مع تفاقم أزمة كورونا وعجز أغلب الدول عن السيطرة عليها ومواجهتها بفعالية بدأت يظهر اتجاه آخر من مقالات الكُتاب والمثقفین ومراکز الأبحاث والدراسات ،، ينتقد الاتجاه القائل بأن الأزمة ستقوض العولمة وتعزز دور وأهمية الدولة القومية، ومن يرى أن وباء كورونا يمكن أن يتسبب في استبدال الدولة بتنظيمات أخرى، وهناك رآي أخر فی ما بعد جاٸحة كورونا، ما الذي سيحل محل الدولة القومية؟ إن أزمة فيروس كورونا تمثل لحظة قطيعة في تاريخ البشرية ولحظة استمرار لمرض العولمة وحلقة من حلقات التدمير المستمر للأرض، إن مصير الدولة الوطنية سيكون مجهولا مثل مصير البشرية بعد كورونا وأحتمال إلى المزيد من العولمة ولکن بشکل أخر . إلى إعادة التفكير بأهمية البنى التحتیة الاجتماعية ما تحت الدولة مثل العائلة والمجمعات التضامنية. ويتوقع خبراء الإقتصاد أن يكون ما بعد كورونا أصعب بكثير قبل الوباء على الصعيد الاقتصادي، وأن الأسوأ قادم وأن العالم سوف یتعرض للأخطر من الأزمة الأقتصادیة التي تعرض لها فی عامي ۔1920 / 2008م . وستجبر نظام الرأسمالية على إعادة التفكير ،،
وقد کشف الوباء هشاشة العدید من دول العالم المُتقدمة ۔وأمام صاعقة الوباء ۔یقف العالم هذة اللحظة الفارقة فی تاریخ الأمم مذهولاً أمام هول الكارثة التي حلّت بالدول كافة، في ظل تفشي جائحة كورونا، وتساوي قدرة دول كبرى على المواجهة والاحتواء مع دول صغيرة وأخرى هشة ومفلسة، على سبيل المثال لا الحصر، الاردن ولبنان الذي فاق بقدرته على احتواء الوباء قدرة بعض الدول الأوروبية.والأکید أن الوباء قلب الموازین وکشف هشاشة دول مع أول أختبار فی ظل النظام العالمي الحالي وإعلان نهایة العولمة والتکتلات الأقتصادیة مثل فشل الإتحاد الاوروبي وظهور الأنانیة۔في مدى تعاون أوروبا في حل الأزمة، فهل يجتمع الاتحاد الأوروبي معًا ويحدد بفعالية استراتيجيات الصحة العامة والاستراتيجيات المالية وإعادة النمو الاقتصادي والتنمية الجديدة؟ إذا نجح الاتحاد الأوروبي في ذلك، فسيشير ذلك إلى أن نموذج الدولة القومية التقليدي المحدد فقط من خلال الجغرافيا انتهى في أوروبا ، ليحل محله شيء أكثر تركيزًا، وهو مجتمع من هويات ولغات وعرقیات مختلفة ملزمة بالمبادئ المشتركة. وإذا فشل الاتحاد الأوروبي، فإن الأمل في مستقبل نموذجي عالمي قد يتضاءل أيضًا في مناطق أخرى حول العالم. والسیناریو الأخر هو انهيار إيطاليا، والتي تحتفظ بوحدة هشة ومجزأة يهددها بالفناء فيروس كورونا بما قد يقسمها إلى إمارات كما كانت خلال فترة حکم الکنیسة وبالتالي سينهار المثل الأعلى للدول القومية "إيطاليا " وقد يحدث في باقى الدول وفقًا لـ "تأثير الدومينو". ويجدر التنويه أن هذا السيناريو سيحدث فقط إذا فشل الاتحاد الأوروبي في إيجاد حلول تفيد الجمیع وهناك تهديدات لها أبعاداً أخرى تتعلق بالاكتظاظ السكاني، والأمراض المعدية، والتحزبات القبلية والعشائرية، واعتبر أنها تشكّل تهديداً للأمن العالمي، ويمكنها أن تدمر النسيج الاجتماعي لكوكب الأرض.
وعلى الرغم من كل هذه التطورات والأفكار، بقيت الدول ،وخصوصاً الكبرى منها ، تركّز على البعدين العسكري والاقتصادي، باعتبارهما يشكّلان قوة الدول الأساسية، وبقيت العوامل الأخرى في إطار ثانوي، إلى أن أتت أزمة كورونا، فكشفت هشاشة التفكير الأمني التقليدي للدول وقصر نظرها. وهکذا يمكن أن نشير إلى بعض المقاربات العالمية التي ساهمت في تفاقم أزمة كورونا وتأثيراتها في بعض الدول، نذكر منها: امریکا
في مقارنة بين استراتيجية الأمن القومي التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتلك التي وضعها قبله الرئيس باراك أوباما، نجد أن التهديدات جراء التغيرات المناخية والبيئة والصحة وحقوق الإنسان التي أوردها الأخير في استراتيجيته، غابت كلياً عن استراتيجية ترامب، وحلّ مكانها التنافس الاستراتيجي مع روسيا والصين، والتهديدات من كوريا الشمالية وإيران كأولوية. استمر
الأوروبيون بشكل عام - بالتركيز على التهديد الاستراتيجي الروسي، وتنبّهوا إلى تحديات الهجرة غير الشرعية ومشاكل النمو الاقتصادي، وأغفلوا كلياً التهديد الصحي، بدليل أن معظم الدول الأوروبية قامت بخصخصة قطاعات الصحة والمواصلات وغيرها، معرّضة أمنها القومي لأخطار لم تكن في الحسبان.أن هذه الاتجاهات التكنولوجية والاقتصادية المترتبطة بفيروس كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير، بما يضع بقاء الدول القومية موضع تساؤل، وإذا كانت ستختفي فما الذي سيحل محلها؟ وهنا طرح عدة احتمالات أو بدائل للدولة القومية أحدها نظام المدن الکبیرة والتي يمكن إعادة تصميمها بشكل كبير في المستقبل لتقوم بتقديم الخدمات الأساسية بطريقة أكثر مرونة وأكثر قدرة على التصدي للأوبئة المستقبلية والكوارث الطبيعية الأخرى، ويتم تحديد هذه المدن بدرجة أقل من خلال الهوية الوطنية وبدرجة أكبر من خلال ما تقدمه للأفراد الذين يعيشون داخلها. وتمكن التكنولوجيا المدن الضخمة من الاستجابة بشكل أسرع من الدولة للمواطنين. ويتوقع " الباحث والکاتب براي " أن هذه المدن هي التي ستقوم بصياغة الاتفاقيات التجارية وترتيبات الصحة العامة واتفاقيات تغير المناخ مع المدن الأخرى حول العالم عبر العلاقات الدبلوماسية.
وهناك احتمال أخر هو مجموعات عبر
القومیة ۔ المنظمة على أساس الأيديولوجية أو الهوية المؤسسية لتحل محل الدولة القومية التي تحددها الجغرافيا. ففي عالم ما بعد كورونا ستكون هناك حاجة للتأكد من أن الأفراد غير معديين ولا يشكلون خطرًا على الآخرين وغير معرضين للعدوى أيضًا، وهو ما يحفز إنشاء حلول تكنولوجية مرتبطة بجواز سفر الشخص أو بعمله أو بعض الآليات العالمية الأخرى المشابهة والتي قد تمكن شخصًا من أن يصبح مقيمًا إلكترونيًا في إستونيا دون الإقامة الفعلية فيها. فيرى الکاتب " براي "أن تحديات ضمان أن الأفراد آمنون في السفر والسلع آمنة لعبور الحدود قد تجهد نموذج الدولة القومية بما يؤدي إلی انهيارها واستبدالها بشئ آخر قائم بدرجة أكبر ۔لابد للدول اليوم، وبعد أن تنجلي أزمة كورونا، من أن تعيد تقييم سياساتها الصحية، ووضع الأمن الصحي في سلم الأولويات، وبشكل موازٍ للأمن العسكري.
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة