بين كلمة عاجز وكلمة عجوز، يوجد فرق كبير رغم أن الكلمتين تحملان صفة العجز نفسه...
العجوز هو صفة حالة التطور الطبيعي البيولوجي الذي يعبر عن تناقص القدرات بفعل تقدم السن..
أما العاجز، فهي صفة من يكون عاجزاً عن فعل ما أو أمر ما لأسباب ما... دون أن يكون لهذا علاقة بالتطور البيولوجي للمرء أو للمجتمع، أو للدول، أو للأحزاب... هو عجز القوي أو عجز الفتي...
يقول ابن خلدون في مقدمته، أن المجتمعات (الدول، الأحزاب مثلاً)، كما الأفراد، تولد وتنمو وتصاب بالأمراض وتصاب بالشيخوخة ثم تموت...
عاش ابن خلدون في أيام الإمارات الأندلسية، وربما كان من أوائل من كتب وتحدث في علم الإجتماع، وتناول تطور المجتمعات...
رغم عبقرية هذا العالم الجليل، إلا أنه لم يعط تعريفاً لحالة العجز الإرادي الذي قد نراه أحياناً، حيث يمكن أن يكون المرء قويَ البنيان ولكنه يختار أن لا يحاول استعمال قوته، أو يكون الحزب فتياََ، لكنه يتصرف بحكمة ربما، ولكن بعجز اكيد حين يتقوقع داخل هذه الحكمة ولا يحاول الخروج منها...
هل يمكن وصف حالة حزب الله في التعامل مع الوضع الداخلي في لبنان، عجزاً إرادياََ...؟
عندما يقول الإمام علي أن قول الحق لم يترك له صاحباََ، يمكننا الاستنتاج فوراً ان حزب الله لا يريد الوصول إلى وضع يجد فيه نفسه لا أصحاب ولا حلفاء لديه بسبب موقف حق، أو قول حق...
يقول الكثيرون من أعضاء الحزب أن كل النقد الذي يوجه إلى حزب الله فيه عدم تقدير لدقة الأوضاع...
كم مرة سمعنا عبارة "في فم الحزب ماء..."
هذا الأمر يحوي الكثير من الحقيقة فعلاً...
لكن يبدو أن حزب الله ينطلق من هذا الموقف الحكيم، فيبالغ إلى درجة عدم محاولة كسر حلقة العجز الإرادي هذه...
نأخذ مثلاً على ذلك موقف حزب الله من النظام اللبناني...
حتى البطرك الراعي أعلن بالفم الملآن، وأكثر من مرة أن الأزمة في لبنان هي أزمة نظام...
"يحور" أهل السياسة والبرامج السياسية على الشاشات ويدورون... يفتشون عن وصف لما يجري في لبنان، فلا يستطيعون إنكار أن لبنان يعيش أزمة نظام...
يصر بعضهم أن الأزمة ناتجة من عدم تطبيق اتفاق الطائف...
يضيف بعضهم الآخر أن المشكلة ليست في عدم وجود قوانين، بل أن المشكلة هي في عدم تطبيق هذه القوانين...
منذ سنين والعقلاء يجيبون بأن الاتفاق الذي جرى منذ ثلاثة عقود ولم يجر تطبيقه هو بالفعل اتفاق غير قابل للتطبيق، وألا فما سبب عدم تطبيقه...؟
نفس الأمر ينطبق على من يتحدث عن قوانين لا تجد طريقها إلى التطبيق...
إن عدم تطبيق القوانين ناتج عن خلل ما موجود في علاقة المجتمع اللبناني مع هذه القوانين... هو ليس مجرد إهمال مسؤول أو قاض أو أي كان...
حتى لو فرضنا جدلاً أن اتفاق الطائف كان اتفاقا عظيما في ذلك الزمان، فمن غير المفهوم أن تظل هذه العظمة دائمة لأكثر من ثلاثة عقود يتطور فيه المجتمع وعلينا نحن حبس أنفسنا في نصوص مضى عليها الزمن...
القوانين والدساتير وُجدت لخدمة المجتمعات ولم توجد لتكون إنجيلا أو قرآناََ غير قابل للمس...
حزب الله عرف هذا وقام بطرح عقد مؤتمر لإعادة النظر في هذه القوانين والبنود الدستورية التي عجزنا عن تطبيقها...
ولأن الاقتراح صدر عن حزب الله، انطلق كل عفاريت البلد يهاجمونه ويتهمون الحزب بالسعي إلى طرح المثالثة كبديل عن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين...
يكفي ان يقول حزب الله أن اللبن ابيض، حتى تخرج ابواق "التكفيريين" الجدد لتقسم أن اللبن أسود...
لأن حزب الله مصاب بعقدة عجز القوة الإرادي، لملم الحزب الموضوع فورا وتراجع عن أهم اقتراح صدر عنه في السنين الأخيرة...
لم يتناول سيغموند فرويد هذا العجز الإرادي، لذلك لا نجد له في دراسة علم النفس مكانا واضحا...
إنها عقدة البطة السوداء، أو القطة السوداء...
العقدة هنا متبادلة...
عقدة الاضطهاد عند الشيعة بفعل ما عانوا منه منذ أن اغتصب معاوية سدة لم يكن أهلاً لها، وحتى يومنا هذا مع حملات عرب اميركا، وكل أصحاب ثقافة "بدنا نعيش، ولو بلا كرامة"...
لبنان ملهى ليلي!!!... بلا مزارع شبعا وبلا تلال كفرشوبا!!!... بلا كم بئر نفط أو غاز... إسرائيل تحكمنا، اميركا تسوقنا كالنعاج...، كل هذا مش مهم... هذا هو منطق جماعة "بدنا نعيش"...
هؤلاء لا يرون أبعد من أنوفهم...
لذلك لا يرون أن مستقبلهم لن يكون افضل من مستقبل الفلسطينيين تحت الاستعمار الاستيطاني...
في المستقبل ال ١٠٤٥٢كلم٢، قد تصبح ٢٠٠٠كلم٢، أو حتى مجرد منطقة معزولة كما مناطق الغيتو التي يعيش فيها سكان أميركا وكندا الأصليون...
لأن حزب الله عنده عقد البطة السوداء، تراجع فوراً عن افضل اقتراح تم تقديمه لإيجاد اسس لإعادة بناء الدولة...
لأن المسحيين عندهم عقدة الأقلية والذميّة البغيضة وغير المقبولة إلا من مَن لا عقول عندهم... قفز البعض مرعوباََ، يريد المحافظة على امتيازات لا مستقبل... رغم ان الحل هو في الدولة العلمانية القوية العادلة...
لأن اتفاق الطائف، اتفاق فئوي طائفي قدمته اميركا والسعودية من أجل خلق فوارق مذهبية كما فعل بريمر في العراق، أصاب الرعب الكثيرين من السنة خوفا من خسارة امتيارات لا تليق بمن يريد بناء دولة قانون...
خاف جنبلاط الذي لم ينس وعد الأميركيين له بدولة كان سلطان باشا الاطرش رفضها لكن جنبلاط يحن إليها ويريدها على ما يبدو...
تراجع حزب الله عن دعوته...
هنا قمة العجز عند حزب الله...
هل فات الأوان...؟
بالتأكيد لا...
على حزب الله اليوم قبل الغد البدء بالتحضير لإقامة اكبر مؤتمر تأسيسي شعبي في تاريخ لبنان، يتم فيه دعوة كل الأحزاب والمنظمات والحركات والجمعيات والتجمعات اللبنانية، بمعدل ٣ إلى ٥ أفراد عن كل تجمع، ويتم دعوة قضاة وعلماء اقتصاد واجتماع وصحافة وإعلام ومهندسين وأطباء ومحامين الخ الخ...
تبدأ مناقشات شفافة على الهواء يتابعها كل الشعب اللبناني لوضع دستور جديد للجمهورية يرتكز على أحدث الدساتير العالمية ويضع كما في الدستور الألماني؛ يضع ثوابتا أزلية تشكل مقدمة هذا الدستور... مثلاً:
١- إن الذات الإنسانية والشعور الإنساني غير قابلين للمس...
٢- حرية الرأي وحرية الاعتقاد، من البديهيات الممنوع المس بها.٣- كل اللبنانيين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن المعتقد، أو اللون أو العرق أو الجنس (ذكر ام انثى)...
٤- لبنان بلد متعدد الثقافات، ولا يحق لأي كان قمع أي من هذه الثقافات...
٥- أعادة كتابة تاريخ لبنان ال ١٠٤٥٢ كلم٢... على أسس علمية...
٦- تجريم كراهية الغير، وبناء مجتمع التسامح والمواطنة...
الخ الخ...
حتى لو طال هذا المؤتمر، لا يهم...
نحن في الإنهيار منذ أكثر من سنتين ولم يفعل أحد شيئاً...
المهم أن نبدأ...
من المؤكد أن كون لبنان بلد التعدد الثقافي والديني سوف يفرض فصل الدين عن الدولة...
كما أن المسلمين والمسيحيين يعيشون داخل المجتمعات العلمانية، ويخضعون لقوانين هذا المجتمعات، إلا من أراد طائعاََ الزواج أو الميراث مثلا على القانون الديني، يكون هذا حقه... لكن دون أن يتأثر المجتمع سلبا من هذا...
نحن نعيش في الدول الأوروبية ونقبل هذا وعندما نعود إلى بلدنا، يريدون منا التذابح...
كفى...
الأخر هو إما اخ لك في الدين، أو أخ لك في الخلق.