الأردن: دَفْنُ الدّستورِ وخُرافةُ العقدِ الاجتماعيِّ.\ سعود قبيلات
دراسات و أبحاث
الأردن: دَفْنُ الدّستورِ وخُرافةُ العقدِ الاجتماعيِّ.\ سعود قبيلات
سعود قبيلات
14 كانون الثاني 2022 , 06:50 ص


يُشيِّع المواطنون الأردنيُّون الدَّستور (بالأحرى، ما تبقَّى منه) ويؤبِّنونه بطقوسٍ جنائزيَّة كربلائيَّة. هذا هو حال الأردنيين بعد مائة سنة من الحكم الهاشميّ. والأَولى هو أنْ يؤبِّن النِّظام آخر ما كان يتوهَّم (أو يوهم) أنَّه تبقَّى له مِنْ مظاهر الشَّرعيَّة.

الشَّرعيَّة تُستمدُّ من الشَّعب ومن الدَّستور الَّذي يجب – حسب الأصول المتعارَف عليها – أن يكون مقرَّاً باستفتاءٍ شعبيّ. أمَّا منطق القوَّة والقهر والتَّسلط، فيصنع أمراً واقعاً ولا يصنع شرعيّة.

التَّرجمة الدَّقيقة، لما حدث مؤخَّراً تحت مسمَّى التَّعديلات الدُّستوريَّة، تقول إنَّه، بدلاً من الدُّستور وحكم المؤسَّسات والقانون، أصبحت مشيئة الملك هي المرجعيَّة الأولى والأخيرة لكلّ شيء في الدّولة، وفوق هذا فهو بنصّ الدّستور «غير مسؤول» ولا يخضع للمساءلة! في الواقع، كان الحال دائماً هكذا طوال المائة سنة الماضية، ولكنَّه كان متستِّراً برداء الدّستور. الآن، هذا الرِّداء لم يعد موجوداً، وأصبح الحكم الفرديّ المطلق بلا أيّ غطاء.

المادَّة الأولى من الدّستور المغدور، تقول «نظام الحكم نيابيّ ملكيّ وراثيّ». وعلى هذه المادَّة، وكذلك المادَّة الَّتي تقول «الأمّة مصدر السُّلطات»، يقوم روح الدّستور؛ فالمادَّة الأولى تشتمل على تعريف نظام الحكم، كما أنَّها تحدِّد تراتبيَّة السُّلطات؛ أمَّا المادَّة الأخرى، فتؤكِّد أنَّ امتلاك الشَّرعيَّة الشَّعبيّة أمرٌ واجبٌ على الحكم ولا بديل له عنه. وما جرى على الدُّستور مِنْ «تعديلات» يناقض تماماً نصّ هاتين المادَّتين، وهو، بالنَّتيجة، يتنافى مع روح الدَّستور ومع كلّ الأعراف الدّستوريّة في العصر الحديث. هذا واضح تماماً ولا يحتاج إلى شرح أو تفسير؛ لكنَّهم لا يأبهون بما يقعون فيه مِنْ تناقضات؛ فالآن – كما يبدو – جاء وقت تسليم الوديعة، الأمر الَّذي يتطلَّب أن يكون القرار فرديّاً مطلقاً بلا أيّ لبس، وأن يكون الاعتماد على منطق القوّة والقهر وحده.

بعض حسني النِّيَّة، من المواطنين الأردنيين، يردُّون، على هذا التَّطاول الفظّ على الدّستور وعلى إرادة الشَّعب، بالكلام عمَّا يسمُّونه «العقد الاجتماعيّ» بين الهاشميين وبين الأردنيين. الحقيقة أنَّه لا أساس لهذا مطلقاً، فلا يوجد في وثائق التَّاريخ ووقائعه ما يؤيِّده. البعض يقول إنَّ المقصود بالعقد الاجتماعيّ إنَّما هو الدُّستور. ولكن، لا جديد في هذا ولا خصوصيّة؛ فالدَّساتير في كلّ دول العالم يُنظَر إليها على أنَّها بمثابة عقد اجتماعيّ.

وسأورد، تالياً، بعض الوقائع التَّاريخيَّة الَّتي تدحض خرافة العقد الاجتماعيّ هذه:

1. في مؤتمر السَّلط الَّذي شارك فيه 600 مِنْ شيوخ ووجهاء العشائر الأردنيَّة (وجهاء وشيوخ عشائر العدوان والمجالية والحويطات وبني صخر وبني حميدة وعشائر البلقاء الأخرى ووجهاء الشَّركس والعقبة)، وقد عُقِدَ في تاريخ 21 آب 1920، بحضور المندوب السَّاميّ البريطانيّ هربرت صموئيل، طالب المشاركون في المؤتمر بأن يحكم الأهالي أنفسهم بأنفسهم. وعندما اقترح أحد الأشخاص تنصيب أحد أبناء «الشَّريف حسين» ملكاً عليهم، لم يؤيّده في ذلك أيُّ واحدٍ من الحضور.

2. عندما وصل الأمير عبد الله إلى معان، «نزل من القطار، واثقاً مِنْ نفسه، وأعلن نفسه نائباً لملك سوريا، وأكَّد تصميمه على الزحف إلى دمشق لإخراج الفرنسيين منها وإعادة فيصل إلى عرشها. ودعا جميع العرب الصادقين إلى الالتفاف حوله لمساعدته في تحرير سوريا.» - «عامان في عمَّان» لخير الدّين الزركلي - ص 6

وما لبث (الأمير) أن أصدر بياناً وجَّهه «إلى كافَّة إخواننا السُّوريين».. ومِنْ ضمن ما قاله فيه: «كيف ترضون بأنْ تكون العاصمة الأمويّة مستعمرة فرنسيّة. إنْ رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وإنَ غايتنا الوحيدة كما يعلم الله نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم» - «عامان في عمَّان» لخير الدين الزركلي – ص 51

وقال مطمئناً المتشكِّكين: «وإنِّي سأعود، إنْ أبقاني الله حيّاً، إلى وطني يوم نزوح عدوّكم مِنْ بلادكم، وعلى هذا اليمين بالشرف وأمركم حينئذٍ لكم وبلادكم بين يديكم، متَّعها الله فيها بالعزّ والسؤدد والرفاهيّة والمجد» - «عامان في عمّان» لخير الدين الزركلي - ص 51

ويصف خير الدين الزركلي حال النَّاس إثر سماعهم هذا البيان، قائلاً: «ولو طاف في تلك الأيّام طائفٌ في سورية لسمع دقّات القلوب سروراً وابتهاجاً، ولأوشك أنْ يلمس الآمال متجسّمةً في الجماعات والأفراد، اغتباطاً بقرب يوم الخلاص والنجاة مِنْ شرك الاستعمار الآخذ منهم بالأيدي والأعناق». «عامان في عمَّان» - ص 75

ويقول الزركلي أيضاً، نقلا عن أحد الَّذين كانوا محيطين بالأمير في معان، آنذاك: «سمو الأمير متشوّق للعمل.. وهو لا يفتر عن التصريح أمام المحيطين به مِنْ رجال البلاد ولا سيّما مفكِّري الحضريين منهم بأنَّه ما جاء إلا منقذاً لسورية وما حولها».

ثمّ يضيف «وأكثر حديثه عن الثورة ووجوب التضحية». «عامان في عمّان» – ص 47

«وقد ثارت الحماسة في صدر الشَّيخ عودة أبي تايه فتبرّع للثَّورة بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه مِنْ ماله». «عامان في عمّان» – ص 48

(بعد ذلك بزمنٍ قصير [في أوَّل تشرين الأوَّل 1922]، أصدر الأمير، بينما هو يستعدّ للسَّفر إلى لندن، مرسوماً مِنْ عشر نقاط، وكانت النّقطة العاشرة فيه تنصّ على ما يلي: «يجب ترتيب مقدار خمسين جنديّاً مِنْ عموم درك المنطقة تحت قيادة أحد الضبّاط وإرسالهم إلى قصر الجفر واحتلاله». «عامان في عمَّان» – ص 229

ويوضّح الزركلي بأنّ المقصود بـ«قصر الجفر»، ذاك، هو قصرٌ كان يسكنه الشَّيخ عودة أبو تايه. «عامان في عمَّان» – ص 230).

الَّذين ذهبوا إلى معان، للقاء الأمير عند وصوله إليها، فعلوا ذلك بناءً على كلامه عن الثّورة ضدّ الاستعمار الفرنسيّ في سوريا؛ ولكن ما جرى فعلاً – كما هو معروف – هو أنَّ الأمير عبد الله، بعد قليل مِنْ وصوله إلى عمَّان، ذهب إلى القدس، وقابل هناك وزير المستعمرات البريطانيّ – آنذاك – ونستون تشرشل. وبعد ساعة، افترق الأمير والوزير متَّفقين على كتمان ما دار بينهما – بحسب خير الدين الزركلي – وتقرَّر تنصيب الأمير حاكماً للأردنّ تحت التَّجربة لمدَّة ستَّة أشهر.

تقول ماري ولسن في كتابها «عبد الله وشرق الأردن والصّهيونيّة»: «وافق عبد الله على الاضطلاع بمسؤوليّة شرق الأردن وحده لفترة ستّة أشهر، واعداً بإبقاء المنطقة قدر استطاعته خالية مِنْ نشاطات الإثارة المعادية لفرنسا والصّهيونيّة، مقابل حصوله على جعالة قدرها خمسة آلاف من الجنيهات الإسترلينيّة». ص 95.

وتصف «ولسن» علاقة عبد الله الأوَّل ببريطانيا قائلةً: «أمّا بالنِّسبة لعبد الله فإنّ بريطانيا كانت مصدر الدَّعم المهمّ الوحيد الذي أتاح له فرصة النَّجاة مِنْ سلسلة الانتفاضات والهجمات القبليّة في العشرينيّات». «عبد الله وشرق الأردن والصّهيونيّة» - ص 14

وتقول «ولسن» أيضاً إنَّ تشرتشل عند عودته إلى لندن، بعد لقائه مع عبد الله، قال: «يجب منح عبد الله على صعيد الخطب التي يلقيها هامشاً مساوياً للهامش الذي يتمتّع به عضو [في البرلمان] (يقصد البرلمان البريطانيّ) مؤيّد للحكومة، ولكنّه جالس على مقعد مهزوز». المرجع السَّابق - ص 107

تقول ماري ولسن، كذلك، إنّه بعد ما تسمّيه العصيان (وتقصد انتفاضة البلقاء) «تمّ الحفاظ على عرشه (عرش عبد الله) بفضل الدَّعم البريطانيّ لا التَّأييد المحلّيّ» - «عبد الله وشرق الأردن والصّهيونيّة» - ص 136

كما تقول أيضاً: «ظلّت عمليّة تداخل مصالح عبد الله مع مصالح بريطانيا مستمرّة طوال سنيّ حياة الأوّل كلّها». ص 18

3. عند وصول الأمير عبد الله إلى معان، وكانت – في حينه – تابعة للحجاز، وجَّه متصرِّف السَّلط – آنذاك – مظهر رسلان، رسالةً إليه، يسأله فيها عن سبب قدومه إلى البلاد، فأجاب عبد الله على الرِّسالة، قائلاً بكلّ وضوح: «إنّني سأزور شرق الأردن زيارة احتلاليّة».

4. مِنْ ضمن ما يوضِّح حجم رفض الشَّعب الأردنيّ للواقع السِّياسيّ المستَجِدّ، الَّذي فرضه عليه الانتداب البريطانيّ وتوابعه، هو القوانين القمعيّة العديدة الَّتي سُنَّت آنذاك، وعلى سبيل المثال: «قانون العقوبات المشتركة لسنة 1928»، و«قانون النَّفي والإبعاد لسنة 1928»، و«قانون الاجتماعات العامّة لسنة 1933»، وغيرها.

5. يشير «الكتاب الأسود في القضيَّة الأردنيَّة العربيَّة»، بالتفصيل، إلى تزييف إرادة الشَّعب، منذ البداية، بالقوّة؛ حيث كان يتمّ تزوير الانتخابات، وإجرائها بقانون انتخاب مرفوض من الشَّعب، ثمّ تُفرَض المشاركة فيها على النَّاس. «في القضيّة الأردنيّة العربيّة» (وهو الطَّبعة الثانية مِنْ «الكتاب الأسود في القضيَّة الأردنيّة العربيّة» الَّتي أشرف على إصدارها وقدَّم لها الشَّهيد ناهض حتَّر) – ص 48 – 49

6. عند تكليف رشيد طليع بتشكيل الحكومة، اشترط «أنْ يكون للبلاد مجلس تنتخبه انتخاباً صحيحاً، وقد رضي الأمير يومئذٍ». «عامان في عمَّان» – ص 176

ولكنَّه، بعد ذلك، ظلّ يماطل، في تلبية هذا الطَّلب. وعندما ألحّ عليه رشيد طليع، وافق على مجلس يُعيّن تعييناً، فقال طليع: «يجب أنْ يكون المجلس منتخباً برأي الأهالي».

وردّ عليه الأمير: «لا! هذا لا يكون». «عامان في عمَّان»

وردَّاً على تهميش الشَّعب الأردنيّ وإقصائه، تداعى متعلّمون ومثقّفون أردنيّون في تمّوز 1921 فأسَّسوا حزباً أسموه (الحزب الوطنيّ). طالب الحزب بحكومة دستوريّة. ومِنْ أعضائه: أديب وهبه، وعلي خلقي الشرايري، وعودة القسوس، وشمس الدِّين سامي، ومصطفى وهبي التلّ (عرار)، وأيّوب فاخر (رئيس بلديّة عمّان 1919 – 1920)ـ وصالح النَّجداوي. «ثورة البلقاء ومشروع الدَّولة الماجديَّة» - د. عبد الله العسَّاف – ص 151 – 152

7. يُضاف إلى ذلك، كلّه، الانتفاضات العديدة، الَّتي جرت آنذاك ضدّ الواقع السِّياسيّ الَّذي فرضه الانتداب البريطانيّ، وخصوصاً انتفاضة البلقاء وانتفاضة الكورة.

8. في تاريخ 14 آب 1923، وُجِّهَتْ رسالة، موقَّعة من الشَّركس والعجارمة وبني حميدة، إلى فيلبي الممثّل البريطانيّ في عمّان، جاء فيها «أنَّ الأمير عبد الله رفض المطالب الشَّرعيّة للشَّعب، وأنّ حكومته زجّت في السِّجن بعضاً من الَّذين طالبوا بالعدالة مِنْ أبناء البلاد، وأفلت بعضهم من السِّجن وأصبح ملاحقاً، وورد في الرسالة أيضاً: أنّ الأهالي لم يعودوا يستطيعون تحمّل مثل هذا الوضع من الظلم، وعدم المساواة، ولذلك ثاروا (وبالذَّات عرب البلقاء وبني حميدة) مِنْ أجل أنْ يحصلوا على حقوقهم». «ثورة البلقاء ومشروع الدّولة الماجديَّة» – ص 294

على أيَّة حال، أنصح كلَّ الرَّاغبين بالاستزادة في هذا المجال بقراءة سلسلة كُتُب الدكتور عصام السَّعديّ عن تاريخ الأردنّ خلال المائة سنة الماضية، وكذلك كُتُب الدّكتور عبد الله العسَّاف، وخصوصاً كتابه الموسوم «ثورة البلقاء ومشروع الدّولة الماجديّة»، وكتاب خير الدِّين الزركليّ «عامان في عمَّان» وهو صادر في العام 1923، و«الكتاب الأسود في القضية الأردنيّة العربيّة» الصَّادر عن اللجنة التَّنفيذيَّة للمؤتمر الوطنيّ الأردنيّ في العام 1929، وكتاب ماري ولسن «عبد الله وشرق الأردن والصّهيونيّة».. فهذه الكُتُب تشتمل على كمٍّ كبيرٍ ومهمٍّ من الوثائق التَّاريخيّة الأصليّة وشهادات شهود معاصرين للأحداث.

باختصار، في عشرينيَّات القرن الماضي كان يوجد مشروعان للدَّولة في الأردن:

الأوَّل، مشروع الشَّعب الأردنيّ وقياداته الوطنيّة، الَّذي كان يرمي إلى إقامة دولة وطنيّة ديمقراطيَّة مستقلة، تكون مناهضة للمشروع الصّهيونيّ في فلسطين وللانتداب البريطانيّ وللاحتلال الفرنسي الَّذي كان جاثماً على الأجزاء الشَّماليّة مِنْ البلاد السُّوريّة؛

الثَّاني، مشروع الانتداب البريطانيّ لإقامة نظام وظيفيّ تابع وأوتوقراطيّ تكون وظيفته الأساسيّة تسهيل تنفيذ وعد بلفور واستيعاب نتائجه الكارثيَّة بدلاً من العصابات الصّهيونيّة. ومِنْ أجل ذلك، جرى تهميش الشَّعب الأردنيّ وإقصائه وحرمانه مِنْ حقِّه المشروع في تقرير مصيره. ومِنْ أجله، أيضاً، ها هو النظام الآن قد عاد القهقرى مائة سنة إلى الوراء.. إلى حاله البدائيّ الَّذي كان قد نشأ به..

مشروع الدّولة الأوّل، يرِدُ كلامٌ عنه في قرارات المؤتمرات الوطنيّة الأردنيّة الَّتي سبقت قيام النِّظام الحاليّ.. مؤتمر قم ومؤتمر السَّلط ومؤتمر أمّ قيس.

وقد عُقِدَت هذه المؤتمرات، في الأصل، للرَّد على الأنباء الَّتي تواترت عن تقسيم البلاد السُّوريَّة بين الاستعمارين الفرنسيّ والبريطانيّ، وللردّ على وعد بلفور والاستيطان الصّهيونيّ في فلسطين.

جاء في عريضة وقَّعها الشَّيخ ناجي العزَّام وعدد من الشَّخصيَّات البارزة في الأردن في تاريخ 10 تشرين الثَّاني 1919 «إنَّ تواتر الإشاعات عن تقسيم البلاد (المقصود البلاد السُّوريَّة) قد جعلنا في هياجٍ عظيم، نحن عشائر قضاء عجلون ومشايخه وجميع أهاليه على اختلاف الملل.. نحن نحتج بكل قوانا على أقلِّ تقسيم يمسّ البلاد.. نحن مهيأون للدِّفاع أسوة بالأمم الحرَّة».

وعلى إثر ذلك (وبسببه)، جرى التَّداعي إلى عقد مؤتمرٍ وطنيٍّ في دارة الشَّيخ ناجي العزَّام في قرية «قم» غربيّ إربد، في تاريخ 6 نيسان 1920. شارك في المؤتمر مندوبون مِنْ فلسطين، منهم: يوسف الحايك، عبد الله الفاهوم، نايف الزّعبي ومحمود شتيوي ومحمد المغربي ومحمد السكجي. وفي الكلمة الافتتاحيَّة للمؤتمر، الَّتي ألقاها الشَّيخ ناجي العزَّام، قال: «إنَّ الهدف يا مشايخ قضاء عجلون مِنْ هذا الاجتماع هو الخروج بقرارات تتضمَّن الردّ السَّريع على الأعداء الكفار وقد اتفقنا في سما الروسان على أن يكون الرد بمهاجمة المستوطنات اليهودية في سمخ وبيسان وطبريا، والهمّة في عشائرنا ورجالنا، والله معنا، وسيشرح لكم الشَّيخ كايد المفلح خطَّة الهجوم التي ستكون في 20 نيسان».

وبالفعل، تمَّ تشكيل فصيل مسلَّح لهذا الغرض، بقيادة الشَّيخ كايد المفلح العبيدات، وبادر هذا الفصيل إلى مهاجمة المستوطنات الصّهيونيّة في تاريخ 20 نيسان 1920، كما هو مقرَّر، فاستُشهد قائدهُ وعددٌ مِنْ مقاتليه. وهذه قصّة معروفة.

وهكذا..

في المسافة الفاصلة بين مشروعيْ الدَّولة المتباينين، هذين، لا يوجد متَّسعٌ للحديث عن عقدٍ اجتماعيّ جرى إبرامه بين الأردنيين وبين النِّظام الهاشميّ.

على أيَّة حال، الشَّعب الأردنيّ امتلك الشَّجاعة ليشيِّع الدُّستور ويؤبِّنه.. بعدما رأى أنَّه قد تمَّ الغدر به، فهل يملك النِّظام شجاعةً مماثلة ليشيِّع شرعيَّته ويؤبِّنها؟!