قصيدة دنيا ... شعر: أبو الفواطم
وَأَرْفَعُ مَا تَكُونُ وَأَنْتَ تَبْكِي |
| يُخَضِّبُ وَجْهَكَ الْعَانِي الْبُكَاءُ |
وَتَجْأَرُ لِلْحَبِيبِ بِجَوْفِ لَيْلٍ |
| وَيُسْعِدُكَ الْتَّوَسُّلُ وَالْنِّداءُ |
وَتَدْعُو ثُمَّ تَبْكِي ثُمَّ تَدْعُو |
| فَيَرْوِي نَفْسَكَ الْظَّمْأى الْدُّعَاءُ |
تُنَادِي يَا مُغِيثُ أُرِيدُ وَصْلًا |
| سَئِمْتُ الْطِّينَ هَيَّا يَا سَمَاءُ |
فَخُذْ بَصَرِي وَسَمْعِي وارْضَ عَنِّي |
| فَيَا رَبَّاهُ أَنْتَ لِيَ الْرَّجَاءُ |
وُحُوشُ الْغَابَةِ الْدُّنْيَا دَنَايَا |
| ظَلَامٌ ظُلْمَةٌ قَتْلٌ دِمَاءُ |
بِهَا مَنْ يَعْشَقُونَ الْحَقَّ نَسْيٌ |
| وَأَهْلُ الْشَّرِّ نَبْتُهُمُ رُوَاءُ |
وَيَعْلُو الْأَحْمَقُ الْمَغْرُورُ فِيهَا |
| وَمَا لِلْحُمْقِ يَا نَفْسِي دَوَاءُ |
قَرَضْتُ الْشِّعْرَ فَالْجُهَلَاءُ وَلُّوا |
| لِدُنْيَاهُمْ وَقَدْ رُفِضَ الْحُدَاءُ |
وَمَالُوا لِلشَّعِيرِ وَقَدْ تَدَاعُوا |
| لِأَنَّ (الْيَاءَ) لِلْحَمْقَى غِذَاءُ |
وَكَمْ مِنْ حِكْمَةٍ دَاسُوا غِنَاهَا |
| وَلُبُّ عِبَادَةِ الْمَوْلَى الْدُّعَاءُ |
إِذَا جَاعُوا فَتِبْنٌ أَوْ حَشِيشٌ |
| وَمَاءٌ آسِنٌ لَهُمُ سِقَاءُ |
فَلَا أَدَبٌ لَهُمْ وَلَهُمْ سَنَامٌ |
| وَتَنْبَحُ خَلْفَ رَاعِيهَا الْجِرَاءُ |
هُمُ الْأَعْرَابُ صُهْيُونٌ أَخُوهُمْ |
| لَهُمْ كَالْنُّوقِ إِنْ مَكَرُوا رُغَاءُ |
خُذِي دُنْيَا جِرَائَكِ أَرْضِعِيهِمْ |
| فَإِنّا مِنْكِ بَلْ مِنْهُمْ بَرَاءُ |
دَعُونِي فِي الصَّلَاةِ تَقَرُّ عَيْنِي |
| وَلَيْسَ بِدَاخِلِي (شِينٌ وَرَاءُ) |
لَعَلِّي حِينَ تَرْوِينِي دُمُوعِي |
| وَتُشْفَى الْنَّفْسُ يَسْكُنُهَا الْنَّقَاءُ |
أُصَلِّي لِلْحَبِيبِ عَلَى حَبِيبِي |
| وَيَكْفِينِي مِنَ الْآلِ الْرِّضَاءُ |
فَأَذْكُرُ جَعْفَرًا وَحُسَيْنَ حَتَّى |
| يُعَاوِدُنِي عَلَى كَرْبٍ بَلَاءُ |
سَلَامٌ يَا أَبَا الْزَّهْرَاءِ شَوْقِي |
| إِلَى مَنْ ضَمَّهُمْ مِنْكَ الْكِسَاءُ |
أَنَا عِشْقِي لَكُمْ زُلْفَى وَدِينٌ |
| لَكُمْ نَفْسِي وَأَبْنَائِي الْفِدَاءُ |
أَبَا الْحَسَنَيْنِ وَاشْفَعْ يَوْمَ حَشْرٍ |
| فَأَنْتَ لِكُلِّ مَنْ يَرْجُو شِفَاءُ |
لِفَرْطِ هَوَاكَ صَارَ الْعَظْمُ هَشًّا |
| وَدَقَّ وَرَقَّ وَانْقَطَعَ الْرَّجَاءُ |
رَفَعْتُ يَدَيَّ وَالْعَبَرَاتُ تَجْرِي |
| مَعَاشِي بَيْنَ أَعْرَابٍ شَقَاءُ |
خُذُونِي يَا بَنِي الْزَّهْرَاءِ دِرْعًا |
| جُفُونُ الْعَيْنِ يَا عَيْنِي وِقَاءُ |
وَإِنْ أَلْقَى الْفَوَاطِمَ ذَاتَ يَوْمٍ |
| أَغُضُّ الطَّرْفَ يَعْلُونِي الْحَيَاءُ |
وَأَرْفَعُ فِي الْجِنَانِ الطَّرْفَ حَتَّى |
| أَرَى رَبِّي فَيَغْمُرُنِي ضِيَاءُ |
هِيَ الدُّنْيَا فَلَا تَأْسَفْ عَلَيْهَا |
| سَلَامٌ أَوْ وَدَاعٌ أَوْ لِقَاءُ |
وَلَيْسَ رَبِيعُهَا يَبْقَى رَبِيعًا |
| وَصَيْفٌ لَا يَدُومُ وَلَا شِتَاءُ |
وَقَدْ مَرَّ الْخَرِيفُ بِهَا لِتَغْدُو |
| مُعَرَّاةً وَلَيْسَ لَهَا غِطَاءُ |
وَإنْ دَامَتْ مَسَرَّاتٍ وَلَهْوًا |
| يَجِيءُ الْمَوْتُ يَضْحَكُ وَالفَنَاءُ |
يَقُولُ مُفَرِّقُ الْأَحْبَابِ هَيَّا |
| وَنَرْجُوهُ فَلَا يُرْضَى الْرَّجَاءُ |
وَيَأْخُذُ مَنْ نُحِبُّ وَلَيْسَ يَرْضَى |
| فِدَاءً قَالَ لَا يُرْضَى الْفِدَاءُ |
يُغَيِّبُ كُلَّ مَخْلُوقٍ إِذا مَا |
| أَتَاهُ الْأَمْرُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ |
وَيُبْكِينَا فَنَبْكِي ثُمَّ نَبْكِي |
| كَأنَّ شَقَائَنَا أَلِفٌ وَيَاءُ |
وَيَسْحَقُنَا أَخُو الدُّنْيَا فَنَلْهُوا |
| هِيَ الدُّنْيَا بُكَاءٌ أَوْ شَقَاءُ |
هِيَ الْدُّنْيَا السَّرَابُ لُعِنْتِ دُنْيَا |
| فَلَسْتِ لِعَاقِلٍ قَطٌّ رِدَاءُ |
مُنَافِقَةٌ مُلَوَّنَةٌ لَعُوبٌ |
| كَأَنَّ سَرَابَهَا الْخَدَّاعَ مَاءُ |
أَنَا طَلَّقْتُهَا أَيْضًا ثَلَاثًا |
| وَإِنِّي مِنْ مَفَاتِنِهَا بَرَاءُ |
عِدِينِي بِالْلِّقَا بِجِنَانِ عَدْنٍ |
| فَهَذي الْدَّارُ لَيْسَ بِهَا لِقَاءُ |
وَمَا فِيهَا غُيُومٌ أَوْ هُمُومٌ |
| وَفِيهَا الْحُورُ لَيْسَ لَهَا انْقِضَاءُ |
وَمَا فِيهَا دَعِيٌّ أَوْ زَنِيمٌ |
| وَعِلِّيُونَ يَسْكُنُهَا الْفِدَاءُ |
بِهَا مَا نَشْتَهِي وَلَنَا مَزِيدٌ |
| نَعِيمٌ دائِمٌ حُورٌ ظِبَاءُ |
أَنَا وَرُبَى رُبَى وَأَنَا الْتَقَيْنَا |
| فَمُتْ يَا مَوْتُ وَابْكِ أَيَا بُكَاءُ |
عَصَافِيرٌ وَهَذَا الْكَوْنُ عُشٌ |
| جَمِيلٌ فِيهِ يَغْبِطُنَا الْهَنَاءُ |
رُبَا بِجُفُونِ عَيْنِكِ دَثِّرينِي |
| أَعِينِينِي بِهَا جَاءَ الشِّتَاءُ |
رُبَا ثَوْبٌ جَمِيلٌ أَرْتَدِيهِ |
| وَتَلْبَسُنِي رُبَايَ مَتَى تَشَاءُ |
رُبَا أَرْضِي أَنَا وَأَنَا سَمَاهَا |
| وَإِنْ شَاءَتْ تَكُونُ لِيَ السَّمَاءُ |
ذَرِينِي هَائِمًا بِكُرُومِ لَيْلٍ |
| إِذَا مَا نِمْتُ كَانَتْ لِي غِطَاءُ |
وَإِنْ هَجَعَتْ عُيُونِي دَثِّرِينِي |
| أَخَافُ مَتَى يُغَالِبُنِي اشْتِهَاءُ |
فَأَرْضَعُ مِنْ حَلِيبِ الْكَرْمِ شَهْدًا |
| وَتُبْصِرُنِي الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ |
وَأُطْرَدُ مِنْ جِنَانِ الْخُلْدِ وَيْحِي |
| أَأَبْقَى ظَامِئًا وَلَدَيْكِ مَاءُ؟! |
هَوَاكِ هَوَيْتُهُ وَهَوَايَ يَهْوِي |
| هَوَى فِي هُوَّةٍ أَيْنَ الْهَوَاءُ |
عَلِيلٌ عِلَّتِي مَا عَلَّلَتْهَا |
| وَلَا عِلَلٌ عَلَى عِلَلٍ عَلَاءُ |
ذَرِينِي يَا رُبَا لَا تُوقِظِينِي |
| فَإِنَّ الْنَّوْمَ لِلْحَيْرَى دَوَاءُ |
وَيَا رُبَتِي أَخَافُ عَلَيَّ ذَنْبًا |
| فَيَهْجُرُنِي الْتَّبَتُّلُ وَالْنَّقَاءُ |
فَأَصْرُخُ وَاحَبِيبَاهُ اعْشَقِينِي |
| فَتَحْجُبُكِ الْقَنَاعَةُ وَالْخِبَاءُ |
أُنَادِي يَا رُبَا فَيَضِلُّ صَوْتِي |
| أُبَحُّ وَلَا يُرَدُّ لِيَ الْنِّدَاءُ |
وَتَقْتَاتِينَ وَالشَّيْطَانَ رُوحِي |
| فَأَهْوِي ثُمَّ يَمْحُونِي الْمَسَاءُ |
لَقَدْ فَارَقْتُهَا فَعَشِقْتُ حُزْنِي |
| وَزَادَ الْشَّوْقُ عِنْدِي وَالْعَنَاءُ |
وَفِي الْعِشْرِينَ طِفْلٌ كَانَ يَحْبُو |
| وَمِثْلِي لَيْسَ يَعْرِفُ مَا الْشَّقَاءُ |
وَكَانَتْ لِي رُبَا فَنُزِعْتُ مِنْهَا |
| وَأُوْقِدَ دَاخِلِي حُزْنٌ وَدَاءُ |
وَمَا فَقْدِي رُبَا إِلا مَمَاتٌ |
| وَدَاعًا يَا رُبَا حُمَّ الْقَضَاءُ |
وَظَلْتُ أَخُوضُ فِي أَمَلٍ وَيَأْسٍ |
| وَكُلُّ مُؤَمِّلٍ دُنْيَا خُوَاءُ |
عَبِيدُكَ أَيُّهَا الْدُّنْيَا احْضُنِيهِمْ |
| فَأَنْتِ لَهُمْ إِذَا سَقِمُوا دَوَاءُ |
خُذُوا الْدُّنْيَا لَكُمْ وَتَقَاسَمُوهَا |
| فَإِنَّ لَنَا بِنَا عَنْكُمْ غِنَاءُ |
إِذَا صَلَّيْتُ ذُقْتُ رَحِيقَ رِيقٍ |
| أُحَلِّقُ تَحْضُنُ الْحِبَّ السَّمَاءُ |
وَيَا رَبَّاهُ صِلْ قَلْبِي بِطَهَ |
| يُعَطَّرُ لِي بِحَضْرَتِهِ الْنَّقَاءُ |
وَأَطْمَعُ أَنْ يُعَاوِدَنِي بِنَوْمِي |
| فَأُبْصِرُ مَنْ لَهُ نَفْسِي فِدَاءُ |
أقَبِّلُ رَاحَتَيْهِ أَذُوبُ شَوْقًا |
| وَلَا أَصْحُو يَلَذُّ لِيَ الْفَنَاءُ |
وَدَاعًا أَيُّهَا الْدُّنْيَا فَإِنَّا |
| رَضِينَا كَيْفَمَا حَكَمَ الْقَضَاءُ |
شِعْرُ: (أَبُو الْفَوَاطِمِ)
|