حالة من الاضطراب والغليان يعيشها الشارع اللبناني تزامنا مع ما يجري من مشاكل اقتصادية وانهيار في سعر العملة الوطنية وتردي الوضع المعيشي اضافة للاجندات الداخلية والخارجية، كل هذا مهد لعدد من الاسئلة حول طبيعة المشهد اللبناني والى أين تتجه الأمور.
في هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فيصل عبد الساتر، في تصريح خاص لموقع اضاءات، "ان مايشهده لبنان من احتجاجات بدأت منذ 17 تشرين الاول 2019 وهي مستمرة بفصول متعددة حتى هذه اللحظة، وهي مرتبطة بالوضع الاقتصادي في لبنان بطبيعة الحال والسياسة الضريبية التي كانت تتبعها الحكومات المتعاقبة".
وأشار عبد الساتر، "الى أنه عندما انفجر الوضع في لبنان منذ ايام حكومة الرئيس سعد الحريري. كان العنوان لهذه التحركات هو الاحتجاج على السياسات الضريبية ثم ما لبث أن تحول الامر الى توظيف سياسي، والجميع كان يتابع هذا الامر من قبل أطراف سياسية كانت تريد ان تحقق تفرداً بالحكم ومنها تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، لكن الامور سارت على عكس مشتهى هؤلاء وتحولت هذه القضية الى مايشبه كرة النار يتقاذفها الجميع وتصيب الجميع في الساحة اللبنانية" .
وبلا شك أن تعدد المشغلين والموظفين لمثل هذه التحركات أخذت الأمور الى مكان أخر وزادت في الانهيارات المتسارعه على المستوى الاقتصادي والنقدي اللبناني، وهنا لا بد من تحديد طبيعة الاسباب التي ادت لحدوث ذلك التدهور السريع، أبرزها أن لبنان يشكو من مديونية عالية بالعملة الاجنبية وأن سياسات الهندسة المالية التي كانت تتبعها الادراة المالية، وتحديدا حاكم مصرف لبنان بالتعاون مع الطبقة السياسية والمصارف اللبنانية، الكل شارك في وضع مسار انحداري للاقتصاد اللبناني والعملية اللبنانية على اعتبار ان سياسة الاقتصاد الريعي التي أرساها الرئيس رفيق الحريري ومن ثم الحكومات المتعاقبة لم يأتي أحد لرئاسة الحكومة لكي يغير هذا النهج وبقي الاقتصاد اللبناني مدولراً بالكامل لايشجع الانتاج المحلي ويعتمد على الاستيراد بشكل أساسي.
كما أن حجم الاستيراد اللبناني على المستوى العام يقارب 23 مليار دولار وهذه جريمة فعلا اذا ماقيس الامر بعدد السكان في لبنان وحجم السلع التي تستورد من الخارج، وهذا الامر فيه انتحار بكل ماتعنيه الكلمة .
وتابع عبد الساتر، "ربما يقول البعض لماذا لم يتم مشاهدة هذا الامر من قبل والان بدأت تتكشف هذه الأمور، ولكن في الحقيقة لم يكن أحد يعير لمثل هذا الامر أي اهتمام لان الانشغالات الكثيرة التي ضربت الساحة اللبنانية وعدم وجود اهتزاز في سعر العملة لم يجعل احد يلتفت الى مثل هذا الامر وهنا اتكلم عن المواطن اللبناني، ولكن القوى السياسة والمشاركة في الحكم تعرف تماما ماهي ميزانيات الدولة وماهي الخزينة العامة وماهو حجم الموجودات، بالتالي لا عذر لهؤلاء في اخفاء المعلومات والحقائق عن الشعب اللبناني وعدم ايجاد البدائل".
وبين عبد الساتر، أن لبنان اليوم أمام أزمة مركبة ربما تصبح شديدة التعقيد اذا ما اضيف اليها الانهيار السريع في سعر العملة، وأيضا قرب حلول قانون قيصر حيز التنفيذ الذي يستهدف سورية، ولكنه سيخنق لبنان بالكامل لأن من مفاعيل قانون قيصر على الساحة اللبنانية أنه يستهدف أية علاقة مابين سورية ولبنان وهذا الامر ممكن أن ينسحب على الكثير من القضايا، لأن القانون هو أحادي ليس له شرعية قانونية على المستوى الدولي لكن الولايات المتحدة الامريكية وضعت مثل هذا القانون وهي تتعامل معه وفق ماتراه مناسب, بالنسبة اليها وان وضعت قواعد عامة كما تدعي لكن لا أحد يستطيع أن يضمن عملية التطبيق كيف ستكون، فضلا عن أنه غير شرعي وقانون ارهابي يخنق الشعوب لكن كما يقال نحن سنتعامل مع ماهو موجود.
وأوضح أن القانون الذي وقعه الرئيس الامريكي دونالد ترامب في أواخر السنة الماضية كان موجودا لم تلتفت اليه الحكومة السابقة ولم تتعاطى معه وربما كان هذا أمرا متعمداً بشكل او باخر، فالحكومة الحالية بدت وكانها اسقط في يدها، وأمام هذا القانون هناك انقسام وعدم وضوح في الرؤية البعض من قال أنه يريد أن يدرس هذا القانون وهناك من رد بطريقة معترضة على هذا القانون لان هذا الامر يجعل من لبنان بلد مخنوق بالكامل لان سورية تمثل له الرئة الحقيقية والبعض ذهب الى الطلب من الحكومة اللبنانية أن يكون هناك سماح على غرار مافعلته الحكومة العراقية مع أمريكا لان ايران متنفس كبير ورئة ولا يمكن ان تطبق العقوبات التي فرضتها واشنطن على ايران .
حتى الان ليس هناك رؤية واضحة ولكن الامور في لبنان مفتوحة على أكثر من صعيد، اليوم هناك تحركات خطيرة وبالامس كانالامر خطير ووصل الى احراق مؤسسات ورفع شعارات طائفية ومذهبية ولكن مع كل ما يجري ليس هناك مسؤولين واضحين توجه اليهم السهام بأنهم المسؤولون عما يحدث في لبنان، الكل يحاول ان يلقي المسؤولية على الاخر، الحكومة الحالية ورثت ارثا ثقيلا وتقول أنها محاربة من أطراف سياسية وأن بعض المؤسسات المالية لا زال يتلاعب بسعر صرف الدولار، وطبعا البعض يتهم المصارف والصرافين والبنك المركزي وحاكم المركزي، وكل هذا قد لايكون بالنسبة للمواطن اللبناني في صلب اهتمامه، وانما مايهم اللبنانيون ان يعود الدولار وأن يتوقف عند سعر معين وألا تنهار الليرة أكثر وأكثر خصوصا وان الامر بين سوريا ولبنان أصبح وكانه متصل بشكل كبير، علما ان لسورية نظام مختلف حتى البنية الاقتصادية مختلفة وفي سورية هناك رئيس يحكم ويأخذ القرارات يعزل رئيس الحكومة اما في لبنان ليس هناك من سلطة مركزية صاحبة قرار الكل يحاول أن يتصرف وكأنه ليس هناك دولة وهذه مكشلة كبيرة يواجهها الشعب اللبناني
وحول مايمكن أن تتجه اليه الامور، قال عبد الساتر، "الواضح أن خطاب رئيس الحكومة اليوم انه سيكمل في هذا المسار وكان كلامه من موقع قوة ولم يكن من موقع ضعف على الاطلاق، على الرغم من الامور كانت تتجه الى صدامات في أكثر من مدينة ومكان في لبنان والتصريحات السياسية ليست مبشرة بالخير على الاطلاق ، المهم أن الامور ماتزال حتى الان كالجمر تحت الرماد متى تنفجر لا يستطيع احد ان يتكهن بطبيعة مايحصل في لبنان والى اين ممكن ان تصل الامور لكن كمراقب أستطيع أن اقول ان هناك حلقة جهنمية هي ادارت الامور وأوصلتها الى ما نحن فيه.
وشدد على أن الحماية السياسية لحاكم مصرف لبنان سواء على المستوى الداخلي او الخارجي هي من تطيل في عمر الازمة وربما تأخذ اللبنانيين الى مايشبه التجويع الكامل خصوصاً وان الاحتياطي من العملة الصعبة لم يعد يكفي بحسب الاحصاءات والارقام ربما لسنة ونصف او سنتين يكون لبنان فرغ من العملة الصعبة، وهذا امر خطير جدا لان لبنان يحتاج سنويا على اقل تقدير الى 7 مليارات حتى يؤمن حاجاته الاساسية من السلع، بالتالي اذا لم يكن هناك من تدارك من قبل القوى السياسية في لبنان وان يكون هناك مظلة توفر الاستقرار الامني والسياسي في لبنان فالامور مفتوحة على كوارث بكل ما للكلمة من معنى .



