يتساءل غالبية اللبنانيين منذ زمن طويل عن مزاريب الهدر والفساد وعن الثراء الفاحش الغير مشروع لمجموعة كبيرة من السياسيين الذين تولوا السلطة على مدى أكثر من ثلاثة عقود ، وكذلك عن ثروات أصحاب المصارف التي بلغت مليارات الدولارات من جرّاء الفوائد المرتفعة التي حصلوا عليها من المواطنين المقترضين ومن سندات الخزينة التي كانت تطرحها الحكومات المتعاقبة للإستدانة من مصارف الداخل والخارج، جرّاء السياسات الإقتصادية المالية الفاشلة التي كان يتحكّم فيها حاكم مصرف لبنان بالتواطؤ وزراء المالية بالتكافل مع الذين استولوا على مفاصل السلطة عن طريق الإنتخابات المزوٍّرة لإرادة المواطنين فعليّاً والمعتمدة على التعصّب والتحريض الطائفي والمذهبي.
لم يكتفِ أصحاب المصارف والمساهمين فيها بما حصلوا عليه من ثراء دون وجه حقّ وإنّما وصلت بهم الأمور إلى حدّ نهب أموال نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بطرق أقلّ ما يقال فيها أنّها مُلتوية وغير قانونية مهما كانت المُبرّرات التي يمكن الإستناد إليها.
"مارك جان عودة " أحد المساهمين الكبار في بنك "عودة"والذي هو من أكبر المصارف اللبنانية ومديره العام حتى العام 2018 ، يتقاضى تعويض 20 سنة خدمة من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي قيمته تتجاوز تعويضات مئات العمال والموظفين مجتمعين في نفس القطاع للمدّة ذاتها حيث بلغ ما تقاضاه الشخص المذكور مبلغ 8,358,303,000 مليارات ليرة ،أي ما يعادل 5,514,000 ملايين دولار أميركي على سعر الصرف الذي كان قائماً في وقت تقاضيه التعويض في 8/3/2018
علماً أن المدير المذكور هو أحد المساهمين الكبار في بنك عودة.
في الوقت الذي تتحكّم المصارف اللبنانية بأموال المودعين اللبنانيين فتحدّد لهم نسب فائدة متدنيّة بينما تتقاضى فوائد مرتفعة جدّا من المقترضين الذين هم بمئات الآلاف من المواطنين على مختلف المستويات .
وها هي المصارف التي كدّست أرباحاً تجاوزت 25 مليار دولار ،ها هي تمنع المودعين من التحكم بأموالهم لديها وأمام أعين القضاء الذي لم يتدخّل لحماية أصحاب الحقوق من حيتان المال والسياسة الذين سرقوا أموالهم وهرّبوها إلى الخارج حيث تبيّن أنّ قيمة ما تمّ تهريبه إلى الخارج يتجاوز ال 27 مليار دولار .
ولم يكتفِ أصحاب المصارف وأثرياء السلطة من السياسيين وحاكم مصرف لبنان الحامي والمساهم في عمليات الفساد الذين تورّطوا في فضيحة منح كبار الأثرياء والنافذين من السياسيين وأصحاب المليارات قروضاً بملايين الدولارات وبفوائد مدعومة يدفعها مصرف لبنان، حتى استهلكت أموال القروض الإسكانية التي كانت مخصصة للمواطنين لمساعدتهم على شراء شقق سكنية ، وعندما حاول القضاء بشخص القاصية "غاده عون " وضع يدها على بعض الملفات التي تخص أحد رؤوساء الوزارات السابقين ،تحوّلت القضيّة إلى قضيّة طائفية ومذهبية ، وتدخلّت السلطات القضائية الأعلى لوقف الملاحقة بحقّ السياسي المذكور الذي هو مُسجّل من بين أغنى أغنياء العالم.
"بنك عودة" نفسه الذي انكشفت فضيحة منحه تلك القروض المدعومة لأصحاب المليارات الذين كانوا يملكون أسهماً في البنك، والذي يمارس سياسة المنشار على ودائع اللبنانيين، سجّل لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أنه كان يمنح راتباً لمديره العام "جان مارك عودة" بحدود 314 مليون ليرة لبنانية (313,926,866) في الأشهر الأخيرة قبل إحالته إلى التقاعد في العام 2018، ليصبح تعويض نهاية الخدمة الذي حصل عليه من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 8 مليار و353 مليون و303 آلاف ليرة .
أي أن المدير العام لبنك عودة والذي تسلّم الإدارة العمّة عام 2004 كان يتقاضى راتباً يبلغ نحو 200 ألف دولار أمريكي شهرياً، وهو راتب خيالي في لبنان وفي أي دولة في العالم. حتى أن الرئيس الأميركي يبلغ راتبه السنوي خلال رئاسته الفعلية 400 ألف دولار أميركي. أي أن راتب مدير عام بنك عودة عن شهرين يساوي راتب الرئيس الأميركي عن سنة كاملة!.
null
نسخة عن السجل التجاري لبنك عودة يظهر فيه أسماء المساهمين.
لذا وجب الإجابة عن الأسئلة التالية:
- هل يحق للمساهم في المصرف أن يكون مسجّلاً للإستفادة من خدمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ، مع العلم أنّ أصحاب المؤسسات لا يحق لهم أن يكونوا مسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
- معرفة متى بدأ اعتماد هذا الراتب في الضمان الاجتماعي وما إذا كانت هناك عملية تحايل بزيادة الراتب قبل أشهر من التقاعد ليحصل على تعويض مرتفع، طالما أنه هو نفسه مساهم وصاحب القرار بتحديد الراتب باعتباره المدير العام للبنك؟!
ـ هل بلغ هذا الراتب هذا الرقم بالتدرج على مدى 20 سنة؟!.
ـ ما هو معدّل الرواتب للمدراء العامّون في في قطاع المصارف ؟
- هل جميع المدراء العامّون الذي إنتهت خدماتهم في القطاع المصرفي حصلوا على مثل هذا التعويضات الخياليّة ؟
أسئلة كثيرة تطرح حول حجم هذا التعويض، وما إذا كانت هناك عملية تحايل على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي دفع 8 مليارات و353 مليون ليرة تعويض نهاية خدمة لأحد المساهمين في القطاع المصرفي يعني أنّه من أصحاب المصرف، وما هو حجم الاقتطاعات التي حصل عليها الصندوق من راتب هذا "الموظّف" على مدى 20 سنة.
ومن المؤكد أنّ هذه التعويضات الضخمة ترهق صندوق تعويضات نهاية الخدمة في الضمان الإجتماعي.
وحتى الحصول على أجوبة شافية، سيبقى هذا التعويض الخيالي والراتب الخيالي قيد الشبهة.
والأحداث الأخيرة كشفت مدى هشاشة الوضع المالي والإقتصادي في لبنان الناتج عن الفساد المستشري في جميع القطاعات دون استثناء أي قطاع ، وهذا واحد من آلاف النماذج عن هدر وسلب المال العام من واحد من أهم المؤسسات التي التي وُجدت لتكون في خدمة العمال والموظفين ذوي الدخل المحدود.