كتب الأستاذ حليم خاتون:
حتى ما قبل حراك ١٧ تشرين، كان معظم اللبنانيين، بما في ذلك الكثير من طبقة المثقفين يرون أن لبنان يخضع لسلطة مجموعة من كبار السياسيين في البلد...
أكثر من مرة ردد شربل نحاس كلمة الستة الذين يديرون كل الامور في البلد، ويتمتعون بسند خارجي من هذا المحور أو ذاك، أو من هذا البلد أو ذاك...
لم يكتشف اللبنانيون فجأة أن الذين يحكمون البلد بالفعل هم أكثر من ستة أشخاص، وإن الدول التي تتحكم بالبلد هم مجموعة غير قليلة على الإطلاق قد يصل عددها إلى العشرات من الدول، بما في ذلك دول هي نفسها تابعة ولا تساوي في ميزان الدول حتى نبتة فجل ذابلة...
هَزُلَت، صار لبنان "ملطشة، للًي يسوى واللًي ما يسواش"...
لم يعد الأمر في لبنان بيد سعد الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وميشال عون وسليمان فرنجية والسيد نصرالله، كما يحب بعض اليسار المتأمرك الإشارة...
دخل على الخط عشرات السياسيين من ميقاتي إلى السنيورة إلى.... إلى حتى احمد فتفت وفلتة العصر فؤاد مخزومي وغيره ممن يتطلعون لوراثة سعد الحريري...
عند الدروز يصر المير ارسلان أن له وزن يريد استرجاعه، ولا يتأخر وئام وهاب عن لعب الدور المنوط به مؤخرا كطابة يمكن أن تنتقل من جهة في الملعب إلى جهة ثانية دون كثير عناء...
هو يوماً يمدح الإمارات، ويوماََ آخراََ يتحدث عن الخطر الروسي ضد أوكرانيا...
هو بالتأكيد إلى جانب سوريا، لكن لطشة من هنا او لطشة من هناك إلى حلفاء سوريا ممكن أيضاً في لعبة التوازن الدقيق على حبل مشدود...
عند المسيحيين يحاول سامي الجميل استعادة مجد عمه بشير
الذي لم يستطع امين وراثته،
كما أنه يوجد صراع خفي على وراثة ميشال عون بين الكثيرين، وجبران باسيل ليس الوحيد في الميدان...
لكن أن تصل الأمور أن يصبح حتى فارس سعيد ومروان حمادة وواصف حركة وسامي فتفت وصلاح المشنوق وأمثالهم من شلة وزن الريشة ممن يؤثر في مصير البلد... هذا فعلا كثير...
فقط منذ حوالي أقل من عشر سنوات، اكتشف شعب لبنان العظيم أن رجلا اسمه رياض سلامة يجلس فوق مسرح الدمى اللبناني، ويمسك بالكثير من الحبال التي تتحكم بهذه الدمى...
اكتشف اللبنانيون أن ميشال عون، حتى لو أراد، لا يستطيع رفع اصبع في وجه رياض سلامة... هما متساويان في نفس نقابة الطبقة الحاكمة...
اكتشف اللبنانيون أن رياض هذا، هو رمز الطائفية، لكنه أيضاً، فوق الطائفية، وفوق المذهبية...
بصفته ملكاََ للدولار، وبالتالي لكل العملات، لا يستطيع أي كان المس به...
كما كانت الليرة أيام الحرب "تقطع من هون لهونيك"... صار الدولار أداة حكم رياض سلامة...
هو، حسب جريدة الأخبار، لم يعر اي اهتمام لابراهيم كنعان، ولا لكل لجنة المال والموازنة حين طلبوا منهم رفع السحوبات من ٣٩٠٠ليرة للدولار... إلى سبعة أو عشرة ألاف ليرة...
لكنه، لم يستطع رفض طلب الرئيس بري، والرئيس بري هو من هو في هيكل السلطة في لبنان، فقام برفع السعر فورا ودون إبطاء إلى ٨٠٠٠ ليرة...
نواب حزب الله الذين انتقدوه حين لم يرفع السعر قبل اليوم، عادوا وانتقدوه حين رفع هذا السعر...
أحيانا يحار المرء من هؤلاء...
ماذا يريدون بالضبط...؟
ما هي مواقفهم، ما هي مبادئهم التي يجب أن لا تتغير...؟
ما هي مخططاتهم وبرامجهم، غير التنظير لانتخاب الحلفاء الذين لا يعرف الناس عنهم غير المر...
هل على جمهور المقاومة انتخاب آلان عون مثلاََ، رغم أن موقفه من القاضي بيطار لا يختلف عن موقف جعجع...
المهم، تبين أن أباطرة السياسة في لبنان، لا يتشاركون فقط مع أباطرة المال من أصحاب المصارف... لا بل هم معهم وإلى جانبهم في مجلس فراعنة البلد، حيث يجلس ملك ملوك المال، رياض سلامة...
حتى الرابع من آب ٢٠٢٠، كان اللبنانيون لا يصدقون أن في القضاء اللبناني، "إبن امرأة"...
حتى في عز "صراع الإخوة الأحباب" بين القاضي علي ابراهيم والقاضي غسان عويدات، لم يصدق اللبنانيون أن هناك خلافاً أو حتى اختلافا يمكن أن ينشأ...
الرجلان يتبعان رأسي الطائفتين الشيعية والسُنية المتحابان إلى درجة العشق وعدم قبول واحدهم في التخلي عن الآخر، حتى لو طلب لبن العصفور...
اللبنانيون الذين خبروا قضاء الرضاعة بعد اغتيال رفيق الحريري، لم يصدقوا أن بالإمكان أن يكون أحدهم رضع حليب سباع...
لكن وكما إذا ما أمر ربكم الاعلى أن يكون شيء ما شيئاً، فيصير...
كذلك في قضاء لبنان...
ما أن أمر الاميركيون، إذا بماري كلود نجم ومعها ميشال عون تُخرج لنا الأرانب، واحدا بعد الآخر...
فجأة يكتشف اللبنانيون، أن الرئيس ميشال عون "يرفض المصالح الحزبية الضيقة، ويجلب إلى رأس القضاء القاضي سهيل عبود الذي لا ينتمي إلى التيار بل هو أقرب ما يكون إلى فكر الكتائب والمدرسة المعروفة بتحالف المصالح مع أميركا...
ومرة أخرى، من يقول اميركا، يقول إسرائيل...
الذي لا يعرف يستطيع سؤال ماريا معلوف... هي اختصرت الطريق...
فجأة تقرر الوزيرة العلمانية جداً أن ملف انفجار المرفأ يجب أن يكون في يد المسيحيين...
وكما كان وزراء ونواب المقاومة في السلطة... بلا أدنى أي سلطة،
كذلك كانوا في القضاء، يوافقون على التوافق، دون حتى أن يعلموا على اي اساس، ولماذا...
جلبوا القاضي صوان، الناضج إلى حد ما، بداية لأنهم أرادوا تدويراََ للزوايا والتفتيش عن لغة مشتركة مع الأميركيين...
لكن حين لمسوا أن الأميركي يريد التفجير عادوا وجلبوا شاباََ يتراوح ما بين الطيش، وبين التصميم على المشي على البيض حتى لو أدى هذا إلى تكسيره...
هل اجتمع سهيل عبود ونسق مع ماري نجم قبل اختيار طارق بيطار...
هل هي معركة استقلالية القضاء فعلاً، أم تبعيته إلى المحور المعادي لكل ما هو مقاومة باسم النظام الحر أحياناً أو النأي بالنفس أحياناً أخرى، أو مجرد العداء لإيران ولكل ما تمثله إيران من قيم لا تناسب لبنان دولة المصرف والكازينو...
ثم عن أي استقلالية للقضاء يجري الحديث، وكأننا نعيش في جمهورية أفلاطون الفاضلة...
عن اي كذبة سمجة يجري الحديث وكل القضاء ليس سوى إنعكاسا لمجتمع فاسد بأمه وأبيه...
ما هي الضوابط التي يخضع لها هذا القضاء حتى نرضى أن يسجن من يريد كما اعتقالات إسرائيل الإدارية للفلسطينيين...
يُضحِك تعبير طارق البيطار حين أجاب بأنه إذا ما خير بين العيش في اميركا أو العيش في إيران، فإنه سوف يختار اميركا حتماََ...
تماما كما "حالات حتما"...
في عقل بيطار الباطني اميركا هي الخير... لذلك اختارها، دون مناقشة...
كما الطاووس... كما القذافي...
يقرأ علينا طارق بيطار مزاميره صارخاً...
أنا فرعون...
أنا قيصر...
نسي القيصر أن في نقابة حكام لبنان، قياصرة وفراعنة آخرين...
وأنه في النهاية لن يكون أكبر من قيصر روما حين يتفق بروتوس مع الآخرين، ويتم اختيار الأضحية ممن ينفش ريشه على مجلس مليء بمن يستطيع أيضاً نفش الريش أكثر منه...