قراءة في كتاب, ليتني أعيش في جلباب ابي\ ريم بركات زلوم
فلسطين
قراءة في كتاب, ليتني أعيش في جلباب ابي\ ريم بركات زلوم
21 شباط 2020 , 01:25 ص
لا يبدو الأمر سهلاً أن تُلخص حياة مناضل في سطور, حين تصدر الكلمات من ابنة محبة لأبيها فيتحول ما هو صعب لسهل وسلس , إختارت الكاتبة عنواناً ملفتاً لكتابها يعكس عمق العلاقة بين ريم ووالدها, بكلماتها الصا

لا يبدو الأمر سهلاً أن تُلخص حياة مناضل في سطور, حين تصدر الكلمات من ابنة محبة لأبيها فيتحول ما هو صعب لسهل وسلس , إختارت الكاتبة عنواناً ملفتاً لكتابها يعكس عمق العلاقة بين ريم ووالدها, بكلماتها الصادقة تمكنت ريم من إيصال رسالتها, كتبت نبذة عن أبيها المناضل والأكاديميّ المتميز, عرفته أنا كاتب هذه السطور, رجلاً, صلباً, صادقاً, مخلصاً وكريما, كان أخاً وصديقاً, لروح الراحل جسداً والحاضر في الذاكرة دوما, الدكتور بركات زلوم, الرحمة ولعائلته حسن الصبر والسلوان .

شاكر زلوم.

 

كتبت ريم بركات زلوم:

د. بركات زلوم ... فدائيٌ فلسطيني التحق بحركة فتح عام ١٩٦٨ , بعد هزيمة حزيران و تدرب في معسكرات الجيش المصري ثم التحق بإذاعة صوت العاصفة ؛ و هي الإذاعة الفلسطينية آنذاك ، و التي كانت فلسطين تمارس سيادتها كاملة من خلالها بالكلمة و بحماس شبابها الذين كانوا يسطرون انتصاراتٍ عبر الأثير ... الإذاعة آنذاك كانت هي خط دفاع و هجوم على المحتل في آن معاً ... كان القائمون عليها جميعاً من كتاب و مذيعين و مدراء ... فريقاً كاملاً ينسج خيوط وطنٍ رغماً عن أنف المحتل و جيوشه .... كان مبنى الإذاعة يشكل لهؤلاء الفرسان فلسطين مصغرة .... يمارسون فيه حقهم في الكلمة و التحليل و تحميس الشعب ... كما قال أبي بركات زلوم في حديثه عن الأناشيد التي كانت تنطلق من الإذاعة : " كانت الإذاعة و العمل فيها حلماً مشتركاً ، كان حلم الكل ... لم تكن هناك حالة فردية على الإطلاق ... كان الكل معنياً بالتفاصيل ... كان الكورس عندما ينشد نشيداً في الإذاعة ، كلنا كنا نقف و كنا نغني كما لو كنا في عرس ... كانت حفلتنا ... النشيد كان حفل جماعي ... المغنون نحن و المعلقون و المذيعون و الكتاب ... كل منا حينما يكون موجوداً لا بد أن يشارك في كل شيء ... في كل التفاصيل ... لم يكن العمل فردياً ... لم تكن لثورتنا مناسبة محددة و لم تكن لأناشيدنا مناسبة محددة ... أعتقد أن هذه الأناشيد كانت مناسبتها هي إحساسنا الدائم بثورة متواصلة و دائمة تريد أن تحرر وطناً هو وطننا ... كانت موجهة لكل الفئات و لكل الأعمار و لكل الأزمنة و لكل المناسبات ... كانت تكتسح كل المساحات على الإطلاق ... مساحات الناس و مساحات الأرض و مساحات المناسبات على اختلافها ... أناشيد الثورة هي جزءٌ من الفعل المقاتل ، مهدي سردانة يغني قصة شعب ... كانت الأناشيد تلعب دوراً حقيقياً و أساسياً في إلهاب مشاعر الناس و مشاعرنا جميعاً ... وسط الإيقاع الموسيقي الرائع الذي يجعلنا كما لو أننا نجري على تراب أرضنا .. كانت الأناشيد تتسم بالصدق . كانت الحرفية فيها تتكيء على عفوية هائلة ... الأناشيد حكاية لكل الناس ؛ للفلاحين و للعمال و لجموع الشعب ... لكل الفئات على الإطلاق ... كانت تلعب دوراً أساسياً في تحريض الناس . أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها ... سنوا عظامي سنوها ... طل سلاحي ... كانت تجري على لسان الناس بمختلف فئاتهم ... أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيع و المكبل ... أنشودة قادرة على أن تجري على اللسان بيسر و سهولة ... كانت من أروع الأناشيد التي لا يمكن لذاكرة أن تنساها ... تتكلم عن ثورة ليست عمياء ... ثورة لها هدفها ... هدف الثورة ليس القتال الأبدي ... أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيع و المكبل لتحمل بعدنا الأجيال منجل ... الزراعة و البناء و العمل ... هذا القتال لم يكن من أجل القتال .. كان القتال من أجل أن نبني الحياة فوق وطن هو وطننا ... " حصل بركات زلوم على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية و على الدكتوراة في النقد العربي القديم من جامعة الأزهر في القاهرة أثناء عمله في الإذاعة هناك . ثم و بعد إغلاق الإذاعة بسبب موقفهم من مبادرة " روجرز " خرج من مصر و انطلق مع صحبه إلى عمّان ليعمل في إذاعة فلسطين في جبل الأشرفية التي كان اسمها " زمزم ١٠٥ " . أذكر أن والدي كان يحدثنا عن تلك الإذاعة العجيبة التي كانت تبث بأقل الإمكانيات حيث كانوا يغطون الجدران بكراتين البيض للحصول على جودة الصوت المطلوبة ... كانت إذاعة تعمل بوقودٍ من العاملين عليها ... وقود يخلقه حبهم للوطن و رفضهم لأي سلب و أي قيد ... لم يطل به المقام في عمّان طويلاً ... حيث انطلق هو و صديقه الدكتور يحيى رباح إلى الجزائر ليطلقا منها إذاعة صوت العاصفة صوت فلسطين و يكونا كوادرها ... عمل أستاذاً جامعياً في جامعة " هواري بو مدين " في مدينة " تيزي وزو " الجزائرية ، و منها إلى جامعة " القاضي عياض " في مدينة مراكش المغربية . ثم عاد إلى الجزائر مرة أخرى ليدرس في جامعة وهران . و من المغرب العربي إلى الأردن حيث عمل أستاذاً جامعياً في جامعة الزيتونة الأردنية منذ بداية نشأتها . هذه الجامعات التي درس فيها عدداً كبيراً من السنين ما زال طلابها إلى اليوم يذكرونه و يذكرون وقفته في المدرج في محاضراته كمربي و كأخ و كصديق لهم قبل أن يكون أستاذاً ... بركات زلوم كان رجلاً لا يمكن أن يكرره زمن مرتين ... كان فدائياً حتى النخاع في فكره و في رأيه و في منهجه ... كان رجلاً يحمل هم أمة ... و عندما يحمل المرء على كاهليه هم أمة يصبح هو أمة بحد ذاته ... فقيمة المرء من قيمة ما يشغله . كان أبي استثنائياً جداً ... لدرجة جعلتني أرغب بأن يعرفه كل من لم يعرفه قبلاً ... تمنيت لو أنه كانت لي القدرة على أن أمسك بيده و أدور العالم كاملاً ليراني الخلق و أنا معه ... لأخبر كل شخص و كل شيء في هذا الكون أنه أبي ... لم يكن أبي يوماً شخصاً عادياً ... و الأشخاص الاستثنائيون لا ينبغي أن يغيبهم موت أو فراق ... أبي لم يكن جسداً يمشي فوق الأرض ينتهي بانتهاء مكوثه فوقها ... أبي هو فكرة و هو قيمة و هو أمة كاملة ... و لأن أبي هو أبي فكان يجب أن يظل حياً لدى الجميع كما هو حي في قلوب من عرفه ... كتابي هذا هو شبكة من نور رميتها في بحر بركات زلوم ... علها تجر لي و لو شيئاً بسيطاً من الذي كانه ... حاولت أن أكتب بتواضع قلمي عظمةً كانت فيه ... لا يمكن أن أصوّر ما أريد كاملاً ... لكني أقبل بالذي جنته شبكتي من ماء بحره ... فبلَلُها وحده يروي حكاية ...

المصدر: وكالات+إضاءات