامين الماضيين، يمكن أن ندلّه على خطاب استراتيجي ألقاه رئيس أركان جيش العدو الجنرال أفيف كوخافي، قبل نحو أسبوعين في هرتسيليا، قدم فيه ما يمكن وصفه اليوم، بـ«الأسباب الموجبة لعملية الاغتيال».
الجنرال الإسرائيلي اختصر المشهد الإقليمي لناحية المخاطر التي يشكّلها محور المقاومة بكل أطرافه. وهو أشار مراراً الى قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، ودورها في رفد فصائل المقاومة بالعتاد النوعي، ليخلص إلى أن المطلوب توجيه ضربة ردعية لهذا الطرف. وهو ما يعيد الى الأذهان كلاماً تردّد مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة، عن رغبة أكيدة للعدو بتصفية اللواء سليماني.
قال كوخافي: «يوجد تغيير وتفاقم في التهديدات في كل المناطق التي تحيط بإسرائيل في الدائرة الأولى، وزيادة كبيرة في النشاطات السرية التي تركّز في الأساس على منع تعاظم قوة القدس في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة. سنواصل العمل في كل الدوائر وكل الدول». وانتقد بحسرة غياب ردود الفعل من دول الخليج والولايات المتحدة حيال الهجمات الإيرانية على منشآت النفط، مشيراً الى أنه «كان من الأفضل بكثير لو لم نكن وحدنا». وهو قال بعبارات واضحة وشفافة: «عندما تجتمع التكنولوجيا المتوفرة مع أفراد متطرفين وأعداء لدودين، لست بحاجة إلى صناعة عسكرية أو قوة سياسية لتعطيل الـ«GPS»، أو لامتلاك قدرة اختراق في السايبر. والصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كل الصناعات الأمنية في إسرائيل». كما كشف كوخافي أن قوة القدس في سوريا وحزب الله تمتلك أجهزة لتعطيل موجات الـ«spectrum»، وصواريخ الدفاع الجوي، و«نحن نبذل جهداً كبيراً لعدم السماح لأعدائنا بالتجهز بسلاح دقيق، وسنقوم بذلك بشكل سري وعلني وأيضاً بالمجازفة بمواجهة. وستكون هناك حالات تجازف فيها إسرائيل حتى عتبة المواجهة من أجل إحباط الصواريخ الدقيقة في الوقت المحدد»، وستواصل هذا النشاط لمنع تمركز «قوة القدس» في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة في كل أنحاء الشرق الأوسط.
وسط هذا المستوى العالي من الحافزية الإسرائيلية، لم يتعب الفلاسفة العسكريون في ابتداع المصطلحات التي توفر حلولاً لعقدة أن العدو غير قادر على شن حرب شاملة الآن. قالوا، في فترة سابقة، إن عدم حصول الحرب لا يمنع حصول «معارك بين الحروب». وعندما احتدمت المواجهات داخل دول الطوق، صاروا يتحدثون عن «مواجهة» أو «صدام» ما يمنع أحداً من الذهاب نحو الحروب. ومع فشل كل تجربة، ابتدع الفلاسفة إياهم الآن مبدأ «الأيام القتالية»، أي تلك التي تشير الى احتمال حصول مواجهة عسكرية تستمر لفترة زمنية وجيزة، ولا تستخدم فيها كل الأسلحة، وتنتهي بفرض وقائع جديدة أو قواعد لعبة جديدة.
ما يحصل عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي» قامت بها الولايات المتحدة أصالة عن نفسها ونيابة عن كل حلفائها وفي مقدمهم اسرائيل والسعودية
المصدر: الأخبار