موسى عبّاس
منذ أكثر من سنة قالها المتحكّم بمصرف لبنان والحاكم بأمره"رياض سلامة ":
"سيعتادون".سيعتاد اللبنانيون على النمط الجديد في التعامل مع ارتفاع سعر الدولار وسعر الدواء وجميع الأسعار.
قالها يومها من على منصّة القصر الجمهوري وفي كلّ مكان ، دون أن يأبه لجميع الذين حمّلوه مسؤولية مايجري والمطالبين بإقالته، لم يرتعش له لا جفنٌ ولا إصبعْ على الرغم من أنّ الغالبيّة العظمى من الشعب اللبناني طالبته بالإستقالة ونعتته بأبشع الصفات، نعم، كيف سيهتم أو يخشى أحداً طالما أعتى تجّار السياسة وتجّار الدّين في لبنان يدافعون عنه وعن تجّار المصارف .
كيف يخاف و"السي آي إيه" ومعها السلطات الأمريكية تحميه وتدافع عنه.
أمّا لماذا هذا الدعم الداخلي والخارجي يتواطآن على الشعب اللبناني بالتكافل والتضامن؟!
الإجابة واضحة لا لَبْسَ فيها :
-داخليّاً:أعتى الزعماء في لبنان ومن جميع المذاهب والطوائف ساهموا في نهب أموال الشعب اللبناني العامّة والخاصّة عبر التحكّم في مفاصل السلطات السياسية والإدارية والهيمنة على :"الجمارك والكهرباء وإحتكار جميع الشركات التي تستورد النفط والغاز والدواء وجميع السلع التي يستهلكها المواطنون،وأصحاب المصارف ومكاتب الصيرفة الكبرى"جميعهم متواطؤون مع حاكم المصرف الذي يعتبر كاتم اسرارهم وشريكهم في جميع ما ارتكبوه ولا زالوا بحقّ الشعب اللبناني".
-خارجيّاً: إنّ حاكم مصرف لبنان "رياض سلامة" له الفضل الأوّل في تنفيذ سياسة الحصار المالي ضد المقاومة وبيئتها"، وهو المنفّذ الأساسي للهندسات المالية التي يُشرّف عليها البنك الدولي والتي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والتي أدًت إلى تراكم الديون وإلى انهيار العملة اللبنانية والإقتصاد اللبناني ، والولايات المتحدة التي تدّعي محاربة الفاسدين هي التي تحمي كبار الفاسدين والناهبين للمال العام إن كانوا في السلطة أو خارجها.
بناءً عليه، فإنّ الطُغمة الحاكمة والمتحكّمة باللبنانيين تحيا بسلام لا يُكدّر صفوَ عيشها أيّ خوفٍ من المستقبل، ومما يخافون ؟!
أمِنَ الذين ثاروا بحجّة زيادة "ستّة سنتات" على مكالمات "الواتس أب"، بينما غطّوا في سبات نومة أهل الكهف على الرغم من تفاقم الزيادات على أسعار الخبز والغاز والبنزين والدواء التي ترتفع يومياً دون أن يتحرّك لهم ساكناً، أم من ثوّار السفارات وقطّاع الطرق جماعة الصهاينة والأعراب الصهيو-أمريكيين؟!
أعتقد جازماً أن الخوف الذي قد يعتري أصحاب السلطة هو من "الوعي " الذي ربّما يحدث عند أبناء طوائفهم ومذاهبهم الذين مازالوا يتّبعونهم ويُصدقونهم ويدافعون عنهم ، الوعي الذي لا بُدّ أن يوصلهم إلى حقيقة أن زعماءهم لا يهتمون ولا يكترثون لجوعهم ولا لفقرهم ولا لمعاناتهم مع أمراضهم، أولئك الزعماء يراهنون على استمرار الغشاوة التي تغطي أعين أنصارهم يعني على استمرار الغباء وإنْ كدتُ أجزُم بأنّ نسبة الأغبياء باتت متدنية جدّاً ، لكنّ الحسّ الطائفي والمذهبي الذي قد يدفع للخوف من الآخر وللإعتقاد بأنّ ذلك الآخر هو من طينة أخرى سيستولي على كلّ شيء إن تخلّوا عن زعيمهم ، وهنا تكمن المصيبة في أنّ ذلك الزعيم هو المنقذ والحامي ولا بديل له ولا مثيل.
زعماء لا همّ لهم اليوم لا الجوع ولا الفقر ولا أيّ شيء سوى الإنتخابات وموعدها وتجييش القاعدة الطائفية والمذهبية والمغتربين لحضّهم على الإقتراع .
وفي هذا المجال لا بُدّ للإنصاف أن نُفرّق بين من هم من المقاومة وحلفائها مع ما لنا من نقد كبير على بعض أولئك الحلفاء الذي رائحة فسادهم أدمنت الأنوف ، وبين أولئك الذين يسعون للإستيلاء على مفاصل السلطة عبر انتخابات تُغيّر الأكثرية لصالحهم مدعومين بالمال الأمريكي والخليجي وبأجهزة الإستخبارات التابعة لهم إضافةً إلى الدعم السياسي وإصدار القوانين التي تضع المقاومة على لائحة الإرهاب في خطوة تجعل غالبية المغتربين والمهاجرين يخشَوْن على مصالحهم وعلى أنفسهم فيما لو انتخبوا من هم ينتمون إلى الصفّ المقاوم للصهاينة وحلفائهم.
من أكثر الأمور غرابةً في لبنان الصمت المطبق عند الشعب اللبناني، وقد يكون الأصَحْ أن نقول " الشعوب اللبنانية" التي أنهكها تجَبُر السلطات الحاكمة والتي بعضها معروف للجميع والقسم الآخر منها يعمل خلف الكواليس ويُحرّكون دُمى الأسعار صعوداً ودون نزول، ومع هذا لا "ثورة جياع" ولا من يحزنون ، يبدو أنّهم تأقلموا وتحوّلوا طوابير ذلّ ٍ بدأت عند محطّات الوقود والصيدليات والأفران وعلى أبواب السفارات وتنتهي عند الأسوار الحديدية والإسمنتية التي تحيط قصور زعماء طوائفهم !.
من الملاحظ أنّ أحداً لم يعُد يسأل عن ودائعه المصرفية التي تشدّق عديد من الزعماء بأنّها خطٌّ أحمرْ لا يجب أن تُمَس وهو يعلم تمام العلم أنّه مع اللصوص من أمثاله نهبوها.
غريب هذا الصمت الذي لم يتحوّل إلى انفجار أضخم من زلزال مرفأ بيروت فيطيح بالقصور والعروش .
غريب صمت غالبية رجال الدّين الذين تحوّلوا إلى حرّاس للكنوز وخداماً لسلاطين السياسة والمال وباتت مواعظهم للحضّ على الصبر بدلاً من التحريض على الثورة ، على مبدأ :
" ما شبع غنيّ إلّا من جوع فقير " و"عجبت لإمرئٍ لا يجدُ قوتَ يومِه ولا يخرجُ على الناس شاهراً سيفه"!!!
لن يخرج أحداً شاهراً سيفه ، لأنّ سيف الخوف من الفتنة مُسْلَطٌ ينذرُ بقطعِ الأعناق بعد قطع الأرزاق.
عجيبٌ أمرَ أركان السلطة الذين تجمّعوا واحتفلوا بعيد الإستقلال!!
وكان الأجدر بهم الإحتفال بزمن الإنهيار والإحتضار.