الكاتب: وفيق رمضان\ لبنان
البحرين إذاً، وكما يظهر واضحاً، موقع استراتيجي يوفّر حماية للأنظمة السياسية في الخليج إنما في وجه مَن؟ فـ"إسرائيل" ليست هناك وروسيا بعيد
الكاتب: وفيق رمضان\ لبنان
البحرين إذاً، وكما يظهر واضحاً، موقع استراتيجي يوفّر حماية للأنظمة السياسية في الخليج إنما في وجه مَن؟ فـ"إسرائيل" ليست هناك وروسيا بعيدة والصين في أقصى الأرض وهذا بمفرده دليل ساطع على ارتباط هذا الانتشار العسكري بالسياسات الإيرانية التي ترفض الهيمنة الأميركية ، وتؤيد تحرير فلسطين من باب العمل الفعلي من أجلها في غزّة ولبنان وسوريا وليس على مستوى الخطابات والابتهالات.
قمّة البحرين المُرتَقبة الأسبوع الأخير من حزيران المقبل تُلخّصُ الأبعاد الفعلية للتوتّر العسكري الكبير الذي يُخيّمُ على منطقة الخليج وصولاً إلى أعالي اليمن.
فالقوى الأميركية والخليجية والإسرائيلية التي يُهدّدُ الرئيس الأميركي ترامب بإسمها بمحو إيران ، هي نفسها الدول والقوى التي تستضيفها مملكة البحرين في قمّة لها هدف أساسي. وهو تأمين استثمارات «للأراضي الفلسطينية» و«السلام من أجل الازدهار» والشراكة الاستراتيجية مع الأميركيين، فيما تختصّ القمّة الخليجية في أواخر أيار الحالي بما يزعمون أنه "الإرهاب الإيراني".
التقاطعات الحادّة اذاً واضحة بين الحصار الحربي والاقتصادي غير المسبوق حول إيران وبين قمّتين إحداهما تريد خنق إيران وثانية تذهب نحو خنق فلسطين والعرب والعالم الإسلامي بكامله.
وإذا كان غياب «إسرائيل» عن القمّة العربية أمراً طبيعياً، لأنها كيان غير عربي، فإن وزير ماليتها موشيه كحلون مدعو للمشاركة في قمّة البحرين إلى جانب وزير الخزانة الأميركي ستيغين منوش ووزراء وقادة من الدول الإسلامية والعربية والأميركية واقتصاديين عالميين من أصحاب الشركات الكبرى، ولتمرير هذه القمّة بأقل قدر ممكن من الاعتراضات مع كثير من التأييد، جرى طرح شعارات جاذبة على مستوى الاقتصاد منها: فُرَصٌ مثيرة للفلسطينيين، استثمارات كبيرة «للأراضي الفلسطينية»، أفكار واستراتيجيات لدعم الاستثمارات، الدعم الاقتصادي للفلسطينيين والأردنيين والمصريين وخلق اقتصاد إقليمي ناجح.
وأرسل مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر اليهودي الأميركي والقائد الفعلي للقمّة شكراً كبيراً لدولة البحرين على «الاستضافة»، فيما اكتفى وزير المال البحريني سلمان بن خليفة بوصف القمّة بأنها تجسّد الشراكة الاستراتيجية بين العرب والأميركيين
للتنبّه فقط فإن مساحة البحرين تزيد قليلاً عن خمس مئة كيلومتر مربع وفيها قواعد عسكرية أميركية وبريطانية وفرنسية وسعودية وأخرى لمجلس التعاون الخليجي والقوات البحرينية وحضور عسكري إسرائيلي، ودرك أردني لقمع التظاهرات الداخلية، فماذا يبقى بعد كل هذا الانتشار العسكري العلني لإقامة السكان المحليين؟
وهل هذه شراكات استراتيجية عسكرية أم احتلال لأسباب أخرى تحت مُسمّى حماية العائلة الحاكمة؟
البحرين إذاً، وكما يظهر واضحاً، موقع استراتيجي يوفّر حماية للأنظمة السياسية في الخليج إنما في وجه مَن؟ فـ"إسرائيل" ليست هناك وروسيا بعيدة والصين في أقصى الأرض وهذا بمفرده دليل ساطع على ارتباط هذا الانتشار العسكري بالسياسات الإيرانية التي ترفض الهيمنة الأميركية ، وتؤيد تحرير فلسطين من باب العمل الفعلي من أجلها في غزّة ولبنان وسوريا وليس على مستوى الخطابات والابتهالات.
على المستوى العملي والواضح تريد قمّة البحرين تحقيق الجزء الثاني من صفقة القرن، وذلك عبر أمرين: الجمع بين معظم المسؤولين العرب وبين وزير المال الإسرائيلي وتأمين استثمارات لتمويل مشاريع في «أراضٍ فلسطينية» والتعويض على الأردن ومصر وربما لبنان بأموال خليجية وشركات غربية كالعادة، وتشكيل محور عربي إسلامي إسرائيلي برعاية أميركية معادٍ بالمطلق لإيران، فيتحقّق الجزء الأخير من صفقة القرن بالإنجاز العملي للجزء الثاني الحالي الناتج من قمّة البحرين المُرتقبة وأساسها الحلف الإسرائيلي العربي على أساسين: إنهاء القضية الفلسطينية نهائياً والاستعداء الدائم لإيران.
البحرين اذاً هي القاعدة العسكرية الأميركية لحماية العائلات الخليجية الحاكمة من مخاطر الداخل والخارج.
وهذا هدف استراتيجي لحماية سيطرة واشنطن على خطوط النفط حالياً والغاز في العقود المقبلة ، والاستمرار في فرض مستوى من التخلّف التاريخي لمواصلة تصدير السلع الغربية من «الإبرة» حتى الصاروخ، إلى بلدان خليجية لا تصنّع شيئاً.
هناك دلائل إضافية تؤكّد أن إيران لم تهاجم بلداً عربياً منذ الفتوحات الإسلامية والتاريخ خير شاهد، أما في بدايات القرن العشرين فلم تحارب أية دولة خليجية لأنها لم تكن قد تأسّست بعد، فمعظم هذه الإمارات والممالك تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الفائت ، باستثناء السعودية التي ابتكرتها المخابرات البريطانيّة والعقيدة الوهّابية وآل سعود في ثلاثينات القرن العشرين ، وتمتّعت هذه الإمارات بأفضل علاقات ممكنة مع إيران في المرحلة الشاهنشاهيّة، لأن الطرفين كانا تحت التغطية الأميركية، ما وفّر لهما قواسم مشتركة بما يؤكد أن الاستعداء الخليجي لإيران يعود إلى رفضها الهيمنة الأميركية وتدمير القضية الفلسطينية، فهل حكام الخليج والدول العربية ذاهبون إلى البحرين من خارج هذا السياق؟ إنهم في قلب حركة الانحطاط العربية، التي تخلّت حتى عن لغة التهديد بالخطابات فاستسلمت فعلياً ولغوياً وأصبحت تشكل رأس حربة النفوذ الأميركي في الشرق والشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
فهل تنجح قمّة البحرين في مشاريعها؟ هناك ثلاثة أهداف: الأول تدمير إيران وهو فاشل سلفاً، لأن ترامب اعترف بأنه لا يريد الحرب العسكرية بل الخنق الاقتصادي. وهذا يصيب حكام الخليج و«إسرائيل» بإحباط وجدت واشنطن له دواء بنشر مرتقب لعشرات آلاف الجنود الأميركيين في الخليج وعلى حساب دوله.
أما الحلف مع «إسرائيل» فقائم منذ أعوام عدّة ولن يتمدّد نحو دول جديدة في ضوء استمرار إيران بمقاومة الحصار وبموازاة تحرّك حلفائها ومنهم أنصار الله في اليمن الذين يمسكون الآن بقسم من الأمن النفطي العربي.
فلسطينياً فإن تنفيذ صفقة القرن أصبح مرتبطاً بالقدرة على خنق إيران.
فهل تنتظر إيران خنقها؟ هناك صمود إيراني داخلي يتقاطع مع حركة حلفاء يعرفون أن إسقاط إيران لا يعني إلا القضاء على القوى التي تحارب الأميركيين والخليجيين والإسرائيليين في سوريا والعراق واليمن، ما يجعل من فكرة خنق إيران أداة تخويف أميركية للخليج ووسيلة لربطه بحلف مع «إسرائيل» لا يخدم في حقيقة الأمر إلا دعم أُحادية النفوذ الأميركي .