كتب حسني محلي: نذر العام 2022.. حرب إردوغان مع الدولار من جديد!
ما الّذي حدث في تلك الليلة؟ الجواب في تصريحات زعماء الأحزاب التركية، والخبراء الاقتصاديين، وبالمعطيات والأرقام الحقيقيّة.
بعد المقال المنشور يوم 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي تحت عنوان “2021 في ربعه الأخير.. نهاية المعجزة الإردوغانية”، والذي جرى الحديث فيه عن واقع الاقتصاد والمال في تركيا، فاجأنا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد ساعات بقراراته المثيرة التي اعتبرها أنصاره وأتباعه “انتصاراً له على الدولار وعلى أعداء الأمة والدولة التركية”.
ما الّذي حدث في تلك الليلة؟
الجواب في تصريحات زعماء كلّ الأحزاب السياسية والخبراء الاقتصاديين، وبالمعطيات والأرقام الحقيقيّة. زعيم حزب “الشعب” الجمهوري كمال كليجدار أوغلو قال “إنَّ المصرف المركزي والمصارف الحكومية باعت في تلك الليلة 19,1 مليار دولار، ما ساهم في خفض قيمة الدولار من 18,4 ليرة إلى 10,5 ليرات”.
زعيم حزب “الديمقراطية والتقدم” ووزير الاقتصاد السابق (في حكومات إردوغان) علي باباجان وصف البرنامج الذي أعلنه إردوغان “بأنه فاشل”، وقال: “وصل احتياطي المصرف المركزي إلى مستوى خطر جداً، بعد أن تراجع من ناقص 47,9 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر إلى ناقص 64,6 مليار دولار يوم 22 كانون الأول/ديسمبر”.
زعيمة “الحزب الجيّد”، مارال آكشانار، ناشدت وزير المالية الكشف عن أسماء كلّ الذين باعوا دولاراتهم بسعر 18,4 ليرات، قبل أن يعلن إردوغان عن قراراته المالية ليلة 20 كانون الأول/ديسمبر أو في الساعات الأولى من القرار.
وزير المالية والخزانة نور الدين نباتي وصف القرارات الأخيرة “بأنها نموذج تركيّ جديد”، وقال “إنَّ المستثمرين الكبار يعرفون جيداً أن الدولار لا يمكنه أن يستمر بسعر 18 ليرة، فباعوا دولاراتهم في اللحظات الأخيرة، وكان المواطن البسيط هو الضحية، وهو الآن نادم على ما فعل”.
أقوال الوزير أثارت ردود فعل واسعة سياسياً وشعبياً، واتهم زعماء الأحزاب السياسية الدولة “بالتآمر على مواطنيها خدمةً لرجال الأعمال الكبار من أتباع إردوغان”، وتساءل الصّحافي يلماز آوزديل: “من هو الشخص الذي باع 1,5 مليار دولار بسعر 18,2 ليرة، ثم اشترى المبلغ نفسه مرة ثانية بسعر 10,5 ليرات؟”.
الخبراء الاقتصاديون اعتبروا الإجراءات المالية الأخيرة “ضرباً من الخيال”، وتوقّعوا فشلها مسبقاً، وهو ما دفع النيابة العامة إلى رفع دعوى قضائية ضدهم، بتهمة التشكيك في المعطيات الرسمية. وبعد أن أكّد إردوغان أكثر من مرة “عزمه وإصراره على خفض الفائدة، وهو ما تقتضيه النصوص الدينية (القرآن والأحاديث)”، وجد نفسه مضطراً إلى التراجع عن موقفه هذا، ناسياً النصوص المذكورة، وهو الَّذي قام بتغيير محافظ المصرف المركزي 3 مرات.
بعد أن تراجعت الفائدة إلى 14% تحت ضغوط الرئيس إردوغان، اقترح المصرف المركزي في إجراءاته الأخيرة على المواطن أن يحوّل دولاراته إلى الليرة التركية ويودعها في المصارف، مقابل فائدة سنوية تتراوح بين 14-16% سنوياً، على أن يعوّض المصرف المواطن خسارته في حال ارتفاع سعر صرف الدولار نهاية العام.
كما أوصى المصرف المواطنين ببيع مدّخراتهم من الذهب، وإيداع قيمتها بالليرة التركية في المصارف بالفائدة نفسها، على أن يتمّ تعويضهم في نهاية العام في حال ارتفع سعر الذهب عن سعره يوم فتح الحساب في المصرف.
المواطن التركي لم يقتنع بالبرنامج الجديد المعقَّد، لأنَّه لم يعد يثق بالحكومة وقراراتها، ما يفسّر أنَّ حجم المبالغ التي تم إيداعها في المصارف بالليرة التركية بعد 21 كانون الأول/ديسمبر لم يتجاوز 7 مليارات دولار من أصل 170 مليار دولار؛ حجم الإيداعات الفردية. والسبب في ذلك أنَّ الخبراء الاقتصاديين يتوقَّعون انهياراً جديداً لليرة التركية، بعد أن وصل المصرف المركزي إلى حالة الإفلاس، كما لا يخفي الخبراء قلقهم من مصير مشابه للخزانة العامة التي ستتحمّل أعباء تعويض المواطنين الذين فتحوا حسابات بالليرة التركية في حال ارتفاع سعر الدولار.
ويفسّر ذلك قرار الحكومة بزيادة أسعار منتجات القطاع العام وخدماته، كالطرقات السريعة والجسور المعلقة (60%)، والكهرباء (52-130%)، والغاز المنزلي (25%)، للمرة الثالثة خلال 8 أشهر، والبنزين (عندما كان الدولار 18 ليرة، كان سعر الليتر الواحد 11 ليرة. والآن، الدولار 13,5 ليرة، والليتر الواحد 13 ليرة).
يضاف إلى كل ذلك سلسلة من الضرائب على المعاملات الحكومية، وبنسب عالية جداً، في الوقت الَّذي فقدت المصارف الخاصة (حوالى 50% منها برأسمال أجنبي) ثقتها بالإجراءات المالية للحكومة، ما دفعها إلى رفع فوائد القروض إلى 28-30، على أن تدفع المصارف بدورها فائدة سنوية تتراوح بين 22-24% للمواطنين الَّذين يفتحون حسابات بالليرة التركية، ولكن من دون تعويضهم خسارة الدولار.
ويفسر كلّ ذلك مخاوف الأسواق الماليّة التي لم تعد تثق ببرامج الحكومة وتدابيرها المالية التي أثبتت فشلها، وخصوصاً بعد الإعلان (الإثنين) عن نسبة التضخّم السنوية التي وصلت إلى 38,08%، وهو ما رفع سعر الدولار ليصل إلى 13,7 ليرة.
واتّهم زعيم حزب الشعب الجمهوري الرئيس إردوغان “بالكذب على الشّعب في موضوع التضخّم”، وقال: “الواقع يقول إنَّ هذه النسبة ليست أقلّ من 80%. وقد قدَّرها الاقتصادي الأميركي الشهير ستيف هانك بـ90,88%”.
هذه التناقضات أفقدت الاقتصاد جميع مقوماته، بسبب السياسات الفاشلة التي أراد إردوغان وأتباعه أن يغطّوها بتوجيه التهم إلى الدول والقوى الخارجية، ناسين أنَّ من رفع قيمة الدولار قبل 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي هو إردوغان، وهو الذي افتخر بأنه خفض سعرها إلى 10,5 ليرات في ليلة واحدة، من دون أن يرد على اتهامات المعارضة له في ما يتعلق بمصير 150 مليار دولار تبخّرت من احتياطي المصرف المركزي، كما لم يرد حتى الآن على أيّ سؤال أو استفسار من المعارضة عما يتعلّق بقضايا الفساد التي أثقلت كاهل الاقتصاد برمّته، فقد حصلت 5 شركات مقاولات، أصحابها مقرّبون من إردوغان، على ما قيمته 200 مليار دولار (ليس بالليرة التركية) من مشاريع الدولة خلال 18 عاماً من حكم “العدالة والتنمية”.
وكانت قصّة مطار النصر في مدينة كوتاهيا الأطرف من نوعها، لأنّ الدولة تعهّدت للشركة التي نفّذت المشروع بأن يستقبل المطار 1207902 مسافر سنوياً، إلا أنَّ هذا العدد لم يتجاوز 9966، ما اضطرّ الخزانة إلى التعويض للشركة، وبالدولار، وبحسب سعر الصرف الحالي.
لا يريد إردوغان وإعلامه أن يتحدّث المواطن عن هذه القصص، بل يريدون له أن ينساها، وكما قال وزير المالية نباتي: “كنت أتمنّى أن أنام الآن وأستيقظ بعد 6 أشهر”. وكان دفاع وزير الداخلية سليمان صويلو عن سياسات الحكومة هو الأكثر إثارة، إذ قال: “لم نفعل أيّ شيء بإرادتنا. كلّ ما قمنا ونقوم به سببه أن الله تعالى أمرنا به”.
حسني محلي